عبدالحفيظ سعد يكتب: سيناء الحلوة.. أسرار خيرات الله خلف الجبال والصحراء
اكتشاف كنوز أرض الفيروز الخفية سيغير خريطة التنمية والحياة فيها
ابتهج وجه «مسلم» عندما بدأت تباشير الماء القادم من السماء، تستعد للسقوط على الأرض.. ومع هطول أول رزازات المطر على الوادى الصخرى، فى سلاسل جبال جنوب سيناء، والذى حفرته الأمطار عبر ملايين السنين، لمعت عيناه، وهو يهتف «الله أكبر»..
بهجة المطر، والذى كان الأسبوع الماضى، فى مشهد استثنائى مع بداية أيام الصيف فى مصر كلها، كان له واقع آخر مع «مسلم»، والذى كان بصحبتنا كـ»دليل» بدوى يعرف تفاصيل وأسرار الوديان فى المحميات الطبيعية الصخرية التى تطل على خليج العقبة، فى الجزء الجنوبى من سيناء.
«مسلم» والذى يمتهن العمل كدليل، لم تؤرقه السيول المنجرفة من فوق قمة الجبال نحو الوديان، رغم أنها تتعارض مع مصلحته المباشرة وعمله كدليل، لأنها ستحرمه من الحصول على سياح أو متجولين يريدون معرفة تفاصيل، ما يدور خلف قمم الجبال الصخرية..
لكن «مسلم» لم يعنه أجره الذى سيحصل عليه من عمله كدليل فى الصحراء.. وكانت فرحته بقدوم المطر مبالغة فيها، وهو يصيح مع زيادة المياه «الله أكبر».
سر فرحة مسلم مع هطول المطر، يراها هو مثل «سر» سيناء، والتى يعتقد من يشاهدها من على السطح لأول مرة، بأنها مجرد صحراء قاحلة يصعب العيش فيها أو التأقلم معها..
لكن سيناء والذى تزامن هطول المطر فيها فى ذلك اليوم (26 أبريل) مع عيد تحريرها.. وتعيش الآن مع مأساة الإرهاب الذى يضرب فى شمالها، وتخوض الدولة ضده حربًا من أجل اقتلاعه، ولمنع ما يحاك فى الخفاء من قوى لا تريد لهذه الأرض أى خير.
ورغم ما يدور فى سيناء من حرب، مع أعداء الحياة خاصة فى شمالها ووسطها، إلا أن سيناء احتفظت بجمالها الخاص، كأرض تحتفظ بالعديد من الأسرار، والتى تمثل طريقة الكشف عن هذه الأسرار، وأن يتلمس سبل الحياة فيها، فإنه سيكتشف خيرات وجمالا آخر، غير الذى يراه على السطح؟
وهو ما يعيد سرده علينا «مسلم»، الذى يرى نفسه بأنه «جبلى»، لا يخاف أو يهاب وعورة الجبال هناك، لأنه يرى الجبل صديقه.. حط «مسلم» رحاله وهو ينظر فى الجبل.. ويقول المطر نزل والجبل سيكشف عن خيره وأسراره.. ويستمر فى السرد «الجبل خلال أيام، يتحول صفاره وسواد جباله، إلى الخضرة، الآبار ستمتلئ وسيحتفظ بها وسط جوفها..
عندما بدأت أخوض معه، عن الحياة فى هذه الجبال، لم أكن أصدق، كمية الخيرات الطبيعية فيه، وهى لا تقتصر فقط على المعادن والصخور النادرة فيه، بل أيضا حياة برية ونباتية، تنمو وسط هذا الجبل القاحل.. هناك حيوانات بداية من غزلان، وأرانب برية (فرو)، ومجموعات أخرى من حيوانات بعضها مفترس، توفر لها الحياة هناك، خاصة مع توافر حماية فى المحميات الطبيعية، بالإضافة لأنواع كثيرة من النباتات والتى تتعاظم فوائدها كجزء للحيوانات البرية، والعديد منها نباتات علاجية.
ومع تعدد الخيرات المتواجدة خلف الجبل فى جنوب سيناء، نكشف أن الخيرات فى جنوب سيناء لا تقتصر فقط على الجوانب السياحية، من مياه ساحرة، وشواطئ لا يوجد لها مثيل. ولكن رغم كل هذا فإن هذه الثروات لا تعد هى الوحيدة، بل هناك حياة أخرى، يمكن الاستفادة منها، وتطويعها كحياة بديلة يعشقها المغامرون والذين تجذبهم سيناء.
ولذلك نجد أن العمل على تنمية سيناء، وهى المعركة الحقيقية التى يجب أن تنتبه لها الدولة، بعد دحر الإرهاب، أن تتم خطط التنمية فيها بالعمل على اكتشاف خيراتها فى البداية، سواء فى الشمال والجنوب والوسط، عن طريق استكشاف سيناء من جديد، والعمل على وضع خطط وخرائط، وتحديد مجالات التنمية، حتى يتم تعظيم الاستفادة منها، وتطويع خيراتها، وأن يتم بعد ذلك ترويج هذه الأفكار للعمل على جذب آلاف، إن لم يكن ملايين من المصريين، والذين قد يغريهم ويجذبهم إليها أن يعرفوا خيراتها، وجمالها ويعرفون أكثر عن سيناء الجميلة الساحرة..
ولا تعتمد خطط التنمية فيها فقط، على ما يتم وضعها من خلف المكاتب المكيفة فى القاهرة أو عواصم سيناء، خاصة أن سيناء التى تعد أرضا بكرا للتنمية والحياة، تعد عملية تطويعها بالعمل على كشف أسرارها، والعمل على الاستفادة منها بكل السبل والإمكانيات. ولذلك فإن العمل على تنمية سيناء، لابد أن يتم وضع تصور، للكشف عن أسرارها، والتنقيب عن أسرارها وما يدور فيها خلف الجبال والصحراء، لأنه ورغم قسوتها الظاهرة، إلا أنه يمكن الاستفادة منها، لأنه حتى المناطق التى قد تظهر بأنه يستحيل الحياة فيها مثل سلاسل الجبال فى جنوب سيناء، تضم العديد من الخيرات، والتى يمكن تطويعها والعمل على الاستفادة من الخيرات بطرق سهلة وبسيطة، مع الاحتفاظ بطبيعتها وعدم تغيير جمالها لكن تريد من يتعامل معها ويكشف أسرارها، فسيناء الجميلة تختلف تماما، عن المشهد المنبعث منها، كبؤرة للإرهاب، والصحراء الواعرة، لكنها تحتاج من ينقب عن ثرواتها وجمالها وسط صخورها الوعرة، ووقتها ستجذب عشاقا لأراضيها، والذين ستناديهم بسحرها المختلف.