رزق رمضان على أرصفة الحسين.. فرشة الإفطار بـ 20 جنيهًا لقاصدي "حفيد النبي"
قبل أن تتوارى شمس الأصيل ليحل الغروب معلنًا قرب موعد أذان المغرب، يبدأ زوار الحسين في الاحتشاد على أحد الأرصفة التي تتوسط ساحة المسجد، ليفترشوا طعامهم وشرابهم استعدادًا لتناول الإفطار على قطع من القماش والسجاد البالي، تُنظمها سيدة تقبع على الرصيف منذ بداية الشهر، لتحصد رزقها من إيجار "المفارش" لقاصدي الإفطار بجوار "حفيد النبي".
"الفرشة بـ 20 جنيه"،
عبارة تكررها السيدة الخمسينية، على كل من يتردد عليها، حيث تجمع قوت يومها من تأجير
الرصيف لبعض الأسر التي تحضر طعامها لتناول الإفطار في أجواء روحانية مميزة، فيستمتعون
بتذوق حلاوة رمضان بأقل تكلفة، بعيدًا عن استغلال المطاعم الباهظة.
تنتظر العجوز، أن تجمع أكبر قدر من الزبائن، لتشرع في نصب "العدة"،
والتي تتمثل في بضع أكواب تتنوع بين الزجاجية
والبلاستيكية، وعلب للشاي والسكر، بالإضافة إلى قوارير للمياه المثلجة والعصائر، لتبيعها
إلى الصائمين المارين أمامها أو المستأجرين على رصيفها.
ومع رفع أذان المغرب، تنعزل السيدة ذات الخمسون عامًا، عن الجميع، حيث تنهمك
في كسر صيامها وتناول فطورها، غير مبالية سوى بالربح الذي جنته من إيجار الرصيف، فلا
تعبأ بالمخلفات وبقايا العلب والأطعمة التي
يتركها الجالسون خلفهم قبل أن ينهضوا لصلاة التراويح، والتي تنسج لوحة غير حضارية،
بخيوط العشوائية التي بدت للسياح والزائرين بمثابة مقلب للقمامة بسبب الروائح التي
نتجت عن هذا السلوك، والتي امتدت لتعبر الأسوار الحديدية التي تلتف حول الحديقة، لتتحول
هي الأخرى إلى قطعة من هذه المخلفات.
وبمجرد أن تكتسي السماء بسواد الظلمة، تستجمع السيدة أدوات العمل الخاصة بها وتطوي قطع الأقمشة التي تفرشها للزبائن، ومن ثم تهم بتنظيف الرصيف وغسل الأكواب المتسخة، لتستعد إلى يومها الجديد علها تجمع خلاله رزقًا أكبر، وهو فقط ما يدفعها للاهتمام بمظهر هذه البقعة في وقت متأخر من الليل، غير مبالية بقدسية الساحة التي تحتضن قطع أثرية وإسلامية هامة يأتي لها الزوار من كافة بقاع العالم.