مي سمير تكتب: ترامب زعيم مافيا

مقالات الرأي



مدير الـ"إف بى آي" يكشف فضائح الرئيس

حاول إخفاء فضائحه الجنسية مع فتاتين روسيتين وهوسه الأول بولاء المحيطين به ولا يصلح أخلاقيًا لمنصب الرئيس

المسئول المقال يفضح محاولة ترامب لعرقلة التحقيق فى علاقة روسيا بخسارة هيلارى كلينتون للانتخابات الرئاسية

الرئيس الأمريكى طلب عدم التحقيق فى التدخل الروسى بالانتخابات

صدر كتاب «الولاء الأعلى: الحقيقة والأكاذيب والقيادة»، فى منتصف أبريل الجارى، وهو سيرة جيمس كومى، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكى، والذى أقاله الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى مايو من العام الماضى، وأصبح الأعلى مبيعاً فى الأسبوع الأول لصدوره بـ200 ألف نسخة، واحتلال المرتبة الأولى فى قائمة الكتب الأفضل على موقع أمازون.

حسب مقدمة الكتاب يناقش كومى الأخلاق والقيادة وخبرته فى الحكومة الأمريكية، ويقدم تفاصيل وقصصا عن مختلف رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ترامب فاز بالنصيب الأكبر.


1- الأطباء يمتنعون عن علاج مريض الإيدز

يرسم كومى لنفسه صورة باعتباره رجلاً من الطراز القديم، يملك قيماً وأخلاقيات وعائلة، حيث نشأ فى عائلة صارمة تلتزم بالقواعد ولا تتهاون مع الأخطاء، حيث ولد فى مدينة نيويورك، عام 1960، للوالدين جوان مارى وبريان كومى، وكان جده، وليام كومى، ضابطا ومفوضا فى إدارة شرطة يونكرز، وانتقلت العائلة إلى نيو جيرسى فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى، وكان والده يعمل فى العقارات التجارية ووالدته مستشارة كمبيوتر وربة منزل، ثم تخرج كومى فى كلية الحقوق بجامعة شيكاجو فى عام 1985.

كمحام شاب فى أوائل الثمانينيات، كان كومى جزءاً من الفريق الذى أسقط المافيا فى نيويورك، حيث عمل قبل المحاماة موظفاً قانونياً لدى قاضى المقاطعة جون ووكر جونيور فى مانهاتن، ثم انضم إلى مكتب المدعى العام فى الولايات المتحدة للمنطقة الجنوبية من نيويورك، بين عامى 1987 و1993، وشغل منصب نائب رئيس قسم الجرائم الجنائية وساعد فى محاكمة عائلة الجريمة جامبينو، حيث اقترب من عالم القتلة، الذين كانوا لا يرون أنفسهم كأشخاص سيئين.

شغل كومى بعد ذلك منصب المدعى الأمريكى للمنطقة الجنوبية من نيويورك من يناير 2002 إلى ديسمبر 2003، ثم نائب المدعى العام للولايات المتحدة من ديسمبر 2003 إلى أغسطس 2005 فى إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وفى أغسطس 2005، غادر كومى وزارة العدل الأمريكية وعمل لفترة فى عدد من شركات القطاع الخاص، منها المستشار العام ونائب رئيس شركة لوكهيد مارتن. فى سبتمبر 2013، عين الرئيس باراك أوباما، كومى مديراً لمكتب التحقيقات الفيدرالى، لذا كان مسئول الإشراف على التحقيقات فى تسريب البريد الإلكترونى لهيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية وقتئذ.

أما ترامب فاستغنى عن خدمات كومى فى 9 مايو 2017، حيث علم كومى بالأمر من القنوات الفضائية بينما كان يلقى كلمة إلى وكلاء فى مكتب لوس أنجلوس الميدانى، فغادر على الفور إلى واشنطن العاصمة، واضطر إلى إلغاء خطابه المقرر فى تلك الليلة فى مكتب التحقيقات الفيدرالية.

والمثير أن ترامب دعا نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية أندرو ماكابى فى اليوم التالى، وطلب معرفة لماذا سمح لكومى بالعودة إلى واشنطن على متن طائرة إف بى آى بعد إقالته، وفى 10 مايو، أرسل كومى رسالة إلى موظفى مكتب التحقيقات الفيدرالى قال فيها: «لطالما اعتقدت أن الرئيس يمكنه إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى لأى سبب، أو بدون سبب على الإطلاق.. لن أمضى الوقت فى مناقشة القرار أو طريقة تنفيذه، أتمنى ألا تفعلوا أنتم ذلك، لقد انتهى الأمر، وسأكون بخير».


2- وجوه رؤساء أمريكا من نافذة المباحث الفيدرالية

يقدم كومى شهادته عن رؤساء الولايات المتحدة الذين تعامل معهم بحكم عمله فى مكتب المدعى العام، على سبيل المثال أثناء عمله كمحام فى وزارة العدل تعامل مع البيت الأبيض فى عهد إدارة بوش بعد أحداث 11 سبتمبر، وضغط عليه نائب الرئيس ديك تشينى وفريقه لتبنى إجراءات استجواب قاسية مع المشتبهين بتورطهم فى الإرهاب والمراقبة الجماعية للمواطنين التى شعر كومى بأنها مفرطة وغير مبررة.

وعندما عبر كومى عن رفضه لتلك الإجراءات المبالغ فيها على حد وصفه كان عليه أن يواجه عاصفة من الغضب والانتقاد، وتعرض للمضايقات من جانب تشينى وفريقه، ويعترف كومى أنه عندما كان نائبا للمدعى العام فى عام 2005، أقر مذكرة وافقت على استخدام 13 طريقة استجواب محسنة تتضمن الإيهام بالغرق والحرمان من النوم لـ180 ساعة، والتى ستستخدمها المخابرات المركزية عند استجواب المشتبه بهم، لكنه اعترض على مذكرة ثانية، ذكرت أنه يمكن استخدام هذه التقنيات مجتمعة، وكان كومى شخصا واحدا من الأعضاء القلائل فى إدارة بوش الذين حاولوا منع أو تقييد استخدام التعذيب، وكمسألة سياسية، عارض تطبيقها، تم رفض اعتراضاته فى نهاية المطاف من قبل مجلس الأمن القومى.

وعندما يتعلق الأمر بهيلارى كلينتون وفريق حملتها والتحقيق معها لاستخدام خادم بريد إلكترونى خاص، فإن كومى يعبر عن شعوره بالحيرة من تفسيراتها المتغيرة وجهودها لإخفاء كل المعلومات المتعلقة بهذه القضية التى كان يمكن أن تكون مجرد مشكلة مباشرة وسهلة الحل.

وبدلاً من ذلك، أصبحت قضية إيميل كلينتون واحدة من أهم القضايا المثيرة للجدل خلال انتخابات عام 2016، وقرر كومى إغلاق القضية، ثم إعادة فتحها، مع ظهور أدلة جديدة قبل وقت قصير من الانتخابات الرئاسية بينها وبين ترامب ما عرضه لانتقادات من قبل الديمقراطيين الذين ألقوا عليه مسئولية تسليم البيت الأبيض إلى ترامب.

كتب كومى أنه عندما أعاد فتح التحقيق فى قضية إيميل هيلارى كان يفترض أنها ستفوز، وكان يريد ضمان ألا يبدو فوزها غير شرعى، وفى الوقت نفسه، اختار بشكل غير متوقع أن يلتزم الصمت حيال التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية ومساعدة عدد من الشخصيات الروسية لحملة ترامب الانتخابية.

وألقت كلينتون باللوم على كومى واتهمته بتخريب حملتها، وفى المقابل فإن ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض قام بطرده من منصبه بدعوى أنه رفض مقاضاة كلينتون، بينما كان السبب الحقيقى هو بحثه فى علاقات الرئيس الأمريكى مع روسيا.

كتب كومى أن هيلارى خسرت وكذلك هو أيضاً، لكن وطنهم، الذى مع حكومة تديره مثل الغوغاء، يندفع الآن نحو أزمة دستورية، وعندما سئل فى جلسة استماع فى مجلس الشيوخ عما إذا كانت قراراته قد تكون مسئولة عن هذه الفوضى، اعترف كومى بأن هذه الفكرة جعلت منه «غاضباً»، أخبرته ابنته فيما بعد أنه كان يجب أن يقول «غثيان».

شخص واحد خرج بشكل جيد من الكتاب هو الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، حيث يبدى كومى إعجابه بعقل أوباما وقدرته على الاستماع وتكوين وجهات نظر متعددة.

فى كتابه يقدم كومى تفاصيل خاصة يكشفها لأول مرة عن الدعم الذى تلقاه من أوباما عقب تداعيات قصة كلينتون فى أعقاب هزيمتها وفوز ترامب غير المتوقع، حيث ذكر أن أوباما كان جالسا وحده معه فى المكتب البيضاوى فى أواخر نوفمبر 2016 وقال له: «لقد اخترتك لكى تكون مديراً لمكتب التحقيقات الفيدرالية بسبب نزاهتك وقدرتك» ثم أضاف: «أريدك أن تعلم أن لا شيء - لا شيء - قد حدث فى العام الماضى لتغيير وجهة نظرى».

كانت هذه العبارات كافية لإثارة مشاعر كومى الذى كان على وشك البكاء، قبل أن يرد على أوباما:» هذه هى الكلمات التى كنت أحتاج للاستماع إليها، أنا أحاول فقط أن أفعل الشيء الصحيح»، مثل هذه الصورة الإيجابية لأوباما تضيف مزيدا من الظلال على صورة ترامب السيئة بين سطور هذا الكتاب.


3- ترامب زعيم المافيا

يرصد كومى فى كتابه كثيرا من القصص التى جمعته مع ترامب، على سبيل المثال فى يناير 2017، طلب ترامب من كومى مساعدته فى دفن تقرير لم يتم التحقق منه يتضمن مزاعم بأن ترامب تم تصويره فى شريط فيديو من قبل المخابرات الروسية عام 2013 مع اثنين من فتيات الليل حيث تبولت كل منهما على الأخرى بسرير فى فندق فى موسكو.

ووردت هذه الادعاءات فى وثيقة جمعها ضابط مخابرات بريطانى سابق، وقال ترامب إن هذه القصة غير صحيحة ومزعجة لزوجته ميلانيا، وأنكر ترامب هذه القصة ولمح أنه ليس من نوعية الرجال الذين يحتاجون استئجار فتاة ليل، وأنه لا توجد طريقة لكى يسمح للناس بأن يتبولوا على بعضهم البعض من حوله، وأكد قائلا: «لا سبيل إلى ذلك». ثم بدأ بعد ذلك فى مناقشة القضايا التى اتهمته فيها النساء بالاعتداء الجنسى، وكتب كومى أن المحادثة استمرت قبل أن يقاطع ترامب مؤكداً له أن مخاوفه غير صحيحة، ولم يسكت ترامب إلا عندما قال له كومى: «نحن لا نحقق بشأنك يا سيدى».

حسب الكتاب، أعادته إدارة ترامب من جديد إلى أيامه فى مطاردة المافيا، والجهود الخرقاء لضمان ولائه، ومحاولة احتضانه فى احتفال عام فى البيت الأبيض وهو تصرف رفضه لأنه يدرك أنهما ينتميان لمؤسستين يجب أن تظلا منفصلتين، واستفاد كومى من طول قامته، حيث يطلق على نفسه زرافة الادعاء العام، حتى يتمكن من الهرب من عناق ترامب.

يكتب كومى عن ترامب وكأنه يكتب عن رئيس عصابة مافيا، حيث وصفه بأنه رئيس عاصف كان اتصاله بالأمانة ضعيفاً فى أحسن الأحوال، ورأى كومى الرئيس الأمريكى مثل زعيم العصابة الذى يريد ضمان ولاء المحيطين به وحيث يسيطر بشكل كامل على الجميع، بينما يرى كومى أن الولاء للرئيس من وجهة نظر ترامب يجب أن يأتى قبل الحقيقة والأخلاق والقيم.

يرسم الكتاب صورة مدمرة لرئيس قام ببناء «شرنقة من الواقع البديل التى كان يحاصر بها الجميع»، حيث قال كومى فى الكتاب : «إننا نمر بوقت خطير فى بلدنا، مع وجود بيئة سياسية تتنازع عليها الحقائق الأساسية، والحقيقة الأساسية موضع تساؤل، والكذب أمر طبيعى، ويتم تجاهل السلوك غير الأخلاقى أو مكافأته».

ويصف أيضا رئاسة ترامب بأنها «غابة من الحرائق». يؤكد كومى أن إدارة ترامب تعتمد على الأكاذيب والأخبار المزيفة على نحو غير مقبول.

ويكشف الكتاب الستار عن واحدة من أهم القضايا التى أثارت حالة من الجدل فى العام من حكم ترامب وهى إقالة كومى والتحقيق بشأن علاقة روسيا بالرئيس الأمريكى.

فى اجتماع بتاريخ فبراير 2017 فى المكتب البيضاوى طلب ترامب من النائب العام جيف سيسيز وغيره من القيادات الأمريكية مغادرة الغرفة حتى يتمكن من مناقشة كومى بشأن التحقيق الذى يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالية مع مستشار الأمن القومى السابق مايكل فلين الذى غادر منصبه قبل يوم فقط من هذا الاجتماع. وكان فلين اعترف بأنه كذب على المكتب العام الماضى بشأن اتصالاته مع روسيا. وقال ترامب، وفقا لرواية كومى عن الاجتماع، الذى كشف تفاصيله للمرة الأولى فى شهادة مجلس الشيوخ فى العام الماضي: «آمل أن تتمكن من رؤية طريقك واضحا لترك هذا الأمر، والسماح لفلين بالرحيل».

وأضاف ترامب: «إنك رجل جيد، أتمنى أن تترك هذا الأمر»، قام كومى، كما هو معتاد، بتوثيق الاجتماع على الفور فى مذكرة وتبادلها مع مسئولى مكتب التحقيقات الفيدرالى، وفى شهادته فى الكونجرس، أوضح كومى أنه أخذ تعليق ترامب ليكون أمراً لإسقاط التحقيق مع فلين، لكنه لم يعتبر ذلك أمرا بإسقاط التحقيق الروسى ككل.

يذكر أن هذه المذكرة عرفت طريقها لوسائل الإعلام الأمريكية بعد وقت قصير من إقالة كومى من منصبه، وفى شهادته أمام لجنة الاستخبارات فى مجلس الشيوخ فى 8 يونيو، كشف كومى أنه كان مصدر تسريب هذه المذكرة من خلال صديق «كشف لاحقا أنه دانيال ريتشمان أستاذ فى كلية الحقوق فى جامعة كولومبيا».

وقال كومى إنه قرر جعلها علنية على أمل أن تدفع إلى تعيين مستشار خاص للتحقيق فى علاقة الرئيس الأمريكى بروسيا، وبالفعل تم تعيين روبرت مولر كمستشار خاص للتحقيق فى هذه القضية. ولا يتردد كومى فى استهداف مظهر ترامب بشكل مباشر، وهو موضوع حساس للغاية بالنسبة للرئيس الأمريكى، حيث كتب أن ترامب رجل طويل القامة ولكنه أقصر مما يبدو عليه فى وسائل الإعلام كما أنه فوجئ عند مصافحة الرئيس بأن يده صغيرة الحجم. ويصف كومى ترامب بأنه يحرص على ارتداء كرافت طويلة جداً كما أن لديه نصف أقمار بيضاء مشرقة تحت عينيه،أما فيما يتعلق بشعره البرتقالى الشهير، فقد اعترف بأنه مصفف بشكل جيد ولكنه يعتقد أن الرئيس الأمريكى يستغرق كثيراً من الوقت لتصفيفه كل صباح.

فى كتابه يؤكد المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية أن على المستوى الأخلاقى فإن ترامب لا يصلح لشغل منصب رئيس الولايات المتحدة.