منال لاشين تكتب: تكريم العمالقة فى بيت الحرية
أنا من العاشقين لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وبالأحرى لقيم الكلية التى تحدت المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التى شهدها المجتمع المصرى، والتى هبت رياحها وأعاصيرها على الكلية دون أن تمس أو تغير فى التقاليد الرائعة والراسخة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهى تقاليد حرص جيل الآباء على نقلها للأبناء الذين صاروا أستاذه ولهم تلاميذ، وبعض التلاميذ وصلوا إلى مواقع مؤثرة فى المجتمع سواء داخل الحكومة أو خارجها، سواء وزراء أو سفراء أو مفكرين أو باحثين ليس فى مصر فقط، بل فى العالم العربى.
وظلت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عصية على التكرار فهى كلية وحيدة وفريدة فى قيمها وتقاليدها.
ومنذ كنت طالبة فى كلية الإعلام تعلقت بكلية الاقتصاد وأنشطتها السياسية والاقتصادية ومعارض كتبها، وأكثر من مرة اشترى لى أستاذة فى الكلية كتبا من هذه المعارض دون سابق معرفة، وذلك لأننى شابة أبحث عن المعرفة والثقافة ولا أملك ثمنهما.
وتعرفت على كثير من أستاذة الكلية ومن كل الأجيال وزاد يقينى أننى أمام كلية مختلفة ومتفردة وحاولت أن أبحث عن سر هذا التفرد، ومرت الأيام بمناسبة اليوبيل الذهبى أو مرور خمسين عاما على إنشاء الكلية وقفت على السر، فقد طلب منى أن أعد فيلما عن الكلية بهذه المناسبة وظللت أياما وليالى طويلة أبحث عن الزاوية التى سأركز عليها فى الفيلم، فاكتشفت أنها الحرية، حرية الاختلاف حرية الاعتقاد حرية التعليم فكلية الاقتصاد والعلوم السياسية هى بيت الحرية الأكاديمية والسياسية، وكان فيلمى بعنوان «اختلافنا بيجمعنا» أظهر الفيلم الأطياف المتعددة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كل الأطياف السياسية تعيش فى تناغم رائع وراقٍ؟ مجتمع يحترم الاختلاف ولا يعرف بلاوى التخوين والشتائم. مجتمع يؤمن بأن الحرية هى أصل الأشياء، وأذكر أن الدكتور على الدين هلال وقد كان قياديا بالحزب الوطنى فى ذلك الوقت ذكرنى بأبناء للكلية من أشد معارضى النظام، وبعضهم كان قد رحل، فأرسل لى الدكتور على صورهم لأضمهم للفيلم أو بالأحرى سأدعم فكرة أن الاختلاف يجمعنا ويقوينا، وهى فكرة نحن فى أشد الحاجة إلى تطبيقها أو على الأقل تذكرها فى هذا المناخ الذى تمر به مصر الآن.
ورغم التضييق الأمنى فى بعض المراحل نجحت الكلية بأبنائها أن تحافظ على قيم الاختلاف والحرية إلى أبعد مدى يمكن أن تصل إليه فى ظل التقييد. ومع قيم الحرية تنتعش قيم أخرى مثل احترام الكبير وتقدير دوره، لأن الكبير فى كلية سياسة واقتصاد لم يحرم الصغير من حقه فى الرأى والاختلاف، ولذلك لم أندهش عندما تلقيت دعوة من عميد الكلية الدكتور محمود السعيد للاحتفال بالكليه، احتفال ذو مذاق مميز جدا.
فيوم السبت الماضى شهدت الكلية احتفالية من نوع خاص جدا، احتفالية ضمت الأساتذة والزملاء والتلاميذ من أبناء وأصدقاء الكلية، وكان الاحتفال لتكريم ثلاثة من كبار الاساتذة فى الكلية بعد رحيلهم وهم الأساتذة الدكاترة هناء خير الدين وعمرو محيى الدين ومحمود عبد الفضيل ثلاثة من عمالقة علوم الاقتصاد.
وفى نفس اليوم أو بالأحرى الاحتفالية تم تكريم 28 من الرواد من أبناء وأصدقاء الكلية، ولا يتسع المقام لذكر كل الأسماء جميعا، ولكننى سأذكر البعض، الدكتور على الدين هلال والدكتور مصطفى الفقى، والدكتورة هالة السعيد والدكتور زياد بهاء الدين والدكتورة هانيا شلقامى، وأعتذر عن عدم ذكر كل أسماء المكرمين فى بيت الحرية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.