عبدالحفيظ سعد يكتب: مصالح "الثلاثي" فى توزيع الغنائم بأرض الشام
يعبر المثل الشعبى «المصالح تتصالح»، عما حدث فى سوريا مؤخرا، والذى تمثل فى توجيه ضربة جوية ثلاثية من أمريكا وبريطانيا وفرنسا، فالضربة التى وجهت تحت «ذريعة» استخدام نظام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد سكان مدينة دوما فى الغوطة الشرقية، لم تكن أغراضها إنسانية لمنع استهداف المدنيين، بل كانت جزءا من صراع المصالح فى سوريا التى تحولت لساحة دولية لتصفية حسابات الخصوم، وميدان لوطن جريح يتصارع فيه كل من «هب ودب» على غنائم شعب.. قتل فيه من قتل، وشرد من شرد، وحتى من يعيش فيه لا يعرف مصير حياته ليوم غد.
ولم يقتصر الخراب فى سوريا التى يتواجد على أراضيها الآن أربعة جيوش نظامية «أجنبية»، وهى الجيش الروسى والإيرانى ومن بعد الأمريكى، ثم التركى، بالإضافة لعشرات الميليشيات التى تتصارع فى حروب مذهبية بالوكالة، على ما حدث من أرقام مفزعة من قتلى ومشردين، وفاقدى الأم.. بل تحولت الأرض لساحة عالمية يتم فيها تصفية حسابات الكبار.
ولعل ما حدث صباح السبت الماضى، يعد مثلا حيا، على مأساة سوريا، بعد أن تجمعت إرادة ثلاث دول عظمى « أمريكا وبريطانيا وفرنسا» على توجيه ضربة عسكرية مشتركة، على عدة مواقع فى سوريا، تتعلق بقوات النظام السورى، بخاصة المناطق التى يعتقد أنها تضم أسلحة كيماوية.
ورغم أن الضربة تعد أمرا عاديا فى سوريا والتى تحولت لساحة لمن يريد أن يضرب، بما فيها إسرائيل، والتى لم تتوقف عن ضرب العمق السورى على مدار السنوات الماضية.. غير أن الضربة الأخيرة كانت تأخذ طابع المصالح لأنه على عكس ما يعلن، لم يكن القصد منها، ضرب النظام السورى بقيادة الأسد فى حد ذاته، بل كانت جزءا من صراعات دولية بعدها خارج سوريا، على الرغم من أن حجتها المعلنة هى استخدام النظام السورى الأسلحة الكيماوية فى دوما.
وتكشف الأسباب غير المعلنة، والتى دفعت الدول الثلاث، لتوجيه ضربة لسوريا، والتى تعددت أسباب كل منهم لتوجيه الضربة، والتى وصفها العديد من المحللين من الشرق والغرب بأنها «رمزية»، فى إشارة إلى أنها وجهت بالأساس للعمل على خلق واقع جديد فى سوريا وعدم انفراد روسيا تحديدا بالاستحواذ على التورتة السورية بمفردها.
فأمريكا التى لا يخفى من يقودها حاليا دونالد ترامب، والذى يعد من أكثر حكام أمريكا صراحة فى الإعلان بأن ما يحركه، المصالح فقط، وليس شيء آخر.. أخذ ترامب مواقع «الصقور» فى الإدارة الأمريكية فى تبنى توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، وذلك على عكس الخطاب الذى كان يعلنه أثناء فترة ترشحه للانتخابات فى رفض فكرة التدخل الخارجى فى الدول إلا فيما يخدم مصالح أمريكا فقط.
ولكن تحول ترامب والذى ظهر بأنه أكثر المتحمسين لتوجيه ضربة لسوريا، عبر تغريداته على تويتر، جاء التحول له فى المواقف، لأنه يعمل على توجيه الأنظار عن المعركة الداخلية التى يواجهها فى الداخل الأمريكى، والتى تتمثل فى الشبهات حول الدور الذى لعبته روسيا فى التأثير لفوزه فى الانتخابات الرئاسية فى مواجهة هيلارى كلينتون. ولذلك أخذ ترامب موقفا متشددا فى توجيه ضربة لسوريا، حتى ينفى عنه أية تهم بأنه يعمل لصالح روسيا.
ولكن ترامب كان مسنودا فى توجه إلى ورقة أخرى فى التعبير عن مصالح البيزنس للشركات الأمريكية، خاصة فى مجال البترول والغاز، والتى تضع عينها بالفعل على آبار البترول والغاز فى شرق سوريا، وهى المنطقة التى تتواجد فيها بالفعل قوات أمريكية فى عدة قواعد صغيرة.. وتخطط أن تكون هذه المنطقة ساحة لاستثماراتها فى البترول، خاصة أن هذه المنطقة ملاصقة لآبار البترول العراقية، خاصة فى أربيل وكركوك، وتريد أن تضم الحقول السورية التى تتواجد بالقرب منها بالفعل قوات أمريكية، بمعاونة قوات حماية الشعب الكردية.
لكن أمريكا وشركاتها تخشى أن يحدث تغير فى القوى فى سوريا، خاصة بعد ما تقدمت قوات النظام، بمعاونة روسيا وإيران والميليشيات الأخرى فى العمل، تغير واقع السيطرة الأمريكية عن منطقة بترول الشرق السورى، فأرادت بتوجيه الضرب أن تقول إنها لن تترك ما وقعت عليه يدها من بترول سورى. ولعل خطاب وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس عقب الضربة مباشرة، يكشف حقيقة النوايا الأمريكية عندما قال «أمريكا تدافع عن مصالح قواتها المتواجدة فى شرق سوريا».
لكن إذا كانت المصالح ولعبة القوى الدافع الأمريكى لتوجيه ضربة لسوريا، تختلف لبريطانيا التى كانت أكثر تحفيزا وتشجيعا لتوجيه ضربة لسوريا، أكثر للإدارة الأمريكية، فبريطانيا، تحت حكومة تريزا ماى كانت متشددة فى توجيه الضربة، رغم أن ذلك سوف يسبب لها مشاكل داخل البرلمان والعرف البريطانى، أن أى عمل عسكرى خارجى لبريطانيا لابد أن يتم أخذ موافقة البرلمان ولكن حكومة ماى، كانت رغبتها فى سرعة الضربة، لأنها كانت تراها فرصة مناسبة لها للرد على الصفعة الروسية فى قضية تسمم العميل المزدوج «سكريبال»، والذى تتهم حكومة لندن أن موسكو وراء تسممه بالغاز على أراضيها، وأرادت أن ترد على روسيا الإهانة لكن على أراضى سوريا.
قد يكون الدافع بالنسبة لفرنسا فى المشاركة فى الضربة مختلفا، خاصة أن فرنسا ترى نفسها خرجت من سوريا، بعد الحرب بلا مكاسب، خاصة أنها كانت تعد الأراضى السورية مجالا لنفوذها القديم منذ سايكس بيكو، وأرادت بالمشاركة فى الضربة أن تعمل على الدخول فى «كعكة» المصالح مرة أخرى فى سوريا، خاصة أنها فشلت فى مواجهة تركيا بعد دخول قواتها على منطقة عفرين والأكراد.
ومن هنا يتضح أن الضربة الثلاثية على سوريا، أرادت منها القوى الثلاث العمل على الدخول فى دائرة المصالح وتقسيم المصالح مع روسيا وإيران وتركيا، فى أرض ضاع شعبها ما بين مقتول ومهجر، ومذعور.. بينما غاب عنها كل العرب حتى فى الدفاع عن حقوق أشقائهم فى العرق واللغة والدين.