عبدالحفيظ سعد يكتب: خطة تركية للتخلص من 7 آلاف من مرتزقة داعش وجبهة النصرة فى حرب وهمية مع الأكراد
أردوغان بعد تورطه فى جلب الإرهابيين سعى للتخلص منهم فى عفرين
لكي نستوعب ما حدث في مذبحة "مسجد الروضة" بسيناء في نهاية نوفمبر الماضي، والتي فيها غدر فيها الإرهابيون الذين كانوا يحملون رايات سوداء، ويرددون شعارات نصرة الإسلام، بمصلين عزل.. ولم يمنع هؤلاء المجرمين، أو يردعهم، سجود المصلين في ساحة المسجد، وهم رافعون أياديهم للسماء، تردد أصواتهم عبارة "الله أكبر".
ولكى نفهم سر تحول هؤلاء الأفراد إلى «مرتزقة» يقتلون بدماء باردة، علينا أن ننظر ناحية الشمال الشرقى، عند الحدود التركية السورية.
فى تلك المنطقة تدور حرب «مقدسة» جديدة، تنطلق من «عفرين» الكردية، والتى تعتبر تركيا، عبر تصريحات مسئوليها أن «تحرير القدس يبدأ من «عفرين».. وهى نفس الشعارات التى استخدمها آية الله الخمينى فى حربه للعراق آنذاك، معتبراً أن الوصول للقدس يبدأ من بغداد، ومن بعده ادعى صدام حسين أن حرب الكويت بداية وصول جيوشه للقدس، ومؤخرا زعم عبدالملك الحوثى أن تحرير القدس يبدأ من صنعاء.
وبنفس الأسلوب دعا الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، المواطنين الأتراك لتلاوة «سورة الفتح» من أجل انتصار جيشه فى الحرب التى يشنها على عفرين. وأصدرت رئاسة الشئون الدينية التركية أوامر، بتكليف من «السلطان العثمانى»، إلى أئمة أكثر من 9 آلاف جامع فى البلاد بقراءة «سورة الفتح» قبيل صلاتى العشاء والفجر فى اليوم الذى شهد فيه بدء الحرب.
لم تكتفِ تركيا بتحركها نحو السماء فى طلب العون فى حرب عفرين بدعاء مواطنيها فى الداخل، ولكن أيضاً نجد أن «مجالس علماء الدين» والتى أنشأتها تركيا فى إفريقيا وآسيا (بوركينا فاسو، تنزانيا، السودان، إندونيسيا) أقامت الصلوات والأدعية لنصرة جيش أردوغان فى الحرب على عفرين.
إذن نحن أمام حرب «مقدسة»، كما بدأت تطلق عليها وسائل الإعلام التركية، جمع لها أردوغان قواته، مستعينا بمرتزقة جبهة النصرة وبواقى فلول داعش، وما يسمى بـ»الجيش السورى الحر» للقضاء على الأكراد السوريين.
والمضحك أن الشعار الذى ترفعه تركيا فى القضاء على «إرهابيى» التنظيمات الكردية، والتى كانت تحارب حتى وقت قصير جدا، مرتزقة داعش فى «كوبانى»، هى التى حققت النصر عليه فى «الرقة» معقل التنظيم فى سوريا.
لكن تركيا حولت المعركة إلى العكس بعد أن وجدت نفسها قد خرجت بمكاسب زهيدة فى سوريا، على عكس إيران وروسيا اللتين تتحكمان حالياً فى غالبية المناطق بعد التحالف مع النظام السورى، كما بسطت أمريكا نفوذها على الشرق السورى عند الحدود العراقية، والتى يتواجد فيها آبار البترول.
ولكن تركيا التى تراجعت كثيرا فى سوريا بعد أن اضطرت إلى سحب المقاتلين من المعارضة السورية، خاصة بعد إسقاطها للطائرة الروسية وعملية اغتيال سفير موسكو فى أنقرة، قلصت تواجدها فى سوريا حتى تكسب ود روسيا.
ولم تقتصر أزمة تركيا فى سوريا، على ضياع حلمها الذى كانت تطمح إليه، فى أن يكون لها اليد العليا فى سوريا بعد نظام الأسد، لكنها تعثرت فى أزمة أخرى، تمثلت فى كيفية التخلص من حلفائها «المجاهدين»، والذين وصل عددهم إلى 7 آلاف مقاتل، جلبتهم واحتضنتهم من دول شتى فى بداية الحرب السورية، بحجة قتال النظام السورى. واضطرت إلى سحبهم لمناطق حدودها مع سوريا بعد الهجوم الدولى عليها والاتهامات بأنها وراء التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش.
وكانت تركيا أمام ثلاثة خيارات، فى عملية التخلص من المقاتلين الأجانب والذين تورطوا فى الحرب السورية، الأول هو أن تقوم بإرسالهم إلى جبهات صراع أخرى، مثل ليبيا أو مصر أو الصومال، كما حدث قبل عدة أشهر عندما لعبت دوراَ فى خروج الإرهابيين بعد اتفاق فض الاشتباك فى «البلدات الأربع» بسوريا وتم شحن المئات منهم، إلى مناطق أخرى، وهو ما يفسر زيادة نشاط التنظيمات الإرهابية فى سيناء فى الفترة الأخيرة وما ترتب على ذلك من جرائم مثل حادث مسجد الروضة.
أما الخيار الثانى، فكان إغراء الحكومة التركية، لهؤلاء المقاتلين، بإعطاء جنسيات لهم، وتوطينهم فى تركيا، خاصة أنهم يخشون الملاحقة فى حالة عودتهم لبلدانهم، ولكن أثار ذلك تخوفات فى الدوائر الأمنية فى تركيا، كما اعترضت دول أوروبية وخاصة أعضاء الناتو، لاستمرار هؤلاء فى تركيا، مما يمثل خطراً على هذه الدول لسهولة انتقالهم إلى أوروبا عبر تركيا.
ولذلك لم يكن أمام تركيا، إلا خيار ثالث، وهو أن يتم دفع المقاتلين من جبهة النصرة والجيش السورى الحر، فى حرب مع الأكراد، وليس مع النظام السورى هذه المرة.
وتمثل هذه المعادلة «ضرب عصفورين بحجر واحد»، الأول التخلص من «المجاهدين» فى الحرب مع الأكراد وإرضاء الحلفاء الغربيين، وكذلك مساعدتهم لها فى الحصول على مناطق نفوذ لصالحها داخل الأراضى السورية، ودخولها فى المعادلة مرة أخرى لمزاحمة النفوذ الروسى والإيرانى والأمريكى فيها.
ولكن لم تأتِ الرياح بما تشتهى السفن التركية، فمع بدء العمليات فى عفرين، بدأت خلافات تنشب بين هؤلاء الإرهابيين ليتكشف ما يدور فى العقل التركى، وأسهم الاختلاف التنظيمى فى تصاعد هذه الخلافات، فمنهم المجموعة التى تعرف باسم الفرقة «13»، وهم غالبيتهم من المقاتلين الأجانب من الدول العربية، ويقودهم شخص يدعى أبو قتادة أو أحمد. ويتردد أنه مصرى وكان يتنمى للإخوان قبل انضمامه لجماعة حازمون»، وسفره بعدها للمشاركة فى القتال فى سوريا، ضمن جبهة النصرة «أحرار الشام» حاليا.
أما المجموعة الأخرى، فتضم «الإيجور» الصينيين وفرقة التركمان السورية، وبواقى الجيش الحر.
وتخشى تركيا حاليا من طول أمد الحرب، خاصة أن ذلك سيؤدى إلى كشف خطتها فى التخلص من مرتزقة «الجهاديين»، وإمكانية أن ينقلب السحر على الساحر فيتحولوا ضدها فى ظل وجود مقاومة عنيفة من الأكراد، وتصاعد للغضب العالمى على تركيا. وهو كفيل بفض التحالف الذى بينها وبين التنظيمات الإرهابية، وهو ما يمكن أن تترتب عليه كشف أسرار أخرى فى الأيام المقبلة.