د. نصار عبدالله يكتب: هل راحت "عليكى".. حقا يا: "صوفيا"

مقالات الرأي



بتاريخ 29/3 مارس الماضى كتبت الكاتبة المقتدرة «مى عزام» فى جريدة «المصرى اليوم» مقالا، بعنوان ساخر هو «راحت عليكى يازوزو!».. تنعى فيه غياب الحقيقة لحساب الإدعاءات الكاذبة التى يطلقها أولئك الذين يسمون الأشياء بغير أسمائها الحقيقية بل يسمونها أحيانا بالنقيض تماما، ثم يملئون حياتنا بعد ذلك ضجيجا وطنينا!.. و«صوفيا» التى أوردتها فى العنوان بدلا من «زوزو» هو الاسم الساخر للحقيقة التى امتهنت فأصبحت زوزو كما صورتها الأستاذة مى عزام،.. صوفيا هو اللفظ اليونانى المرادف لكلمة الحقيقة، (يخفف حرف الصاد العربى أحيانا إلى السين لكى ينطبق مع النطق اليونانى فيصبح الاسم عندئذ: هو سوفيا!.. بدلا من صوفيا.. ومن سوفيا جاء المصطلح اليونانى: محبة الحقيقة أو فيلوسوفيا، حيث فيلو تعنى باليونانية المحب أو المحبة، أما سوفيا فتعنى الحقيقة كما ذكرنا منذ من قليل.. وبالتالى فإن فيلوسوفيا تعنى محبة الحقيقة !وقد تطور هذا اللفظ بعد ذلك لكى يشتق منه لفظ الفلسفة.. التى هى موضوع انشغال أو اشتغال محبى الحقيقة ومهنة الباحثين عنها بين ركامات الخرافات والأكاذيب).. المهم أن صوفيا أو سوفيا أو زوزو كما أسمتها الأستاذة مى، قد غابت فعلا عن حياتنا أوعلى الأقل كادت أن تغيب لدى المشتغلين بالإعلام وغير الإعلام إلا القليلون ممن رحم ربى، والأستاذة مى عزام نفسها هى بغير شك واحدة من ذلك القليل الذى رحم! والذى بقى متمسكا بالصدق فى عصر أصبحت سمته الشائعة هى ممارسة الكذب، لا فى أول أبريل فقط بل على مدى العام بأكمله بحيث يسوغ لنا أن نطلق عليه: العصر الإبريلى والذى يتكون من حقب كلها أباريل (جمع أبريل)!! ولقد ذكرتنى الشخصيتان اللتان تكلمت عنها الأستاذة مى فى مقالها (الذى أوصى كل قارىء بالرجوع إليه، والرجوع كذلك إلى كل مقالاتها المتفردة، ذكرتنى بالحكاية الشهيرة التى وردت فى بعض كتب التراث عن الحجاج بن يوسف الذى فرض حظرا على التجول عندما تولى العراق، وأمر بضرب عنق كل من يعثر عليه خارج منزله بعد العشاء!! وخرج رجال الشرطة لتنفيذ الأمر فعثروا على ثلاثة فتيان فسألوهم قبل أن يضربوا أعناقهم.. أبناء من؟ فقال الأول: أنا ابن من دانت الرقاب له.. ما بين مخزومها وهاشمها/ تأتى إليه الرقاب صاغرة.. يأخذ من مالها ومن دمها !، فأمسكوا عن قتله ظنا منهم أنه من أقارب الأمير! وأما الثانى فقد قال: أنا ابن الذى لا ينزل الدهر قدره.. وإن نزلت فسوف تعود/ ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره.. فمنهم قيام حولها وقعود!/.. عندئذ ظنت الشرطة أنه من أشراف العرب فأمسكوا عن قتله، أما الثالث فقد قال: أنا ابن من خاض الصفوف بعزمه.. وقومها بالسيف حتى استقامت/ ركاباه لا تنفك رجلاه عنهما.. إذا الخيل فى يوم الكريهة ولت!، فظنوه من الفرسان المعروفين فأمسكوا عن قتله.. وحين جاء الصباح عرضوا على الحجاج فاستقصى حقيقة أمرهم وحينئذ تبين أن الأول: هو ابن حجام! أى حلاق تنحنى له رؤوس الناس لكى يحلق أقفاءها.. وهو مثل سائر الحلاقين مفصد للدم فى نفس الوقت. والثانى الذى لا ينزل الدهر قدره فهو ابن بائع فول مدمس يغرف من القدر لكى يبيع للناس!.. والثالث ابن قزاز أى مشتغل بنسج الملابس! حيث الصفوف التى يقومها هى صفوف الخيطان التى يشدها لكى تصبح مستقيمة ويجز منها ما زاد طوله عن الآخر!!، فضحك الحجاج وعفا عنهم لحسن بيانهم الأدبى، وقال لمن حوله: علموا أبناءكم الأدب.، ورغم أن الحكاية تبدو فى نسجها مختلقة خصيصا لبيان مزايا التعبير الأدبى الجيد الذى قد يكون منجيا من التهلكة، رغم ذلك فإنها بافتراض صحتها تقدم مسوغا أخلاقيا لأنواع بعينها من الابتعاد عن الحقيقة فى صورتها البسيطة المجردة، من خلال إلباسها ثوبا أفخم وأضخم مما هى عليه فى الواقع.. والمبرر الأخلاقى هنا هو: محاولة النجاة من الموت على يد حاكم ذى قبضة باطشة.. لكن ما هو المبرر فى حالة الشخصيتين اللتين تكلمت عنهما الأستاذة مى عزام فى مقالها سالف الذكر: شخصية الدكتورة المزعومة «س» (التى لم تحصل على أى شهادة إلا الليسانس الذى حصلت عليه بالكاد وبشق الأنفس وبتقدير لم يتجاوز مقبول فى أى عام من أعوام الدراسة).. ومع هذا فهى لا تكف عن الظهور فى وسائل الإعلام سواء بصفتها المزعومة أو بصفات أخرى أكثر اختلاقا وبعدا عن الحقيقة.. ثم شخصية «ن» زميلتها فى الدراسة الذى كان والدها يوصلها إلى الكلية فى كل يوم بسيارة مختلفة، وكانت تدعى إذ ذاك أنه يمتلك أسطولا من السيارات الخاصة، ثم تبين أنه ميكانيكى وأنه يوصلها بسيارات زبائن الورشة!