د. أحمد يونس يكتب : بيوت سرية

مقالات الرأي

د. أحمد يونس يكتب
د. أحمد يونس يكتب : بيوت سرية

بما أن الاتجار فى الجنس لم يعد مربحاً بالقدر الذى يتناسب مع حجم الاستثمارات، نظراً لانشغال الناس بالغرائز الأكثر إلحاحاً، كالبحث عن أنبوبة البوتاجاز، أو رغيف الخبز، أو خمسة لترات سولار، أو ربما أيضاً كنتيجة منطقية لهذا التدهور الحاد فى هرمونات الذكورة، فلقد امتد نشاط هؤلاء إلى سائر الميادين الأخرى، بما فى ذلك الاقتصاد والبيئة والتظاهر بالتدين على طريقة: الربا الحلال، فضلاً بالطبع عن إعلام الكتاتيب أو محترفى الهلضمة، أو أسلوب الغجر فى المولد، أو الطب بعقلية العطارين، وكقضايا قمع الطفل والمرأة والفقراء ومتحدى الإعاقة والمتخلفين فكرياً، بما فى ذلك الأفاعى الكابوسية من مشايخ الفضائيات، أو المتخصصون فى مكيجة الوجوه الدميمة وترقيع الذمم.

الدعارة بآلياتها المختلفة ليست حكراً على التعاطى الجسدى بمعناه المباشر، بل إن من المؤكد أن هذا الأخير هو الأقل تأثيراً فى منظومة التشوه العام، العبرة ليست بنوع السلعة المطلوب توصيلها إلى المنازل، أو حتى بمدى جودتها، العبرة بأسلوب الأداء وخطورة المادة التى يحقنون بها الوعى الجماعى فى الوريد، بينما هو يغط فى النوم حالماً، أو مستحلماً بالرز مع الملايكة.

وقد علمتنى الدنيا فيما علمتنى، أن العاهرات الرجال أحقر ألف مرة من العاهرات الإناث، الرجل المومس لا يتاجر فى جسده فقط، إنما كذلك فى المواقف والأفكار والوطن والمبادئ وكل شيء، إنه دائماً على استعداد ليبيع عرضه نظير إصبع ملبن.

قوادون بلا حدود، تنظيم غير معلن، هل خدشت كلمة: قوادون، عدم المؤاخذة حياءك؟ معلش! ليس أمامك عملياً سوى أن تأخذنى فى حلمك، ماذا كنا نقول؟ تذكرت قوادون بلا حدود، تنظيم غير معلن، لكنه - كما هى العادة- أقوى تأثيراً من كل الجهات التى تطفو على السطح، بل إن هذه الجهات التى تطفوا على السطح غالباً ما تكون مجرد تمويه متقن يدارى على مايجرى هناك من ظلمات السراديب.

سأعترف لك أولاً أننى ارتكبت غلطة لا تغتفر عندما قررت - لا أدرى لماذا- أن استعين لوصف هذه المهنة باللفظ الفصيح: «قوادون» متنازلاً - بغباء شديد- عن كنز الظلال والدلالات الممعنة كلها فى الدقة لتلك الكلمة العامية البليغة التى نحتها الوجدان الشعبى.

المهنة تقضى بالعمل على إيجاد الظروف المناسبة لينفرد الباحثون عن المتعة بالباحثات عن المال فى مكان مغلق نظير أجر معلوم، وهو ما يطلق عليه قانون العقوبات: تسهيل دعارة، عموماً، سأحاول تدارك الخطأ فى أقرب فرصة ممكنة.

وعلى عكس جميع التنظيمات الأخرى فى مصر أو الوطن العربى، استطاع هؤلاء التوصل إلى ميثاق شرف يحترمه الجميع، إلا فيما ندر، قد تنشب - أحياناً- بعض المشاحنات الصغيرة حول هذا الزبون أو تلك المرأة، أو بخصوص القيمة الإيجارية أو مدة سريان العقد أو كيفية الاستهلاك، خلاف الرأى لا يفسد للجنس قضية، طالما هو لا يتطرق إلى الأعراض، بدليل أن العقلاء من ذوى الحنكة سرعان ما يتدخلون فى الوقت المناسب لتخفيض درجة الاحتقان، أو لحث الأطراف المتنازعة على ضبط النفس أو الرجوع إلى طاولة المفاوضات، تمهيداً لإقرار التفاهمات القديمة التى سبق إقرارها مراراً فى الماضى، كخطوة أولى نحو إعادة بناء جسور الثقة، تعلموا آداب المهنة من الرواد الأوائل، وها هم يزاولونها - بعد أن انتهوا من أعمال التطوير- بمنتهى الشفافية، الحوار كان ديمقراطياً بامتياز، اتفقوا على أن المنافسة الشريفة - فيما بينهم- يجب ألا تقف حائلاً دون التكتل ضد الأغلبية الحاقدة من الليبراليين وبتوع يحيا الوطن، هؤلاء الذين يعرقلون مشروع النهضة أو الإصلاح نحو الأسوأ، وقد تكونت على الفور بيوت سرية، يجرى داخلها فى ظلام الحجرات الكريهة الرائحة إفراز قرارات بطعم البغاء، بيوت سرية، تسمى نفسها أحزاباً أو جماعات، كانت هذه هى نقطة الانطلاق التى فتحت الباب على مصراعيه أمام الخبراء فى كيفية التعامل مع هذه السلعة الاستراتيجية، ليغرقوا بالمنتج المحلى احتياجات الأسواق العالمية.

قليل الأدب أنا فعلاً يا أستاذ قارئ، عمرى ما أنكرت.. قليل الأدب، يقول الحقيقة.