منال لاشين تكتب: الصحافة على صفيح ساخن
إعلان المهمة عمل إجرامى
مبررات الحبس الاحتياطى لا تنطبق على الصحفى ونطالب بتعديل القانون
شيوخ المهنة ومؤسساتها القانونية عليهم مواجهة المخاطر بطرق سلمية وشرعية
عمرى 52 عاما، عملت منها أكثر من ثلاثين عاما فى المهنة سواء الصحافة الورقية أو المرئية أو الإعلام.ولو حسبتها بقانون العمل، فقد شارف عمرى المهنى على الانتهاء، وبقيت سنوات قليلة على التقاعد للمعاش فى سن الستين، ولكن الصحافة مهنة خاصة جدا لا تعرف التقاعد والأعمار بيد الله، ولكنى أريد أن أظل أعمل فى هذه المهنة المحترمة.. مهنة البحث عن المتاعب ثلاثين عاما أخرى.ولكن هذه الأمنية ليست السبب وراء الدفاع عن المهنة وإنقاذها، لا السبب الشخصى أو المهنى وراء هذا المقال. ولكن الأمن القومى هو دافعى الأول، فالصحافة مكتوبة أو مرئية صمام أمان مهم للأمن القومى، لأنها تكشف للمجتمع عن الأخطاء قبل أن تتحول إلى خطايا، وتحذر من الكوارث قبل أن تنفجر فى وجه الوطن، فالمستفيد الأول من حرية الإعلام هو المواطن والمجتمع. ولذلك فالحصانة والحماية التى منحهما الدستور للمهنة هما فى حقيقتهما حصانة وحماية للمجتمع كله، وليس لبعض آلاف من الصحفيين والإعلاميين فقط، ولذلك فإن على العقلاء والحكماء أن يستشعروا الخطر الذى يداهم المجتمع ويهدد مصر من وراء العبث بحرية الصحافة والاستهانة بحقوق المهنة ومستقبلها، فإذا كان الحبس والسجن احتياطيا كإجراء وقائى أو الحبس كعقوبة يطارد الصحفى، فمن البديهى أن يخشى الصحفى عن قول ما لديه من حقائق أو آراء.وبذلك يفقد المجتمع أحد أهم وسائل بصيرته حول ما يجرى فى المجتمع من مشاكل أو ما يتهدد الوطن من مخاطر.
1- آلهة العجوة
أول خطر يهدد مهنة الصحافة هو الهجوم الشرس على المهنة «صحافة وتليفزيون».هذا الهجوم يتنوع من عتاب دائم من الرئيس السيسى للإعلام حتى وصل الأمر إلى قول الرئيس «هاترككم للشعب».وهجوم من البرلمان والحكومة وزراء ورؤساء شركات.. ورجال الاعمال، حتى الناس بمعناها الواسع أصبحت تضيق بالإعلام وتتصيد له الأخطاء، والكثيرون يخافون من الحرب الأهلية والمرور بمعاناة أهل سوريا وليبيا واليمن وأصبحوا يبحثون عن الأمان حتى فى الأخبار والموضوعات الصحفية، ولا يتحملون حتى سماع أخبار سيئة أو التحذير من خطر مرتقب، ونسبة آخرين غاضبة من النظام وتريد أن يتحول الإعلاميون كلهم إلى أبواق معارضة عنيفة ضد الرئيس والحكومة وكل ما يحدث فى مصر، وهكذا أصبحنا نحن معشر الصحافة والإعلام مثل آلهة العجوة يستمعون إلينا ويتابعونا ليلا ثم ينهلون علينا فى الصباح لاكل لحمنا، أو بالأحرى لنهش عرض وسمعة مهنتنا، وهذا عبء معنوى رهيب يتحمله أهل المهنة دون ذنب فى أكثر الأحيان، فكل من له دين فى رقبة الإعلام، وكل ومن عليه ديون بل ذنوب للمجتمع يهاجم الإعلام والصحافة، ولذلك يجب أن نبحث جيدا فى أسباب تحولنا إلى آلهة العجوة للدفاع عن سمعتنا ومهنتنا العريقة.
من المعنوى إلى المادى حيث تكرر الحبس الاحتياطى فى قضايا صحفية، وآخر هذه القضايا وكمجرد مثال الصحفية الشابة مى الصباغ والإعلامى الشهير خيرى رمضان.
وبعيدا عن مضمون وموضوع القضايا، فإن قضية الحبس الاحتياطى للصحفيين والإعلاميين فى قضايا النشر تستحق مناقشة حقيقية ووقفة جادة جدا.
2- حبس بدون سبب
الحبس الاحتياطى منصوص عليه فى القانون، فهو إجراء قانونى لا غبار عليه، ولكن كل سلطة فى القانون محكومة ومحددة بأسباب وأهداف. وأهداف أو أسباب الحبس الاحتياطى محددة فى القانون وكتب الفقهاء القانونيين، وهناك ثمة توافق على أن أسباب الحبس الاحتياطى هى الخوف من العبث فى أدلة الاتهام أو التأثير على الشهود لتغيير أقوالهم وشهاداتهم، أو لم يكن للمتهم مكان أو عنوان أو موقع محدد أو كانت الجريمة من الجسامة، وأن يخشى من هرب المتهم، وبالطبع من شروط أو أسباب الحبس الاحتياطى أن تكون الجريمة جناية أو جنحة عقوبتها الحبس.
وهذا الشرط الاخير هو الشرط الوحيد الذى ينطبق على حالة الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر، أما الأسباب أو الشروط الأخرى فهى لا يمكن توافرها فى جرائم النشر عموما (صحافة أو تليفزيون)، فلا يمكن العبث بالأدلة أو تغييرها، لأن التهمة أو الدليل الخاص بتهم الصحافة والتليفزيون، فالدليل والتهمة موجودة فى الصحيفة ولا يمكن تغييرها أو شريط فيديو أو أسطوانة لا يمكن أيضا التلاعب بالأدلة فى حالة التليفزيون، ولذلك فإن هذا المبرر للحبس الاحتياطى فى حالة الصحفى أو الإعلامى غير متوافر، أما المبرر الثانى فهو أن يكون المتهم بلا عنوان فهذا ايضا غير متوفر فى حالة الصحفى والإعلامى. لأن التعامل مع الاثنين يتم فى وجود طرف ثالث وهو النقابة. ودور النقابة هو الإبلاغ عن عنوان ومحل إقامة الصحفى أو الإعلامى، أما الخوف من الهرب فله رد، فنحن نتلقى عشرات بل مئات البلاغات فى العام، ولذلك ليس من المنطقى أن يسارع كل صحفى أو إعلامى بالهرب خارج البلاد لمجرد تقديم بلاغ ضده، تاركا وراءه حياة مهنية وشخصية مستقرة.
ولكل ذلك يجب أن نطالب بتعديل قانونى، وبموجب هذا التعديل القانونى يلغى الحبس الاحتياطى فى كل الجرائم المتصلة بالنشر، وليس مجرد الجرائم التى تقتصر عقوبتها على الغرامة فقط، ويدخل فى إطار هذا التعديل كل الجرائم التى تقع بواسطة النشر بما فى ذلك إهانة المؤسسات بجميع أنواعها، وهذا التعديل هو أول خطوة يجب أن نسعى إليها.فإذا كان لمعالى النائب العام الحق قانونا فى إرسال كتاب دورى للسادة وكلاء ورؤساء النيابة، فلنذهب بمطلبنا إلى معالى النائب العام، وإذا كان وقف الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر يحتاج إلى تعديل قانونى، فساعتها نذهب إلى الحكومة أو البرلمان.
3- مواجهة شرعية
مرة أخرى الحبس الاحتياطى هو أحد أنواع أزمة الصحافة أو بالأحرى أحد وجوه الأزمة.وثمة وجوه كثيرة ومتعددة.ولكن السماح باستمرار بحبس الصحفيين عار فى جبين الوطن، ولم يحدث حبس صحفى احتياطيا إلا فى عهد الإخوان، وخلال الأزمة حاول نائب الرئيس الإخوانى المستشار محمود مكى استيعاب الغضب الدولى والمحلى، فسارع بتعديل قانونى لمنع الحبس الاحتياطى فى قضية إهانة الرئيس، ولا يجب أن نسمح باستمرار هذا الوضع الخطير فى عهد الرئيس السيسى الذى يسعى إلى بناء مصر جديدة.
ولأهمية أو بالأحرى خطورة الحبس الاحتياطى فى قضايا النشر اقترح أن يكون نواة لتجمع إعلامى وصحفى لمواجهة وحل أزمات الصحافة والإعلام.. تجمع يضم المؤسسات الإعلامية (نقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين والمجالس الإعلامية) وكبار وشيوخ المهنة من كبار الكتاب والنقباء السابقين والخبراء الإعلاميين والقانونيين.كل هؤلاء يجتمعون للنظر فى أزمات المهنة والمخاطر التى تواجهها، أن هذا الاجتماع الشرعى ليس موجها إلى أحد، ولكنه سيتوجهه إلى الحكومة والبرلمان، وبعد انتخابات الرئاسة يطلب هذا التجمع مقابلة الرئيس السيسى، وبذلك تصبح قضايا المهنة ضمن أجندة الرئيس فى ولايته الثانية، مرة ثانية وعاشرة المهنة فى أزمة أو بالأحرى فى محنة، ولم تخرج من هذه المحنة إلا بتجمع إعلامى قوى ليس موجها لأحد، ولكنه يتوجه للجميع، وعلى الكبار أن يتحملوا مسئوليتهم فى هذا الملف، مسئولية بالتحرك وليس بالإحباط أو الغضب أو الاعتزال.