إيمان كمال تكتب: ألف فيلم فى مائة مدينة.. "حكايات أحمد فايق بين السينما والواقع"
الكاتب اعتمد على رصد الواقع من خلال تجاربه وكاميرات السينما
التجارب الثرية التى خاضها الكاتب الصحفى والإعلامى أحمد فايق فى السينما والكتابة والسفر لأهم المهرجانات العالمية كان لها أثر السحر فى كل تجربة يخوضها ولذلك كان من الطبيعى أن يحمل كتابه الأول نفس حالة السحر والشغف التى تملك كاتبه وإن كنت لا أميل إلى «شخصنة» ما أكتب عنه.
إلا أننى حين أكتب عن «ألف فيلم فى مائة مدينة» لا يمكن أن أتغاضى عن أن مؤلف الكتاب هو أول من علمنى «السينما» ووضعنى على الطريق الصحيح وكان حينها يعمل فى النقد السينمائى الذى احترفه سنوات طويلة قبل أن يصبح إعلاميًا يقدم برنامجه «مصر تستطيع».
عربى جاهل فى الكراوزيت.. (ليس صحيحا ما كنت أتصوره قبل زيارتى لفرنسا أن اوروبا يتساوى فيها الجميع بالعكس هناك أثرياء وفقراء، بشر يتنزهون مساء فى المدينة بالسيارات البورش وبشر آخرون يمشون على أقدامهم توفيرا لثمن التاكسى الباهظ.. بشر يجلسون فى مطاعم فاخرة وبالحجز وأوآخرون يتسكعون خرى تتسكع فى الشوارع يأكلون الـ«التيك أواى».. لكن الأكيد أن 80% ممن شاهدتهم يعيشون كبشر وبشكل إنسانى.. يعملون.. يأكلون.. يحبون ويكرهون).
لم يفصل فايق طوال الوقت بين السينما ورحلاته فى المدن المختلفة التى يطير إليها لحضور مهرجانات عالمية وكانت البداية التى اختارها مع مهرجان «كان» ورحلته الأولى لكان التى يستعرض خلالها كيف كان حريصًا على أن يحضر لها جيدا ويذاكر التفاصيل «المدينة.. البشر.. المهرجان والأفلام وحتى النجوم المشاركين».
فظن فى البداية أن عليه أن يتخلص من العادات اليومية فى مصر كالتدخين فى أى مكان وحتى نبرة الصوت العالى وقطع الطريق دون النظر لإشارات المرور وظلت الهواجس تطارده قبل أن يفاجأ بمدينة السينما الصاخبة «كان» ففى مطار شارل كانت الصدمة الأولى حينما تأخرت الطائرة لأكثر من ساعة ونصف الساعة دون أى تذمر أو شكوى كما يحدث عادة فى المطارات فى مصر، وحتى السجائر الملقاة دون اكتراث على الأرض. وحتى السوق الرخيصة هناك والتى ذهب ليشترى منها الهدايا بما يعادل 100 يورو قبل أن يكتشف الغزو الصينى وصل فرنسا.
أما السينما فكان «فايق» حريصًا على مشاهدة الفيلم الصينى «حمى الربيع» للصينى دى لو يى والذى يتناول قصة ثلاثية للحب بين رجلين مثليى الجنس وامرأة تحب أحدهما وهو موضوع بكل تأكيد يتسم بالجرأة حتى إن مخرجه توقع ألا تتم الموافقة عليه من قبل الرقابة الصينية قبل خمس سنوات ليحكى المؤلف عن تجربته فى مشاهدة مشاهد مثلية جنسية لأول مرة فى السينما العالمية وكيف اختار المخرج نهاية مقنعة ترضى المجتمع بالرغم من التصوير الذى وصفه بالسيئ والسيناريو الذى تخلله الكثير من الضعف.
ولم ينس أن يحكى عن مشاركة السينما المصرية فى هذه الدورة على هامش المهرجان مثل إبراهيم الأبيض ودكان شحاتة وهليوبلس ولم يخل الكتاب من بعض النميمة التى خصت نجوم مصر وحتى اللبنانية هيفاء وهبى على هامش حضورهم فى تفاصيل جذابة تنشر لأول مرة.
ويستعرض أيضا كيف تم استقبال الفيلم الفلسطينى «أمريكا» الذى قوبل بحفاوة وجمال فى كان بينما كان على العكس فى مهرجان القاهرة لتعرض الفيلم لهجوم شديد وتجنى بسبب شخصية اليهودى ودعوة السيناريو للتسامح معه لكونه يهوديًا وليس صهيونيًا، وهو ما يكشف كيف نبحث دائما عن أخطاء للآخرين وعناوين ساخنة بغض النظر عن التفكير بشكل مختلف.
وفى البحث عن عدالة السماء فى إيطاليا يعترف «فايق» بغرامه لهذه المدينة التى تشبهنا فى العشوائية، وفى زيارة لمهرجان تاور مينا فى صقلية فى الجنوب الإيطالى وأخرى لمهرجان فينسيا أو البندقية بات خبيرا فى السفر لأوروبا وأكثر دراية بالتفاصيل، ويحكى أيضا عن مشاعره فى المطار حينما وقف إلى جواره أكثر من خمسة حاخامات إسرائيلين لينزعج قبل أن يدرك أن الإسرائيليين هم بشر تماما وليسوا كائنات فضائية أكثر ذكاء.
ولا يمكن أن نغفل أيضا كتاباته عن تجربته فى غزة ودمشق قبل الحرب حيث إن الكتاب تمت كتابته قبل ثورة 25 يناير ورفض فايق أن يغير كل التفاصيل لتظل بنفس الطزاجة والحالة الخاصة بها، فيحكى عن زيارته الأولى لدمشق فى 2009 والتى ترتبط بمصر بالكثير من التفاصيل حتى انها تشبه مصر السبعينيات فلم يشعر هناك بأى غرابة فشوارعها وبيوتها مثل بقية المدن العربية، ولكن انتقد ثقافة مشاهدة الفيلم السينمائى فى القاعات وذلك فى فعاليات مهرجان دمشق السينمائى، فحكى عن تجربته فى مشاهدة الفيلم الإيرانى حصان بقدمين للمخرجة سميرة مخملباف، وفيلم ماردونا للمخرج الكبير أمير كوستاريستا بالرغم من تعجب السوريين من جنون المصريين بكرة القدم.
قصص وحكايات حول المدن والأفلام وفى النهاية يكشف أحمد فايق فى تجربته بأن النظرة الضيقة للأمور والدائرة المنغلقة التى نعيشها تتغير أمام التجربة والخبرة ومحاكاة الآخر التى تجعلنا نتقبله بشكل أو بآخر وبأن أسطورة أننا الأحسن والأسوأ ليست إلا وهم نتيجة التفاصيل اليومية التى نعيشها.