أحمد سامي يكتب: الأمن علينا حق

مقالات الرأي



 

«الأجرة يا حضرات».. «خُد يا اسطى وهات الباقي».. الراكب طالب السائق الذي يقود سيارة على خط «شبين الكوم- عبود»، بباقي المبلغ الذي دفعه، وهو ما فعله السائق، حيث اعطاه الباقي، بزيادة 5 جنيهات، الراكب فكر برهة في أن يكون السائق قد أخطأ، ولكن الأخير بيّن له أن الأجرة سليمة؛ فالأجرة المحددة 9 جنيهات، والراكب دفع 11 جنيهًا لثلاثة مقاعد، من 50 جنيهًا دفعهم للسائق.

 

إلى هنا والكلام جيد، تواصل الحديث بينهما، فقال السائق: «أنا المفروض أخد 10 جنيه بس مش هاخد الجنيه الزيادة»، الراكب: «ليه مش دي الأجرة المفروضة؟»، ثم كانت القنبلة التي انفجرة في السيارة، السائق: «أيوة، بس أنا بسوق بسرعة مش زي باقي السواقين»، ثورة بين الركاب، بسبب ذلك الرد، الذي أثار حفيظتهم، السائق قرر الاستفزاز، السرعة انخفضت، وأصبح العناد سيد الموقف، صوت عاقل خرج بين المشادات الكلامية، «بعد إذنك يا اسطى، اقف بينا عند أقرب كمين مرور»، وطالب الركاب بالهدوء، فوافقوا، والسائق زاد سرعته مرة ثانية.


 

الرد وأد المشكلة، قبل تفاقهمها، إلى أن تصبح مشاجرة ثم حادثة، فالسيارة على الطريق السريع «القاهرة-الإسكندرية الزراعي» سيء السمعة، فالحوادث عليه معهودة، بخاصة وأن المشادة المحتدمة كانت بين السائق، والراكب الذي يجاوره، وأي تشتت نهايته الكارثة.


 

الأمن كان الدافع إلى مواصلة السائق قيادته، على نفس المنوال الذي بدأ به رحلته، فليس ضميره، أو أخلاقه أو تربيته، ما أعادته إلى صوابه، فقط فكرة سحب الرخصة أو تحرير محضر، أو سحب السيارة، حسب رد الفعل الذي سيقابل به ضابط المرور الواقعة.


 

مشهد آخر وتحديدًا في شارع العشرين المتفرع من شارع فيصل الرئيسي بمحافظة الجيزة، شاب في العقد الثاني من عمره، ممتلئ الجسم، يستقل دراجة بخارية، يلطم خديه بين الحين والآخر، وضابط مباحث، يحمل سلاحًا في جانبه، يمسك به، «طلع اللي في جيبك دا ياد»، وشخص آخر يشرف على قهوة في محيط المكان: «طلع يا ابني خايف من إيه.. الباشا مش هيعملك حاجة»، سائق الدراجة «والله يا باشا رايح لأختي، سيب الموتوسيكل أبوس إيدك خليني أروح»، صراخ وعويل، أسفر عن تحول المكان إلى ما يشبه السيرك، العشرات تجمعوا ليشاهدوا شابا «يتنطط» مثل القرد على الدراجة، يصرخ ويلطم خديه، والضابط يصر على تفتيشه، أكثر من نصف ساعة، وسائق الدراجة يواصل نحيبه، أمين شرطة آخر، قدم وصرخ في الناس «امشوا من هنا فيه إيه يا أولاد......»، ينصرف الناس ثم يعودوا ثانية ليواصلوا متعة مشاهدة ماذا سيحدث للشاب الذي يستقل سيارته!.


 

الضابط استشاط غضبًا، إثر جرح في يده، تسبب فيه الشاب؛ لإثنائه عن التفتيش، «طب وحياة.... يا ابن...... لألبسك قضية على الفرح اللي عملته ده، وعلى التعويرة دي»، يوجه حديثه إلى الناس المتجمعين حول الموقف، «المعازيم»: «رَوَّح يا ابن...... منك ليه».


 

ينصرف الناس ثم يعودوا للمرة الثالثة، والشاب ما زال ممسكًا بجيبه بقوة، تَحُول دون تفتيشه، أمين الشرطة يمسكه من رقبته، وقد جلس خلفه على الدراجة، ليتمكن الضابط من إدخال يده في جيب الشاب، ثم كانت المفاجأة التي كشفت عن سبب خوف الشاب، «حتة حشيش يا ابن ... دا أنا هلبسك أحلى قضية»، الشاب «مش بتاعتي يا باشا، أنت اللي حطيتها»، بركان غضب انتاب الضابط بعد تلك الكلمة، «أنا اللي حطيتلك الحشيش في جيبك يا ابن.... وحياة أمي لألبسك أحلى قضية، اطلع بيه يا حضرة الأمين على البوكس»، يوجه حديثه إلى الحضور، وقد تضاعف عددهم، «فيه إيه يا أولاد... أول مرة تشوفوا واحد بتاع حشيش، كل واحد يغور في داهية، الفرح خلص»، الشاب حاول الفرار والانطلاق بدراجته إلى حيث جاء، ولكن محاولته باءت بالفشل، فأمين الشرطة، يجلس ورائه، ويمسك برقبته، بيد، والأخرى ممسكة بمقود الدراجة.


 

الأمر يزيد صعوبة والمتهم يحاول الفرار، يحضر رجل الأمن «توك توك»، وينزلان الشاب عنوة من على الدراجة، ليستقلها فرد أمن ثالث، وجه لكمات إلى وجه بطل الواقعة المتهم، واتجه بها إلى مقر الكمين، وبالعنوة نفسها، أدخل رجل الأمن وأمين الشرطة، المتهم إلى «التوك توك»، وانطلقا به إلى سيارة مصفحة وضعا المتهم فيها.


 

موقفان يثبتان أهمية دور رجال الأمن لنا، في ظل الانفلات الذي نعاني منه في الوقت الراهن، ويستحقان الإشادة، ففي الموقف الأول وإن لم يتدخل الأمن بل كان مجرد التهديد به، انتهت أزمة السائق الجشع الذي أراد زيادة الأجرة، على الركاب، والموقف الثاني، وإن كان هناك معاملة غير آدمية، من قبل رجال الأمن، تجاه المتهم، والناس الذين تجمعوا حول المشهد، إلا أنه يستحق الإشادة على إصراره، الذي كشف عن كذب دموع التماسيح التي انهمرت من ذلك الشاب حائز المادة المخدرة.