أفغانستان.. وطن "بديل" لداعش

العدد الأسبوعي


بعد هزيمته فى سوريا والعراق


بعد سقوط معاقله فى سوريا والعراق، تبرز أفغانستان الآن كوطن بديل لتنظيم داعش، كما يبرز فرعه «ولاية خراسان» بنفوذه الممتد فى أفغانستان وباكستان وعدة أجزاء من دول آسيا الوسطى، ليس فقط كأحد أقوى فروع التنظيم المتماسكة حتى الآن، ولكن بصفته الفرع الأقوى، والمرشح للقيام بدور «الوريث الشرعى» للتنظيم الأم، وبؤرة الجذب الجديدة لمقاتلى داعش الأجانب، من أصحاب الخبرة العسكرية والقتالية.

وذلك فى سياق الزيادة المتصاعدة فى كثافة وخطورة «العمليات النوعية»، التى نفذها «داعش أفغانستان» على مدار الفترة الماضية، إضافة إلى تمدد التنظيم واتساع نفوذه، على الرغم من الضربات المتلاحقة ضده.

وأيضاً فى ظل تماسك واضح فى بنيته التنظيمية، وإحكام قبضته على القطاعات والولايات التى أصبح يسيطر عليها هناك، ناهيك عن نجاحه فى تأمين مصادر التمويل، وتعويض الخسائر فى القيادات.

وترشح تقديرات غربية كذلك، تنظيم «داعش أفغانستان» بقوة، لـ«الازدهار» فى عام 2018، وتتوقع تكاثر حدة عملياته وزيادة أعدادها هناك خلال الشهور المقبلة، حيث يتطلع داعش بعد خسارة معاقله المركزية إلى التواجد بقوة فى أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى لإحياء دولته المزعومة، فيما يرجح اتجاه التنظيم الإرهابى أو بعض من قياداته إلى التمركز فى أفغانستان أو ليبيا، وذلك لقدرة التنظيم هناك على إعادة الانتشار ووجود الحاضنة التى توفر له الحماية.

ما يزيد على مائتى شخص كانوا قد لقوا مصرعهم خلال الأسابيع الماضية فى سلسلة من الهجمات الإرهابية الشرسة، استهدفت فندقًا وأكاديمية عسكرية ومقراً لمنظمة دولية معنية بحقوق الأطفال، فى كل من العاصمة كابول وجلال أباد، فيما تقاسمت حركة طالبان وتنظيم «داعش» الإرهابى المسئولية عنها.

وذلك فى ظل تنافس بين موسكو وواشنطن فى ملف دعم الجماعات المسلحة فى أفغانستان، تؤكده الاستخبارات العسكرية الألمانية، فى معلومات تم تداولها مؤخراً، ما يعيد أجواء الحرب الباردة التى اشتعلت بين القوتين العظميين فى الثمانينيات من القرن الماضى مرة أخرى، ودعمت خلالها واشنطن جماعات مسلحة عدة، من «الأفغان العرب» لضرب الوجود السوفيتى فى أفغانستان، ومن رحم تلك المهمة ظهرت تنظيمات طالبان ثم القاعدة، وما تفرع عنهما من تنظيمات بعد ذلك.

وهو ما يفيد بأن أفغانستان تستعد الآن لتكون مهداً لصراع جديد من نفس النوع، أصبح داعش لاعباً مهماً فيه هذه المرة، فى مواجهة طالبان، والحكومة الأفغانية على حد سواء.

وفى مشهد معقد، تعتقد فيه واشنطن - وفقاً للمعلومات الألمانية المتداولة- أن روسيا قدمت خلال العام الماضى تمويلاً ضخماً لتسليح حركة طالبان، بهدف تفخيخ الوضع الداخلى فى أفغانستان، لضرب الحكومة الأفغانية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية، ولضرب المصالح والترتيبات الخاصة بإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى أفغانستان.

وفى المقابل تتلقى واشنطن اتهامات من الجانب الروسى، بأن «الولايات المتحدة الأمريكية لا تحارب داعش الآن فى أفغانستان، أوتوجه إليه الضربات العسكرية حقاً كما تدعى، وأن كل ما يعنيها هو توجيه الضربات لمعسكرات طالبان فقط»، وهى تصريحات، زامير كابولوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسى إلى أفغانستان، الذى أكد على «تصاعد قوة التنظيم فى الفترة الأخيرة ووصول عناصره إلى 10 آلاف مقاتل، مرشحين للزيادة»، كذلك سبق أن أعلن وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف عن تخوفه من تنامى نفوذ تنظيم داعش فى أفغانستان، وأن «هناك جهات تسعى إلى تحويل شمال أفغانستان إلى قاعدة للإرهاب عبر إمداد المنطقة بآلاف الإرهابيين من عدة جنسيات لينضموا إلى داعش ويهددون بلدان آسيا الوسطى المحاذية لروسيا».

وقد طلبت وزارة الخارجية الروسية، فى يونيو الماضى، توضيحاً من الغرب على ظهور ما وصفتها بـ«الطائرات المجهولة» التى تدعم داعش فى أفغانستان، وقالت المتحدثة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا حينها أنه ورد فى تقارير لديها أن مروحيات لا تحمل أى علامات تنقل مسلحين من الجناح الأفغانى لداعش وأسلحة وذخيرة له، فى اتهام للقوات الأمريكية فى أفغانستان.

وبذلك اعتمد «داعش أفغانستان» استراتيجيته المعتادة فى العزف على وتيرة الطائفية، وكرر الهجمات ضد الشيعة الأفغان، لجذب المزيد من أتباع السلفية المتطرفة لصفوفه.

وفى مقاطعة كوناروننجارهار القريبة من باكستان، وبعض الولايات الأخرى مثل جوزجان وفرياب وساره بول، أحكم داعش سيطرته، وأسس معسكراته وحول المدارس إلى مراكز للتدريب، وهجَر السكان، ثم حقق ضربته الإعلامية المهمة حينما استولى على معقل أسامة بن لادن وتنظيم «القاعدة» الشهير فى تورا بورا.

فى دراسة منشورة له، سبتمبر الماضى، بعنوان عوامل تصاعد نشاط داعش فى أفغانستان، يشير على بكر الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن داعش أفغانستان على الرغم من قلة عدد مقاتليه بالمقارنة بالتنظيمات الإرهابية الأفغانية الأخرى كـ«شبكة حقانى» أو «حركة طالبان» (2000-3000 وفقا للدراسة)، إلا أنه يمتاز باحترافية هؤلاء المقاتلين، كونهم بالأساس ثلاثة أنواع.

النوع الأول، هم المقاتلون السابقون فى طالبان الذين انشقوا عنها، فاستفاد التنظيم بشدة من موجة الانشقاقات فى الحركة وعمل على تغذيتها وشن الدعاية المناهضة، والنوع الثانى، هم من الدواعش الأجانب، من منطقة آسيا الوسطى، من المتمرسين فى العمل الإرهابى، ما يكفل للتنظيم القدرة على القيام بعمليات إرهابية «نوعية»، أما النوع الثالث، فهم الأفغان العرب أو الأفغان والباكستانيون الذين التحقوا بالتنظيم المركزى ثم عادوا مرة أخرى.

وسبق أن كشفت عدة تقارير فى ديسمبر 2017، عن استقبال «ولاية خراسان» لعدد من المقاتلين «الدواعش» من أوزبكستان والشيشان وطاجيكستان، من بينهم نساء، فضلاً عن دواعش فرنسيين وجزائريين ثبت وصولوهم إلى أفغانستان أيضاً فى نوفمبر 2017، بعد أن انخرطوا فى المواجهات المسلحة فى صفوف داعش فى سوريا والعراق، وقد أقام التنظيم معسكرًا خاصًا لهم جنوب غربى ولاية جوزجان، تمهيدا لتنفيذ هجمات فى أفغانستان.

وهو المعسكر الذى تحول إلى «محور لوجيستى» لاستقبال المقاتلين الأجانب الوافدين من صفوف معاقل التنظيم الأم، إلى بؤرته الجاذبة الجديدة فى أفغانستان.

يرى على بكر، أن داعش أفغانستان يمتلك حتى الآن «مناعة فكرية»، تحميه من الانشقاقات المؤثرة، فضلا عن قدرته على امتصاص الضربات، والتى كان من أهمها، ضرب معقله فى «نانجرهار» من قبل القوات الأمريكية، بـما يسمى «أم القنابل» فى أبريل 2017، ووصفت بأنها أكبر سلاح أمريكى غير نووى تم استخدامه حتى الآن.

كما أثبت التنظيم أنه يمتلك هيكلا تنظيمياً جيداً، يعمل بآلية محددة، جعلته لا يتأثر بعمليات الاغتيال المتوالية لقادته، وآخرهم القائد «أبوسيد» فى 11 يونيو الماضى، وهو ثالث قائد لـ«ولاية خراسان» يتم اغتياله، بعد مقتل «عبد الحسيب» فى نهاية إبريل 2017، و«حفيظ السيد خان» فى 2016، وبرغم ذلك فلا يزال التنظيم قادراً على الاحتفاظ بقوته، وسيطرته على معاقله، كما استفاد من الطبيعة الجبلية الأفغانية كمناطق للاختباء وحروب العصابات الصعبة.

وتعددت مصادر التمويل لدى تنظيم «خراسان»، فلم يكتف بالدعم الذى كان يقدمه له «داعش الأم»، أو أموال التبرعات ففرض الضرائب والإتاوات فى مناطق نفوذه.

كذلك اهتم التنظيم بالدعاية منذ اللحظة الأولى بهدف التجنيد - كما يقول بكر فى دراسته - فأسس «الإذاعات المحلية «، مثل «إذاعة الخلافة»، وكانت تبث بالعربية، والبشتونية، والفارسية قبل أن يدمرها الطيران الأمريكى فى يوليو 2016، فنجح التنظيم فى البث على ترددات «إذاعية» و«مرئية» جديدة فى المناطق الشرقية والحدودية مع باكستان.

ومن المتوقع أن يسعى تنظيم «ولاية خراسان» إلى تصعيد عملياته خلال الفترة المقبلة، وذلك لتعزيز قدرته على جذب مزيد من العناصر الإرهابية للانضمام إلى صفوفه بشكل قد يساعده على التفوق على فروع تنظيم داعش الأخرى المتنافسة على الزعامة الآن.