رامي المتولي يكتب: "البلطجة" شعار جوائز الأوسكار

مقالات الرأي



السياسة والفرض الأخلاقى يسيطران على اختيارات الأكاديمية


بعد سنوات ظل فيها حفل الأوسكار عنوانًا للإبهار، ومناسبة يشاهد من خلالها عشرات الملايين نجومهم المفضلين ويحتفلون معهم بإنجازات السينما الأمريكية التى يفضلها الكثيرون حول العالم، حتى إنها أصبحت وكأنها لغة كونية يتحدثها ويعرف رموزها هؤلاء المحبون على اختلاف ألسنتهم، جاء الحفل رقم 90 فى تاريخ أكاديمية علوم وفنون السينما الأمريكية المنظمة للحفل والمسابقة السينمائية الأعرق على مستوى العالم يحمل لقب الأسوأ فى كل تفاصيله، وبعد سنوات من التدخلات السافرة فى اختيارات الجوائز ليس بالتزوير فى التصويت ولكن بمجموعات الضغط المتعددة التى بدأها الأفرو- أمريكيين مطالبين بحصة مخصصة فى الجوائز وإلا ستكون الأكاديمية عنصرية على الرغم من تواضع إنتاجهم الفنى وانحساره فى مناقشة قضايا تخص تاريخهم النضالى ضد العنصرية، وهو ما تجاوزوه منذ ما يزيد على أربعين عاما لكن مازال مادة للبكائيات وإثارة المشاعر يستغلونها لتحقيق مكاسب معنوية ومادية، ثم المكسكيون الذين دخلوا اللعبة منذ وقت قريب على نفس خطى الأفرو- أمريكيين وهذا العام تأتى ثورة التصحيح الشاملة التى توجت بالكفاح النسوى المبالغ فيه والذى تقوده أسماء نجمات كبيرات بعدة حملات انطلقت من السوشيال ميديا ظاهرها تنقية صناعة السينما من الرجال المتحرشين، وباطنها الانتقام بعد سنوات من التمتع بثمار العلاقات التى مارسوها مع المتحرشين من وجهة نظرهم، والأمر فى حقيقته ليس إلا لعبة سياسية دخلت عالم الفن وأصبحت هوليوود تدار به بشكل رسمى.

تحت مسمى الصوابية السياسية والتعدد العرقى والتفوق النسوى انطلق الحفل الذى مارست فيه الأقليات سابقًا ومجموعات الضغط القوية حاليا عنصريتها المضادة على الجميع، حتى إن مقدم الحفل للعام الثانى على التوالى جيمى كيميل رضخ للموجة وتركزت جميع إفيهاته وسخريته من هذه المواضيع المثارة يزيد فيها التنكيل بالطرف الآخر وبشكل مبالغ فى السماجة، ليبدو الحفل ككل محاولة لترضية الجميع بالذات النسويات اللائى يمارسن لشهور الآفة التى يعانى منها المجتمع الأمريكى بشكل عام وهى التنمر أو البلطجة، السمة العامة فى هذا الحفل هى التنمر الذى يبدو واضحًا ضد الجميع حتى إن جيمى سخر بشكل ما من مارك ويلبيرج الذى تلقى أجراً مليون ونصف المليون دولار مقابل إعادة تصوير عدد من المشاهد فى فيلم All The Money In The World فى حين أن ميشيل ويليامز شريكته فى بطولة الفيلم تلقت أجرا 80 دولارا عن اليوم الواحد فى إعادة التصوير، وعلى الرغم من أن مارك لم يفعل أى شىء خطأ والأجر الذى تلقاه هو حقه حسب المفاوضات التى استطاع وكلاؤه الفنيون حسمها إلا أن جيمى أعلن أنه تبرع بهذا المبلغ لمؤسسة قانونية خيرية، والسبب حتى لا يتم التنكيل به خاصة أن اعادة التصوير كانت بسبب إقصاء مجحف لبطل الفيلم الاساسى كيفين سبايسى بعد اتهامه فى مرحلة مبكرة من الحملات التدميرية الممنهجة بالتحرش، الأمر الذى أدى لخروجه من الفيلم ومحاولة ملء فراغه بكريستوفر بالمر الذى ترشح عن أدائه الباهت فى الفيلم لنيل جائزة أفضل ممثل مساعد.

هذه الدعابة السمجة التى انتهت بسؤال استنكارى عما ستفعله ميشيل بمبلغ الـ 80 دولارا، تكشف لحد كبير ما الذى حدث بالضبط فى هوليوود خلال العام الماضى، اتهامات مرسلة مدعومة بتنمر جماعى تدمر مستقبل نجوم وممثلين بارعين، كما حدث مع سبايسى والرضا التام عن الذى حل محله -على الرغم من أدائه الأقل من العادى- منحه رقما زائدا فى ترشيحاته لنيل الأوسكار بالإضافة لكونه محط الانظار فى أكثر من ايفيه مربوط بشخصه يطلقه جيمى لتتوجه الكاميرا إليه وهو يضحك بوقار، ووصلت لإقصاء كيسى آفليك الدبلوماسى عن تقديم جائزة على المسرح وهو حق مكتسب له حسب العرف، وجعلت من ميريل ستريب تجلس فى الصف الأول وسط مجموعة من السيدات تتلقى التحيات والمجد بعد ترشيحها لنيل الجائزة 21 مرة فى فئتى أفضل ممثلة وأفضل ممثلة مساعدة، والترشيحات الثلاثة الأخيرة منهم عن أدوار أدائها يوصف بمنتهى الثقة أنه أقل من عادى بداية من Into The Woods عام 2014 ثم Florence Foster Jenkins عام 2016 وThe Post العام الماضى وأصبحت مجرد علامة تجارية بآرائها السياسية الحادة وأحكامها المجحفة المعتمدة على أسطورة سابقة تحولت لكوتة واسم يجب أن يكون موجودًا وتملق زائد ممثل فى تعليق جيمى كيميل بأنها أعظم ممثلة فى العالم.

الجائزتان الأغرب.. Get Out وCall Me By Your Name

مع الحضور الباهت والضعيف لمقدم الحفل ودعاباته التى تفوق عليه فيها بعض من مقدمى الجوائز، لم يشفع لهذه النسخة سوى التماثيل الذهبية التى ذهب معظمها لأعمال فنية تستحق بالفعل، عدا جائزتى السيناريو سواء الأصلى أو المقتبس، حيث ذهبت الأولى إلى Get Out لمؤلفه وأيضًا المخرج جوردون بيل والثانية ذهبت إلى Call Me By Your Name لمؤلفه جيمس إيفورى، كل ما يتلعق بهاتين الجائزتين والفرعين المنافسين غريب وغير منطقى، المنافسات على لقب أوسكار أفضل سيناريو أصلى ضمت فى منافستها 5 أفلام الأربعة الآخرين هى Lady Bird وThe Big Sick وThree Billboards Outside Ebbing, Missouriوأخيرًا The Shape of Water لمؤلفه جييرمو ديل تورو الأفلام الخمسة عدا The Big Sick من تأليف مخرجيها ولحد كبير يمكن التأكيد على جودتها لكن وجود فيلمى جوردون وجييرمو وسط هذه الفئة غريب، كلا الفيلمين لا يحمل أى أصالة سواء على مستوى الفكرة أو المعالجات، سبق أن شاهدنا حبكة وفكرة Get Out مئات المرات فى أفلام الرعب من المستوى المتوسط والضعيف فنيًا وإنتاجيًا، وإلى جانب عدم وجود أى أصالة فى الفيلم فلا عنصر متفوق ايضا سواء فى التمثيل أو التصوير ولا حتى الخدع، نحن أمام فيلم اقل من العادى من العار عرضه فى السينمات خارج موسم أفلام الرعب بالولايات المتحدة ومكانه الطبيعى هو التسويق مباشرة بواسطة DVD فكيف الحال والفيلم يحمل ترشيحات فى فئات رئيسية، السبب الحقيقى هو مرة أخرى الخوف من العنصرية ولتحقق الأكاديمية لقبا جديدا يبدو كوسام شرف على صدرها عندما يفوز بجائزة أفضل سيناريو أصلى أفرو أمريكى للمرة الأولى هو جوردون فى حين يبقى للمكسيكى جييرمو نصيب فى فئة أخرى نظرًا لاسمه وتاريخه وإنجازاته الماضية التى بلا شك بعضها جيد جدًا ولكن The Shape of Water ليس أحدها ولا يستحق من الاساس التواجد فى هذه الفئة بتماسه مع عشرات الأفلام الأمريكية التى جسدت العلاقة بين المنبوذة والوحش فى العديد من الاشكال.

أما فى فرع السيناريو المقتبس فالتنافس كان بين The Disaster Artist وMolly›s Game وMudbound وLogan وCall Me by Your Name بالطبع سيناريست الفيلم الأخير جيمس إيفورى هو من حاز على التمثال الذهبى وهو بالطبع خيار غير منطقى على مستوى جودة عنصر السيناريو فى هذه الفئة فمقارنته بـ The Disaster Artist أو Molly›s Game مجحفة جدًا بكل المشاكل التى يضمها سيناريو الفيلم الفائز من الحشو المتعمد فى الحوار لمجادلات فلسفية ومقاطع من روايات بعدة لغات وضعف الخيوط الدرامية ولى عنق الدراما لنصل إلى نهاية حزينة وقصة حب أولى دمرتها قسوة المجتمع غير المتقبل للمثليين الذين لا ينصفهم السيناريو قدر ما يتعامل مع قضيتهم بمن يريد استغلال الأحداث والاهتمام فى العالم بحقوقهم ليصنع فيلمًا ضعيفًا وسيئاً واقل عناصره جودة هو السيناريو ويضيع فى هذه الفئة تحت ضغط الظهور بمظهر المؤيد لحقوق المثليين حتى ولو بفيلم ضعيف فنيًا سيناريو جيد جدًا مثل The Disaster Artist.

الحفل هذا العام مع جائزتى السيناريو يعبران بشكل كبير عن المستوى الذى وصل له حال السينما فى الولايات المتحدة وهى أكثر السنوات التى فقدت فيها الاكاديمية البوصلة بسماحها بتوغل السياسة والفرض الأخلاقى بالقوة على اختيارات فنية طابعها الحرية فى الأساس.