أحمد فايق يكتب : أنا سعيد جداً لدرجة أننى سألعب الجولف
هو فيلم وثائقى من إنتاج المركز القومى للسينما وإخراج سامح إسطفانوس، شاهدته فى مسابقة مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ويحمل عنوان «أنا سعيد جدا لدرجة أننى سألعب الجولف»، ويطرح الفيلم مجموعة من التساؤلات حول عالم رياضة الجولف والفقر والعطش فى مصر، فقد بدأت لعبة الجولف فترة الاحتلال الإنجليزى، وبعد ثورة يوليو 52 توقفت تماما، كانت تمثل اللعبة الأكثر رقيا فى عالم الإقطاع الرأسمالى، غابت اللعبة لسنوات ثم عادت بداية من منتصف التسعينيات لتنتشر بقوة، وتحديدا مع بداية توغل جمال مبارك فى مقعد السلطة، مصر فيها 22 ملعب جولف بالإضافة إلى 12 ملعباً آخر تحت الإنشاء، ويمتلكهم جميعا رجال أعمال جمال مبارك، ويبلغ متوسط مساحة الملعب الواحد 100 فدان، هم يريدون عمل سياحة كاملة قائمة على ممارسة لعبة الجولف، لكنهم فى المقابل حصلوا على هذه الأراضى باعتبارها إسكان شباب فى بلد يتسول شبابه حجرة كى يتزوجوا فيها، الأزمة الحقيقية هى استخدام المياه العذبة فى رى هذه الملاعب، وأدى هذا لاستهلاك فيما لا يقل عن 42 مليون متر مكعب مياه فى مصر من أجل ملاعب الجولف، فى بلد يعانى من مجاعة مائية حقيقية، وفى حكى متواز نرى عالم رى ملاعب الجولف من خلال القائمين عليها، وتحليل هذا من خلال علماء الجيولوجيا، وفى المقابل نرى قرية بسيطة يشترى أبناؤها المياه لعدم توفرها، المفاجأة الثانية التى فجرها الفيلم هى أن ملاعب الجولف بها 160 فداناً من البحيرات الصناعية العذبة، وهو رقم يساوى ملايين من أمتار المياه المهدرة من أجل أن يلعب العشرات الجولف، وساهمت ملاعب الجولف فى استهلاك المياه الجوفية على طريق الإسكندرية الصحراوى وانخفض الاحتياطى فى هذا الطريق بنسبة متر واحد طبقا للتحليلات العلمية، أى أننا أمام جريمة فساد مكتملة الأركان، مياه تسرق وتنهب من أجل أن يلعب العشرات، وملايين يشترون المياه، وهذه هى الأزمة التى تعانى منها مصر الآن... ياسادة لا يوجد عدل فى بلادنا.
الحكومة تتحدث عن ترشيد استخدام المياه، ولم تطالب رجال الأعمال بعدم استهلاك المياه العذبة وتحلية مياه البحر من أجل رى ملاعبهم، فتكلفة تحلية متر مياه البحر تبلغ عشرة جنيهات، ومن يمتلك ملعب جولف من عشرات الفدادين لديه المليارات لفعل هذا، لكن دائما الحكومات متواطئة، والأنظمة لم تتغير، مثلما كان يحمى جمال مبارك فساد طبقة الإقطاع فى مصر، يفعل هذا خيرت الشاطر الآن، الجديد فقط هو محاولة استبدال رجال الأعمال بآخرين إخوان حتى يربحوا المليارات.
يطالبوننا بترشيد استهلاك الكهرباء، ويقطعونها عنا يوميا، ويذلونا بها، فهم يعطونها لنا لأنها مدعومة، لكن لا يقتربون من الصناعات الثقيلة وكثيفة الاستهلاك من الكهرباء، فمصانع الحديد والأسمنت تستنزف ثروة مصر الكهربائية، ويدفعون بالأسعار المدعمة، فهل هذا عدل؟
تطلب من المواطن أن يرشد استهلاك الكهرباء، وتذله لأنه يمتلك تكييفاً فى بلد يصل درجة حرارته لـ40 درجة مئوية، وتعتبر أن هذا التكييف رفاهية، وفى المقابل تصاب بالخرس، تجاه مصانع تستهلك نصف الطاقة الكهربائية فى مصر، وتبيع منتجاتها للمواطن بالسعر العالمى، وتحصل على الكهرباء بالأسعار المدعومة؟
نفس المصانع تستهلك الغاز والسولار بالأسعار المدعومة، ولا يقترب منها أحد، ترضخ لشروط قرض صندوق النقد الدولى وتطبق سياسات تقشفية فقط فى اتجاه الفقراء، وتتجاهل طبقة لا تتجاوز نسبة 5% من المصريين، تحتكر مصادر الطاقة والأراضى بالأسعار المدعومة، فهل هذا عدل؟
المواطن الذى يتهم بالسرقة من أجل رغيف خبز، يصدر ضده أحكام قضائية بالحبس لسنوات، ومن يسرق ثروات مصر لم يقترب منهم أحد ويكرمون، فهم يمتلكون جيوشا من النفوذ والمحامين، ويدفعون الرشاوى، ويقسمون أموالنا المنهوبة بينهم وبين النظام الحاكم، البلطجى الذى يقتل ويغتصب يتم سحله وقتله فى الشارع، ومن قتل شهداء الثورة بكل أحداثها منذ 25 يناير وحتى أحداث الاتحادية لا يسأل فهو يمتلك المال والنفوذ.
فى ولاية ساكسونيا الألمانية فى العصور الوسطى كان يحاكم الفقير، وحينما يرتكب الغنى أو صاحب النفوذ جريمة، فإن الأحكام تصدر ضد «خيال ظله» فإذا صدرحكم ضد المسئول أو الغنى بالإعدام فإنه كان يقف فى ميدان عام، ويشنق «ظله» فهم لا يستطيعون الاقتراب منه، من ارتكب مجزرة بورسعيد تم تكريمه، ومن قتل الشهداء فى الثورة نال ترقية، وكلها أيام معدودة وسيحصل مبارك على البراءة، محمد مرسى مبارك هو أسلوب حياة وليس شخصاً، فقد ذهب أحمد عز وجاء خيرت الشاطر، وإذا كان حبيب العادلى قد سجن فمحمد البلتاجى حى لا يموت، وإذا كان جمال مبارك كان يحكم من وراء الستار، فمرشد الإخوان يفعل نفس الشىء، ميليشيات بلطجية حبيب العادلى لا تختلف عن ميليشيات الإخوان التى قتلت الحسينى أبو ضيف فى الاتحادية.
هذه الأسئلة ستدور فى رأسك بعد مشاهدة هذا الفيلم، وغيرها حول نهب مصر المتواصل من مبارك للعسكر للإخوان، فهل عرفت الآن لماذا يكرهون السينما ويكفرونها ويحرمونها؟