"ليست للإفطار فقط".. موائد الرحمن تحتضن أمهات طلاب الثانوية العامة
ساعات طويلة من الانتظار تحت حرارة الشمس التي نسجت أشعتها في الوقت الذي يعاني فيه الجميع من مشقة الصوم وإرهاق السهر إلى جوار أبنائهم قبل موعد امتحانات "الثانوية العامة" والتي تركت أثرها الواضح عليهم أمام أبواب اللجان التي تحتضن الطلاب خلال الموسم السنوي والذي يحل هذا العام بالتزامن مع شهر رمضان، مما حدا بهم للاستسلام والجلوس على الأرصفة التي تشبعت بدرجة حرارة الجو المرتفعة.
لم تمر سوى بضع دقائق على هذا المشهد، حتى أقبل رجل أربعيني، اتضح أنه صاحب
إحدى موائد الرحمن المجاورة للمدرسة، ليهم بإخراج المقاعد من خيمته ويضعها بالقرب من
أولياء الأمور، وخاصةً الأمهات، معلنًا ترحيبه باستخدامهم لها بدلًا من معاناة الوقوف
والجلوس على أطراف الشارع "ربنا ينجحهم ويدينا الثواب، وأهو محدش بيستخدمهم دلوقتي".
كان لهذه المبادرة غير المتوقعة، أثرًا طيبًا على نفوس الأهالي ممن بدا عليهم
الإرهاق، والذي سرعان ما تلاشى مع الابتسامة التي أضفاها هذا الرجل عليهم، بعد أن سبقتها
تنهيدة تعبر عن شعورهم بقصر الوقت الذي كاد التعب أن يصور لهم أنه بلا نهاية، وذلك
بعدما سمح لهم بالجلوس على المقاعد المخصصة لموائد الرحمن في منطقة استظلوا بها من
ضوء الشمس الحارقة، بجوار بوابة المدرسة، فلم يترددوا للحظة حيث أقبلوا مسرعين نحوها،
وأفواههم تملؤها الأدعية لصاحب هذه المائدة الذي أشفق على حالهم دون تفرقة بين المسلمين
والأقباط من بينهم.
"ربنا يكرمه ويكرم عيالنا"
كانت هذه الدعوة الأكثر ترديدًا بين السيدات الجالسات على المقاعد، حيث علت أصوات بعضهن
بها، فيما انكبت أخريات على المصحف لتلاوة أيات من القرآن، وتبادلت سيدات الشكاوى من
صعوبة الاستذكار في رمضان ويليه العيد، في الوقت الذي انعزلت فيه أمهات عن المشهد،
حيث انفردن بمقاعدهن في حيرة بدت على مظهرهن، والتي صنعها قلق وتوتر انتابا قلوبهن
التي اعتصرت وجلًا، في ترقب للحظة استقبال صغارهن، فوحدهم القادرين على إعادة الطمأنينة
لهن.