رغم مشقة الصيام.. أحلام بريئة تدفع الأطفال لجني الرزق في رمضان (صور)

تقارير وحوارات



مع حلول شهر رمضان، يستقبل الأطفال هذه المناسبة الدينية كعادتهم بالزينة الملونة، والألعاب والفوانيس المبهجة، حيث تقتصر أحلامهم البريئة في التنافس على الأجمل والأكثر حداثة وجاذبية بين أقرانهم، وذلك في الوقت الذي يعيش فيه أطفال آخرون في عمر الزهور، همومًا أكبر حجمًا، حيث ينصب اهتمامهم على استغلال هذا الموسم لحصد الرزق.

 

فما أن يهل الشهر الكريم حتى يصطحب الحاج حسين ابنه "محمد" البالغ من العمر إحدى عشر عامًا، ليساعده في حمل أجولة "البلح" بأنواعها، فيبحثان يوميًا عن منطقة مناسبة تعُج بالزبائن، داخل ميدان السيدة زينب، لتستقر بضاعتهما عليها، ثم يعلنا بدء البيع عبر صوت الطفل الحماسي: "البلح بأجود الأنواع عندنا عشان فطار رمضان وعصير الخشاف يا ست البيت".

 

 ينطق الصغير بهذه الكلمات محاولًا رفع درجة صوته ليسمعه أكبر قدر من المارة، فينجذب البعض إليه، في محاولة للاستفسار عن الأسعار والأنواع المتوافرة، فيما تحاول سيدات المفاصلة في الثمن، ليمتنع الطفل بشدة عن مجادلتهن، فخبرته الضئيلة في هذه المهنة التي اعتاد العمل بها منذ عامين مع والده في هذا الشهر، جعلته أكثر إدراكًا أن "الزبون" هو من يحتاج الشراء أكثر من البائع في المواسم النشطة كرمضان.

 

"والدي مبيفرضش عليا المساعدة أنا اللي بحب أنزل معاه في رمضان أول ما بخلص امتحانات"، يمتلك محمد روح حب العمل، فيجلس تحت أشعة الشمس الحارقة أمام بعض الأجولة، غير عابئًا بمشقة الصوم الذي يحرص عليه رغم صغر سنه، فيبذل قصارى جهده للتسويق إلى منتجهم البسيط بعبارات تحفيزية بشكل متواصل، لاينقطع عنها سوى لأداء الفروض داخل المسجد.

 

يحظى الصبي بمعاملة مختلفة من أبيه داخل بقعة العمل، لا تتشابه على الإطلاق مع علاقته به في المنزل، فيحرص الحاج حسين، على لوم نجله إذا شعر بتقصيره في العمل، ويكافئه بمبلغ مالي أكبر في حال باع مقدار جيد للزبائن، فتعد هذه الطريقة الأمثل لحث طفله على العمل وزرع حب الإخلاص فيه، فيجمع ذو الإحدى عشر عامًا، مصروفه اليومي الذي يقدر بـ 5 جنيهات، ليشتري به الحلوى ويشارك أقرانه لعب كرة القدم بعد صلاة العشاء.



لا يشعر "محمد" بالوحدة أثناء عمله داخل سوق السيدة الذي يكتظ بكبار التجار، فعلى بعد خطوات قليلة منه، يقف "عبدالله" الذي لم يتجاوز العشرة أعوام، أمام محل يملكه حلواني، ليبيع ياميش رمضان وعلب المخللات، بالإضافة إلى بعض المخبوزات التي حاول جذب القادم والذاهب إليها بالرغم من أنه ليس موسمها، بعبارة مقتضبة لا يغيرها عندما ينادي بصوته الهادئ "تحلية بعد الفطار عندنا ومفيش أرخص مننا".

يعمل "عبدالله" لدى صديق والده في المحل الذي يملكه، ليجني المال الذي يساعد به أسرته البسيطة على سد رمقها خلال الشهر الفضيل "رزق ربنا لكل الناس مش للكبار بس، أنا بساعد بابا وبديهم الفلوس اللي بكسبها بس باخد 2 جنيه ليا منهم وبحوشهم عشان أجيب موبايل".




بملاصقة محل الحلويات، يقف "حنا" البالغ من العمر اثني عشر ربيعًا، أمام فرشة والده، فبالرغم من كونه قبطيًا، إلا أنه يدرك جيدًا أهمية شهر الرزق الذي يعد الأكثر رواجًا طوال العام، فيهم بمساعدة أبيه في بيع أكياس العصائر الرمضانية سريعة التحضير "البودرة" بكافة أنواعها، حيث يكتفي بالعمل في صمت دون أن ينادي لجذب الزبائن، لعلمه أنه يملك المنتج الأكثر نشاطًا في السوق خلال رمضان.

 

يشعر الطفل القبطي بحماس كبير مع حلول شهر رمضان "بحبه ييجي عشان بنسترزق منه أنا وأهلي"، حيث اعتاد أن يشارك والده العمل، فيقف على فرشة فيما يقف الأب على أخرى تجاورها، متنقلًا بهمة ونشاط، بين شرح عروض العصائر بمناسبة حلول الشهر لزبائن، وجمع ثمن المنتجات التي بيعت من آخرين.

 

وبالرغم من درجة الحرارة المرتفعة وقت الظهيرة -على وجه الخصوص- إلا أن "حنا" لايبالي كثيرًا، بل ويمتنع عن شرب العصائر والمياه وسط هذا الازدحام، احترامًا لمشاعر المسلمين، فينتظر عودته إلى المنزل لتناول ما يشتهي "مبحسش بالتعب في رمضان، لأن أحلى حاجة بستناه عشانها هي الزينة اللي بنعلقها في الشارع والفوانيس".



على بعد أمتار قليلة؛ يبيع "محمود" البالغ من العمر إحدى عشر عامًا "الكنافة" و"القطايف" والمعجنات التي تشتهر بها موائد رمضان داخل كل بيت، حيث تملك عائلته مصنعًا لهذه المنتجات، فينصب الطفل طاولته الخشبية التي يقف خلفها داخل السوق، حيث ازدهار حركة البيع، ليزينها بأطباق من كل صنف ونوع، مترقبًا إقبال الموظفين العائدين من عملهم بعد الظهيرة، وربات المنازل المتجولات باستمرار في هذا الوقت لشراء احتياجات الأسرة.

 

لا يتذوق "محمود" طعم الراحة، إلا بعد دقائق من رفع أذان المغرب، حيث يتناول العصائر التي يتم توزيعها في ميدان السيدة من "ولاد الحلال"، ثم يعود على الفور ببضاعته المتبقية والرزق الذي جناه، إلى منزله، فيتقاسم مع والده الربح اليومي ويضع في جيبه نسبته التي تتمثل في 3 أو 4 جنيهات بحسب الكميات المُباعة "هشتري بيهم أخر الشهر لبس جديد للعيد وأعمل قصة جديدة لشعري".