الموساد.. 70 عاما من الاغتيالات السياسية
من عبدالناصر إلى البطش مروراً بصدام حسين
تعتمد نظرية الأمن الإسرائيلية، منذ وضع خطوطها رئيس الوزراء الإسرائيلى، ديفيد بن جوريون، عام 1953، على الحفاظ على وجود الكيان الصهيونى، من أى تهديد «محتمل» والقضاء عليه فى مهده سواء بشن حرب وقائية مركزة، أو عن طريق التصفية الجسدية لعناصر التهديد.
ووفق هذا المفهوم، تم تكليف جهاز الموساد بتنفيذ هذه المهمة، لذا يقوم بتجنيد ونشر آلاف العملاء فى العالم، لجلب المعلومات واغتيال العناصر التى تهدد أمن إسرائيل أياً كان منصبها، وأحد الأمثلة الواضحة لهذه السياسة اغتيال الناشط الحمساوى فادى البطش، فى ماليزيا قبل أيام وهى العملية التى فتحت الملف الأسود لعمليات الاغتيالات التى قام بها الموساد حتى لو فشلت والذى تناولته الصحف الإسرائيلية ذاتها وأبرزها، فى عام 1956 أطلق سلاح الجو الإسرائيلى صاروخ اعتراض لإسقاط طائرة كانت تقل المشير عبد الحكيم عامر، ولكنه أصاب طائرة أخرى كانت تحمل على متنها ضباطاً كانوا برفقة عامر الذى تأخرت طائرته فى الإقلاع.
ومنذ سنوات قليلة كشف مايك هرارى، قائد شعبة العمليات الخاصة «قيصريا»، ومؤسس وحدة الاغتيالات بالموساد المعروفة بـ»كيدون»، عن رغبة تل أبيب فى اغتيال زعيم عربى وقائد لدولة معادية لإسرائيل، يرجح أنه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وأن عملاء الموساد فى الخارج كانوا قريبين للغاية من اغتياله عام 1960 لأنه يمثل تهديدا مستمراً وخطيرا للغاية على أمن ووجود إسرائيل، وأنه تم التفكير والتخطيط لاغتياله أكثر من مرة.
وأضاف: «علم الموساد من مصادره الخاصة أن الهدف ينوى السفر لزيارة إحدى الدول الإسلامية وتقرر تنفيذ العملية هناك، بأن يستهدفه أحد القناصة من شرفة أحد المبانى المجاورة لمحل إقامته وكان دورى تهريب بندقية القنص والانضمام للطاقم المسئول عن تنفيذ الاغتيال، وفشلت العملية لأن الهدف غير مسار رحلته وابتعد عن مرمى القناص الذى انتظر فى الشقة التى تم تأجيرها لمدة يومين دون جدوى».
وبعد مرور عشر سنوات كاملة وعندما تولى هرارى، رئاسة وحدة «قيصريا» وخطط بنفسه لاغتيال نفس الزعيم عام 1970، ولكن هذه المرة بقنصه وسط حشد جماهيرى، وسافر هرارى بنفسه إلى تلك الدولة المعادية لإسرائيل أكثر من مرة لمعاينة المكان عن قرب لكن رئيسة الوزراء الإسرائيلية، آنذاك، جولدا مائير، ألغت العملية خوفاً من اغتيال مسئولين إسرائيليين كبار رداً على اغتيال هذا الزعيم.
وفى عام 1992 أمر رئيس الوزراء الإسرائيلى، إسحاق رابين، باغتيال الرئيس العراقى صدام حسين، لأن قتله يعتبر هدفاً هاماً لأمن تل أبيب باعتباره الأخطر بالوطن العربى، ولكن تم إلغاء العملية بعد مصرع 5 جنود إسرائيليين جسدوا أسرة صدام، خلال التدريبات العسكرية التى كانت تُحاكى سيناريو تنفيذ الاغتيال داخل العراق، كما أصيب 5 آخرون من ضمنهم، الضابط الذى كان يجسد شخصية صدام بعد سقوط صاروخين من طراز «تموز» على موقعهم وقتها.
ولكن فكرة الموساد باغتيال المسئولين الكبار تغيرت وفضلت إسرائيل تصفية العلماء وخبراء الصواريخ.
من أبرز الأمثلة على السياسة الجديدة للموساد تصفية المهندس يحيى عياش، الخبير فى صناعة العبوات الناسفة، وذلك فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، وذلك باستخدام طريقة القتل عن بُعد عبر الهاتف، المعروف بـ«القتل بالمسافات»، والتى تجعل من وجود دليل على تورط إسرائيل فى العملية أمر اشبه مستحيل، وربما يتم اتهام دولة مثل إيران، على غرار ما تم فى عملية اغتيال عماد مغنية أحد قيادات حزب الله اللبنانى.
ومن الأشياء التى عكف الموساد على تطويرها فى عمليات التصفية هو القضاء على الرأس المدبر، فبعض الدول العربية والتنظيمات المحيطة بإسرائيل، تخصصت فى صناعة طائرات بدون طيار، وذلك لمواجهة التفوق الجوى الإسرائيلى، وكان من الصعب على منظومات الدفاع الصاروخية وحدها، مثل القبة الحديدية وصواريخ «حيتس» الدفاعية الرد عليها، لذا كانت عمليات «تصفية الرؤوس» أفضل لتل أبيب مثل اغتيال العالم التونسى محمد الزوارى، أمام منزله فى جنوب تونس فى ديسمبر عام 2016، حيث كان الزوارى معروفاً بتعاونه مع حزب الله وحركة حماس وكان مهندساً كبيراً فى مجال تطوير هذا النوع من الطائرات وهى الواقعة التى قيدتها الشرطة التونسية ضد مجهول.
وفى يوم 21 إبريل الماضى، تواردت أنباء من ماليزيا تفيد باغتيال فهد البطش، أحد كودار حركة حماس، بواسطة شخصين أوروبيى الملامح، أطلقا عليه الرصاص وهما يستقلان دراجة بخارية، وذلك دون إثبات أى تورط للموساد.