د. رشا سمير تكتب: دراما رمضان من الورق إلى الشاشة
"طريق" مأخوذ عن قصة قصيرة للروائى الكبير نجيب محفوظ باسم "الشريدة" وقد سبق أن تحولت هذه القصة إلى فيلم سينمائي
كيف تُصبح الحروف صورا؟ وكيف تنتقل الكلمات من فوق السطور إلى شفاه صُناع الدراما؟ كيف ينفخ السيناريست بقلمه فى شخصيات على الورق لتدب فيها الحياة فتصبح لحما ودما؟..كيف يرسم الروائى ملامح شخصية فى خياله فيلتقطها قلم السيناريست ويصنع منها صورا تتحرك؟..
هذه هى الرواية..وتلك هى الدراما..ومن هنا تبدأ الحكاية..
يقول إحسان عبد القدوس عن تجربته مع الكتابة:
"أكتب للمتعة الشخصية، لا أستطيع الحياة بدون كتابة، فهى قضية عمرى وهى هوايتى الوحيدة، بدون الكتابة لا أعرف كيف أعيش ولا أعرف كيف أقضى وقتى، بدون الكتابة لا يصبح لهذا العالم أى معنى".
ومع ذلك لم يكتب إحسان عبد القدوس سيناريوهات لرواياته بل ترك هذه المُهمة لزملائه..
أما الروائى العالمى نجيب محفوظ فقد كتب للسينما 25 سيناريو، حيث بدأ رحلته فى عالم السينما عام 1947 كسيناريست من خلال الاشتراك مع المخرج صلاح أبو سيف فى كتابة سيناريو فيلم «المنتقم»، وظل على مدار 13 عامًا يكتب السيناريو والحوار لمجموعة من الأفلام..
جدير بالذكر أن نجيب محفوظ كتب سيناريو رواية «أنا حُرة» لإحسان عبد القدوس.
شهدت دراما رمضان 2018 ثلاثة مسلسلات مأخوذة عن روايات مصرية منها «أرض النفاق» للروائى الكبير يوسف السباعى وأعاد صياغته الكاتب أحمد عبد الله فى بطولة لمحمد هنيدى..كما تقدم مريم نعوم معالجة درامية ودمجا لروايتى «مقتل فخر الدين» و«أبو عمر المصرى» للكاتب عز الدين شكرى فشير فى بطولة لأحمد عز..وتقدم اللبنانية ريم حنا مُعالجة درامية حديثة لقصة الكاتب الكبير نجيب محفوظ «الشريدة» فى مسلسل بعنوان «طريق» بطولة الفنانة اللبنانية نادين نجيم وعابد فهد..
1- مسلسل "طريق"
مسلسل «طريق» مأخوذ عن قصة قصيرة للروائى الكبير نجيب محفوظ باسم «الشريدة» وقد سبق أن تحولت هذه القصة إلى فيلم سينمائى كتب له السيناريو والحوار أحمد صالح عام ١٩٨٠..ما بين السينما والتلفزيون لم تتغير كثيرا ملامح بطلة قصة الشريدة، فقط تغير العنوان..وعن أسباب تغيير عنوان الرواية تقول البطلة:
«لقد احتاجت أميرة لجابر فى بداية الـ“طريق”، واحتاج لها هو فى مرحلةٍ لاحقة.. فهل يكفى العرفان بالجميل لإنجاح علاقتهما؟ هذا هو ملخص المسلسل وعنوانه».
أميرة «نادين نجيم» هى كل امرأة فى العالم العربى تطمح لأن تحقق ذاتها وتواجه الظروف والعقبات التى تعترض طريقها..أميرة شخصية قوية، واثقة من نفسها، طموحة وعقلانية، لا تنجرف وراء عاطفتها وهذا يبدو جليا من اللقطات الأولى للمسلسل..
فهى كل امرأة باعت نفسها باسم المال والحاجة لرجل تصورت أنه سوف يأخذها من الدنيا البسيطة إلى عالم أكثر رحابة..فبطلة القصة محامية نشأت فى أسرة فقيرة، تقفز من مركب الفقر إلى مركب المال مع أول رجل تصادفه حتى لو كان رجلاً جاهلاً عصامياً لا يعرف عن الإتيكيت شيئا ولا يتحدث سوى بلغة المال..
بعدما تنتقل الشريدة إلى بيته وتصبح زوجته، وبأمواله تفتح مكتبا للمحاماة، تجد نفسها فى مكانة اجتماعية تحتاج إلى رجل بمواصفات خاصة ليقف بجوارها ويضاهى نجاحه نجاحها..
هنا فقط تدرك بحس الأنثى أنها أخطأت فى الاختيار وإنها لم تعد تستطيع أن تعطى هذا الرجل الجاهل من نفسها، فكبرياؤها يأخذها إلى فراش بارد..ورفضها له كزوج جعلها ترفض أحضانه وتتعالى على وجوده فى حياتها.
لن أقارن أداء نادين نجيم بالعملاقة نجلاء فتحى لأن لكل منهما مذاق خاص..فنجلاء فتحى ليست مجرد فنانة موهوبة عملاقة ولكنها حالة وتاريخ طويل أضافت رونقا خاصا للسينما العربية..
نادين نجيم هى ممثلة لبنانية موهوبة استطاعت أن تثبت أقدامها على أرض صلبة فى سنوات قليلة، ليس فقط لكونها جميلة الملامح بل لأنها تمتلك موهبة حقيقية استطاعت من خلالها أن تبنى جسرا قويا بينها وبين المشاهد.
أشهد أيضا للممثل عابد فهد تمكنه الشديد من أداء دور الرجل الذى يمتلك المال ويفتقد التحضر وهو كعادته ممثل يستحق الإشادة.
أحترم رجوع المنتج المخضرم صادق الصباح إلى أسرة الكاتب الراحل لشراء حقوق تحويل الرواية إلى دراما، فى ظل مُنتجين يتجهون إلى اقتباس أفكار الروايات بكل تبجح تحت عنوان توارد الخواطر..على الرغم من أن الرواية تمت معالجتها بشكل معاصر يتفق مع طبيعة المجتمع اللبنانى، إلا أن وجود اسم نجيب محفوظ على تترات المسلسل إضافة ذكية تُحتسب للمنتج.
كم من قصص قصيرة تحولت إلى دراما سواء تلفزيونية او سينمائية..فمثلا فيلم الراقصة والسياسى ليس الا قصة قصيرة وقصة ارجوك اعطنى هذا الدواء لم تكن سوى بضع صفحات فى مجموعة قصصية للروائى الكبير إحسان عبد القدوس..
تلك الصفحات المعدودة طالما استطاع كتاب السيناريو تحويلها إلى واقع درامى شديد الحبكة.. ومن بين السطور استطاعوا نسج الأحداث وخلق شخصيات جديدة..
2- مسلسل أرض النفاق
صدرت رواية أرض النفاق أول مرة عام 1949 وانتشرت وقتها انتشارًا كبيرًا فقد اعتمدت أسلوب النقد الساخر وهو ما جاء مخالفا لقلم يوسف السباعى الرومانسى، صُنفت ضمن الأعمال الاجتماعية التى تحاول تسليط الضوء على المشكلات المجتمعية ونقد تصرفات النّاس والمجتمع..فى عام 1968 تمَّ إنتاج فيلم مقتبس عن الرواية يحمل نفس العنوان بطولة فؤاد المهندس..
هذا العام، يتم اقتباس نفس الرواية مع الاحتفاظ بالعنوان لتكون مسلسلا فى رمضان 2018، الحقيقة أن القصة رائعة لأنها تُسلط الضوء على أهم آفة تواجه المجتمع المصرى وهى آفة النفاق.. أرض النفاق ليست أرضا واحدة بل هى حالة امتدت لتشمل كل الأزمنة والأمكنة..تبدأ الرواية بالبطل الذى صادف حانوتا صغيرا توسطه لافتة مكتوب عليها «تاجر أخلاق بالجملة والقطّاعى» فيدفعه الفضول ليدخل ويتكلَّم مع البائع فيكتشف أنه يبيع مساحيق تناولها يُكسب الشارب أخلاقا حميدة، فيعرض عليه أن يُجرب مسحوق الشجاعة..يقبل البطل التحدى ويتناول المسحوق فيتحول إلى إنسان لا يسكت عن الخطأ وينتصر للضعيف، المأساة أن الرجل لم يحتمل الشجاعة لأكثر من يوم واحد فيهرع إلى البائع ويطلب منه أن يعطيه مسحوقًا آخر فيعطيه مسحوق المروءة، ليصبح رقيق القلب يحزن على المحتاجين ويعطيهم كلَّ ما لديه حتى ظنه أهله مجنونا فأودعوه مستشفى المجانين..ثم يهرب ويذهب إلى التاجر ويقرر أن يبقى عنده طوال العشرة أيام حتّى يزول مفعول المروءة منه.
فى أثناء الليل يلاحظ الرجل كيسا موجودا فى زاوية وهو كيس الأخلاق، يحذره التاجر من استعماله، لكنه يسرق الكيس فيلحق به التّاجر ويتعاركان بجانب النهر الذى يغذى المدينة فيقع الكيس ويختلط بالمياه ليصل إلى خزانات فى المدينة فيتغير حال الناس وتنتشر المعارك بينهم ويُظهرون مشاعرهم الحقيقية لبعضهم البعض.
يعتقل الأمن الرجل والتّاجر بعد أن سمعهما أحد المخبرين ولكنَّ أعضاء المحكمة يكونون قد شربوا من المياه المختلطة بمسحوق الأخلاق فتبرئهم.
تنتهى الرواية بمشهد النّاس على باب المحكمة يحملون التّاجر وصديقه ويهتفون للأخلاق..
إنها حقا قصة كل البشر، النفاق وغياب الأخلاق..
فى رأيى إن هذه الرواية من أهم ما كتب يوسف السباعى لأنها رواية كل العصور، أما العظيم فؤاد المهندس فلا أعتقد أن هناك من يُضاهيه فى موهبته ولا فى خفة دمه.
3- مسلسل أبو عمر المصري
هو مسلسل بطولة أحمد عز وأروى جودة، سيناريو لمريم نعوم مقتبس من دمج لروايتى «مقتل فخر الدين» و«أبو عمر المصرى» للكاتب عز الدين شكرى فشير السياسى الذى اقتحم عالم الرواية عن جدارة..تدور أحداثها حول المحامى مصرى «فخر الدين» الذى أسس هو ومجموعة من أصدقائه المحامين الجدد تنظيما سلميا يسعى لإيجاد حلول لمشاكل وقضايا المواطنين البسطاء بعيدًا عن مافيا المحاماة وأسعارهم المبالغ فيها، إلا أن هذا التنظيم سرعان ما يثير غضب أحد الأجهزة الأمنية الذى لا يجد وسيلة قانونية لإيقاف نشاط هؤلاء الشباب الحالمين بمجتمع مثالى فيلجأ إلى وسائل أخرى مثل تصفية أعضاء هذا التنظيم، لكن ينجو «فخر الدين» من محاولة اغتياله فيهرب إلى فرنسا منتحلاً شخصية ابن خالته الذى كان يتأهب للسفر إلى باريس لدراسة القانون ويتم اغتياله فى التصفية، وهناك يلتقى بمحبوبته القديمة التى تنجب له ابنًا هو «عمر» ثم تموت وهى تنجبه، ليقرر «فخرالدين» أن ينتقل بصحبة طفله للعيش بالسودان، وهناك يتحول إلى كادر مهم من كوادر إحدى الجماعات الإسلامية المسلحة، عينه على العودة والثأر من قاتل ابن خالته.
الغريب حقا أن الرواية تم شراؤها والاتفاق مع مؤلفها على تحويلها إلى مسلسل، وعلى الرغم من ذلك فقد فوجئ المؤلف بأن الشركة المنتجة حذفت اسمه من على التترات وكأن الرواية منسوبة بالكامل إلى كاتبة السيناريو مريم نعوم!..ومن ثم قرر المؤلف أن يحرك دعوى قضائية ضد الشركة المنتجة.