احمد يونس يكتب : كيف تعرف أنه مخنث؟

مقالات الرأي

احمد يونس يكتب :
احمد يونس يكتب : كيف تعرف أنه مخنث؟

مدمن، هكذا هو أنا، لكن المادة التى أتعاطاها غير مدرجة على قوائم المخدرات، أفطر بها كل يوم مع قهوة الصباح، ولا تخلو منها فى الغداء مائدتى، ولا يداعب النعاس جفنى إلا بعد تناول الجرعة الليلية، التشخيص الطبى لحالتى هو: إنسان مقطوع الصلة بالواقع، باختصار، أنا بلا قافية شخص يتغذى على الأوهام، طبعى كده، حد عنده مانع؟

توهمت مؤخراً أن مرسى مازال يخطب بلغة الكتاتيب كإمام مسجد، وأن عمليات المونتاج المفضوحة التى تتعرض لها الأشرطة، كأن هناك من يتعلم فيه، لا تخفى مستوى ذكائه المتواضع، توهمت أن مسلسل الاعتداء على الصحفيين يزداد دموية، كلما غاصت الجماعة أكثر فى الوحل، وأن حازم أبواسماعيل - اللى ما تتبلش فى بقه فولة- اعترف بأن الاتفاق كان يقضى بتسلم الجماعة الإسلامية شئون الأمن، وأن الجيش سيكون من نصيب الجهاديين، بينما ينفرد السلفيون بمسئولية المساجد والأوقاف اللى بتأكل الشهد، توهمت أن هناك من أطلقوا النار على جنازة تحمل 30 نعشاً إلى المقابر فى بورسعيد، وأن الملايين من بحيرة السد إلى مكتبة الإسكندرية تهتف يومياً ضد المرشد وجماعته ومرسيه.

وقد سألنى الأسبوع الماضى واحد من الملتحين جداً بتوع الفضائيات المجهولة التمويل، أتأفف من ذكر اسمه على لسانى، عن هذا الذى أكتبه، فقلت بينما أنا أشرب كوباً ليبرالياً من عصير القصب: خليك فى نفسك أحسن يا مشيخة، وهو ما اعتبره خروجاً عما هو معلوم من الدين بالضرورة، لا أنكر أننى التمست له العذر فالملتحى جداً لم يكن فى الحقيقة يدافع عن القناعات التى تربى عليها، بل عن أكل عيشه.

فجأة: توهمت أن إسرائيل سرقت أرض الشعب الفلسطينى فى عام 1948، وأن شيئاً فظيعاً حدث فى 5 يونيو 1967.

المأساة أن هذه الحالة أصبحت تنتابنى باستمرار، فلقد توهمت - ذات مرة- أن الإخوان أو مستخرجات الإخوان، على وزن مستخرجات الألبان، قاموا باغتيال العشرات من القادة أو الزعماء أو المفكرين، وأن التاريخ الأسود لهؤلاء بدأ مع الدكتور أحمد ماهر، ما لم تكن هناك جرائم أخرى أسبق، توهمت أنهم قتلوا القاضى أحمد الخازندار والدكتور محمود فهمى النقراشى وحكمدار القاهرة سليم زكى، فضلاً عن المحاولات المتكررة لاغتيال مصطفى النحاس وجمال عبدالناصر، توهمت أنهم من قام بزرع القنابل فى دور السينما والمحال التجارية، مما أودى بحياة الكثيرين، وأن حسن البنا اعتاد أن يضع أمر القتل فى جيبه الأيمن وبيان الاستنكار فى الجيب الآخر، وأن الإرهابيين من مستخرجات الإخوان، قتلوا المئات من الناس بلا ذنب، وأن من بين الضحايا طفلة اسمها: شيماء، بل إنى توهمت فى مناسبة أخرى أن هناك من يسرقون الكحل من العين، متوارين خلف لحاهم.

إلا أن الحالة قد تدهورت بشكل مخيف على مدى الشهور الثمانية الماضية، إلى درجة أننى توهمت أن هناك من يعيشون من عرق النساء، تباهياً بالرجولة، ولا يفرق بين الزوجة والجارية، مادام هو يشرب الينسون على القهوة، فيما ينهمك فى الحديث عن نقائص المرأة أو حق الذكور فى ضرب الستات بالجزمة على دماغهن من باب مداراة السلوك المخنث الذى يكشف سر العجز الجنسى، طبقاً لمقولة علم النفس الشهيرة: لا يضرب زوجته إلا العنين، لأن مجرد وجودها يذكره بعجزه.

على أن المصيبة الكبرى هى حين توهمت أن هناك من يريد أن يهدم كل التماثيل، باعتبارها من الأصنام، وأن تدمير المعابد الفرعونية فرض عين، واجب، وأن حرية الفكر والتعبير والإبداع رجس من عمل الشيطان، الشيخ مرسى يتحدث عن إرسال المجاهدين لدعم تنظيم القاعدة بهدف تحرير شمال مالى من الكتيبة الفرنسية، أتحدى الشيخ مرسى أن يتحدث الآن عن تحرير القدس، أتحداه أن يفعل.

تلك هى بعض أوهامى التى جللت القلب بلون الحداد قبل أن أتعلم معاكسة بنت الجيران، أوهامى الحزينة التى لا يبدو أن هناك أملاً فى أن أشفى منها.