غرباء في بيوتهم.. قرية "عهد التميمي" تقضي رمضان على أصوات قنابل الاحتلال

تقارير وحوارات



الأهالي داخل قرية "النبي صالح" الفلسطينية، أوشكت على الانتهاء من وجبة السحور، مآذن المساجد تصدح بالتواشيح الدينية تحت سماء يتبدى فيها خيوط الفجر؛ سرعان ما يحجب بواسطة القنابل المسيلة للدموع التي يلقيها جنود الاحتلال يوميًا منذ بداية الشهر الكريم، لممارسة أشكالاً متنوعة من إرهاب السكان في محاولة منهم لإفساد طقوس الصيام على الفلسطينيين، الذين يتجاهلون تلك الأفعال بمزيد من الصمود والمقامة.

 

لم تختلف الطقوس الرمضانية، بالقرية الصغيرة الواقعة شمال غرب رام الله -والتي تنتمي لعائلة واحدة تسمى "التميمي" تلك التي خرجت منها الثائرة الفلسطينية عهد التميمي، الطفلة الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي- بالرغم من كل العراقيل التي يصنعها الاحتلال، فكعادتهم استقبلت الأهالي الشهر الكريم بتعليق الزينة بالشوارع، كما حرص البعض على أداء صلاة التراويح بالمسجد "إلا إذا بدهم غير شىء"، فضلاً عن تبادل الأسر الزيارات وتواصل صلة الأرحام ليتقاسموا الهموم "نعرف بوجع بعض.. فعند تجمع الأسرة حول سْـكملة الطعام ولم تجد الأم ولدها الشهيد أو المعتقل والجريح تعيش معاناة.. كوالد "عهد" الذي اعتقلوا أسرته وضل بمفرده.. فزيارتنا لبعضنا ضرورية كي لا يشعر حدا إنه لحاله وأن يعيش الجميع أجواء العيلة".



بينما يحاول الأطفال الاستمتاع بعض الشىء بأوقاتهم، لاسيما وأن شهر رمضان تزامن مع بداية العطلة الصيفية، فالبعض منهم يشارك الشباب في مباريات كرة القدم قبل رفع آذان المغرب، ومنهم من يتجمعون بعد الفطار في إحدى المنازل ليلعبون "البلاي استيشن" حتى ظهور الخيوط الأولى للفجر "رمضان حلو عنا ولكن الاحتلال ما بيخلي فترة سعادة تمر على خير.. إلا تكون شوكة"، هكذا وصف بهاء التميمي، أحد أبناء القرية، كيف يعيشون الأجواء الرمضانية.

 




على مشارف الدخول من القرية، يضع جنود الاحتلال بعض الحواجز في الطرق، تزامنًا مع خروج العاملات والعاملين من العمل، لتعكير صفو يومهم وتعطيلهم عن أداء واجباتهم منذ اليوم الأول برمضان "يحاولون يستغلون شهر الصوم لاستفزاز المواطنين قبل الإفطار لعدم قدرتهم على المواجهة وليصبح الوضع لصالحهم.. وبعد الفطار تدخل قوات خاصة فجأة تحاول تعتقل في الشباب ويطبشوا في الدُور.. لكسر شوكة القرية"، ولكن مع إصرار الأهالي على المقاومة السلمية حاولوا أن يتفاوضوا معهم على أنهم يقوموا بإصلاح الطرقات والكهرباء، لكن قبل الأمر بالرفض، وانعكس رد الفعل بالعنف المفرط من قبل قوات الاحتلال"وباتت المداهمات الليلية والاعتقالات تنشط مع إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع يوميًا حتى أصبحنا عايشين في فيلم رعب، فالقرية تنام والشبابيك مسكرة مع انقطاع الكهرباء المتواصل وارتفاع درجة الحرارة هكذا".

لم يكن ذلك كل ما في الأمر، مثلما أكد الشاب ذو الثامن والعشرين ربيعًا، حيث ألقت قوات الاحتلال في وجه أهالي القرية -التي تقترب تعدادها من 560 نسمة- بقنبلة حينما أصدرت قرارًا برفض إخراج تصاريح لزيارة القدس في رمضان وصلاة الجمعة في المسجد الأقصى، "قدمنا على 75 تصريح ليسمحولنا دخول القدس.. ولكنهم لم يوافقوا سوى على خمس تصاريح فقط، كنوع من أنواع العقاب الجماعي.. لنعيش حرب نفسية وهيك يحدث مواجهات بيننا يستغلونها لصالحهم ويقوموا باعتقالنا.. قديش بيذلونا لكن لم نستسلم.. فالشعب الفلسطيني مابقى عنده اشي غير الكرامة.. احنا بنكون أقوى رغم الذل".



"قرية النبي صالح دولة سياستها غير"، عبارة أشار بها موظف الأمن الخاص، إلى حال قريته التي تواجه غول الاستيطان القائم على أراضيها منذ عام 1976 " الوضع عدنا مختلف عن غزة، فمستوطنة "حلميش" التي أقامتها قوات الاحتلال لا يفصلنا عنها سوى عدة دقائق، ودائمًا كاميرات المراقبة موجهة إلى القرية وأبنائها على مدار 24 ساعة.. وجميعنا عائلة واحدة وأي شخص بيسقط شهيد بيشكل فراغ كبير بمكانه، فإذا طلعنا بمسيرة لابد نطلع بأقل الخسائر، لذا نحاول ألا يستشهد حدى أو يتصاوب ويسير إله إعاقة مثل الطفل "محمد" البالغ من العمر 15 عامًا والذي فقد بعض من تركيزه، وضلوا يعتقلونه من حين لأخر كان أخرها  تاني يوم رمضان دون مراعاة لحالته الصحية، وعهد التي تعيش طفولتها بين جدران سجون الكيان الصهيوني وممنوع عنها الزيارة في الوقت الراهن"، مضيفًا أن وقت فعاليات"مسيرة العودة الكبرى"، القائمة منذ نهاية شهر مارس المنقضي، استغل جنود الاحتلال، المناسبة لاقتحام "النبي صالح"، لإرهاب السكان وقمعهم؛ ولكن كان رد فعل الأهالي أكثر فظاظة من غزة، بالرغم أنه ما صار مظاهرات كثيرة "كان هناك اضراب عام.. وتسكير للشوارع.. فلن يثنى إرهاب وإجرام الاحتلال عن المضي قدما في مقاومتنا السلمية من مسيرات واعتصامات".




"قمة القهر أكون غريب في بلدي"، عبارة وصف بها الشاب الفلسطيني، ما آلت إليه أحوال بلاده، ثم صمت بُرهة قصيرة وعاد مجددًا للحديث "ما راح نستسلم لآخر نفس.. ولو مافي حياة بنخلقها ففي عز بطش الاحتلال نسعى لانشاء جيل رياضي من الشباب مقاوم وجهزنا قطعة أرض خصصت لملعب رياضي وشبكة كرة طائرة، فضلاً عن أننا بلاشنا منذ بداية شهر رمضان لعمل مسرحي "الطريق إلى القدس" كان عنوانه، تدور أحداثه حول الوضع الداخلي والحياة الصعبة الذي يعيشها الشعب الفلسطيني، بمشاركة نور التميمي وبعض شباب القرية"، فالمقاومة لا تقتصر على حمل السلاح والحجارة فالثقاقة والفن تحدي آخر وشكل من أشكال المقاومة، مشيرًا إلى أن بعض أفراد الفريق الذي أطلق عليه "مسرح قاوم" سافر إلى فرنسا بواسطة مدير المسرح لعرض إحدى مسرحياته هناك، لتوصيل رسالتنا للعالم أجمع" إذا ما بنستشهد بكل ما نملك من أجل أراضينا نموت قهر".