رامي المتولي يكتب: معزوفة عن الحب أساسها الخيوط Phantom Thread
ترشيحات الأوسكار التي نالها الفيلم:
■ أفضل ممثل فى دور رئيسى للنجم دانيال داى لويس
■ أفضل ممثلة فى دور مساعد للنجمة ليزلى مانفيل
■ أفضل موسيقى أصلية لـ"جونى جرينوود"
■ أفضل تصميم أزياء لـ«مارك بريدجيز»
■ أفضل إخراج للمخرج الكبير بول توماس أندرسون
■ أفضل فيلم خلال العام
هناك ميل دائم لوصف العلاقة بين الرجل والمرأة بـ«الخيط» هذه المجموعة من الأنسجة الرفيعة المغزولة على بعضهما البعض مكونة خيط مرن واحد، بجمعه بشكل متناسق ومتداخل يصنع قطعة أكبر من القماش والتى تحتاج لتتصل مع قطعة مماثلة إلى خيط يجمعها معًا، وهكذا دواليك فى عملية لا متناهية مستمرة، «الخيط الوهمى» أو Phantom Thread واحد من الأفلام التى تشرح العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال استغلال نموذج متطرف فى إبداء المشاعر.
الصورة فى الفيلم وتكوينها يختزل الكثير ويمهد للأحداث والمواقف ويكون بديلاً عن الحوار فى الكثير من الأحيان، مشاهد البداية التى ترسم طبيعة المنزل الذى يسكن فيه رينولدز (دانيال دى لويس) وأخته سيريل (ليزلى مانفيل) والذى تدب فيه الحياة مع مجئ عاملات الخياطة اللائى يعج بهن المنزل ودار الازياء التى تحمل كنية الأخين «وودكوك» بالتزامن مع إشراف سيريل على دخول العاملات ومرورهن فى مكان صغير ليصعدن سلما ضيقا يتسع لفرد واحد لعدة أدوار يرتدى رينولدز ملابسه ويصفف شعره استعدادًا للنزول لتناول الافطار والعمل على تصميماته، ما بين الصعود والهبوط ترتفع عدسة الكاميرا لتلتقط حاجز السلم وصغر حجمه حتى الدور الأخير.. التتابع يخلق شعورا بعدم الارتياح يضخمه كمية التحيات الصباحية المتبادلة بين العاملات وسيريل فى البداية ورينولدز بعدها، الصور المتتابعة والكلمات القليلة ترسم الجو الخانق والرتيب داخل هذا المنزل والذى يؤكد الشعور بأن هذا المنزل ليس لشخصية عادية.
يوسع المخرج بول توماس أندرسون استخدام أدواته ويفرد مساحة أكبر للممثلين ليتعرف المشاهد أكثر على ساكنى هذا المنزل، رينولدز حاد ملول متطلب يدقق فى اختيار طعامه، على حافة الانفصال عاطفيًا من شريكته التى تجلس معه على طاولة الطعام، وأخته سيريل تراقب فى صمت، الحوار والأداء يرسمان التفاصيل المهمة للشخصيتين الرئيسيتين الأخ وأخته والعامل المساعد هو الشريكة التى سرعان ما تتخلص منها الأخت بمنحها أحد الفساتين المصممة والمصنوعة يدويًا، ويذهب رينولدز إلى الريف ليستجم وأثناء رحلته يجد الشريك العاطفى المقبل وهى إلما (فيكى كريبس) النادلة التى يجدها أمامه فى استراحته لتناول الطعام والتى تفتح شهيته لتناول طعام منوع ودسم وبكمية كبيرة لتصبح هى الشخصية الرئيسية الثالثة فى الفيلم الذى سيستمر على هذا المنوال كل من سيظهر فيه هو مجرد عامل محفز للمشاعر التى يكنها الثلاثة لبعضهم البعض.
من هذا المنطلق يعتمد أندرسون بشكل أساسى وبالترتيب من حيث الأهمية على الصورة، الأداء التمثيلى، الحوار ليصنع رؤية عن الحب وكيف تجد الخيوط بعضها البعض لتتراص فى انسجام وتناغم بشكل مرتب ودقيق وتخلق قطعة من القماش ثم فستان يعد تحفة فنية، الحب حسب هذا الفيلم هو مجموعة من دفعات المشاعر الجيدة والسيئة التى تكون العلاقات عمومًا وكيف يمكن أن يتحول السيئ لجيد والعكس، الرمزية فى اختيار القماش والخيوط كمهنة وخبرة البطل الرئيسى للفيلم لم تأت من فراغ وتتناص مع الرؤية العامة للمخرج وتنعكس عليها بشكل واضح، أسرار رينولدز وحالاته العاطفية والنفسية والشعورية يخبئها بمهارة فى طيات ملابسه ويغلق عليها القماش بالخيوط، وتظل هذه الاسرار تتجول فى كل بقاع العالم وسط صفوة المجتمعات. تعلمت سيريل التعامل مع أخيها بالمراقبة لكنها لم تكشف أسراره وتشتبك مع طبيعته مثل «إلما» التى فككت خيوطه وأعادت تجميعها لتغزل نفسها وسطها ليصبحا معًا نسيج جديد متطور.
إيقاع الفيلم فى العموم هادئ وبطئ يدعو للتأمل ويركز على التفاصيل الدقيقة التى ترسمها الصورة ويلقى الضوء عليها الحوار، المونتاج صنع وكثف هذه الحالة، لم يلجأ المخرج للقطع الحاد، استخدم المساحات الضيقة وزوايا التصوير مع عمق الكادر ليكثف الشعور بحالات أبطاله ويستقر على المشهد لثوان يعقبها انتقال لآخر منتهى النعومة فى التحول على الرغم من حدة بعض المشاهد التى كان مصدر التوتر فيها الأداء التمثيلى والموسيقى التصويرية التى تولت لحد كبير خلق حالة التوتر تدعمها فى بعض الأحيان زوايا الكاميرا الغريبة التى تجلب حالة عدم الشعور بالرضا والخطر، كالحال مع طحن وإعداد الفطر فى المرة الأولى ثم يعود وينسخ المشهد مرة أخرى بشعور مختلف وزوايا مختلفة مع طحنه وإعداده فى المرة الثانية.
ريما يكون هذا الفيلم هو أفضل نهاية وختام لمسيرة دانيال دى لويس فى التمثيل كما يرغب وحسب ما أعلن، ولو أن جمهوره وعشاقه فى العالم لهم رأى مختلف، فمسيرته الصاخبة والحافلة بأداءات صعبة شكليا وجسديا تختلف عن شخصية رينولدز وتفاصيلها والهدوء الظاهرى الذى يخفى بركانا من الغضب والعبقرية تحته، الفيلم من الأعمال الفنية التى يختار صانعها أن يضيقوا الخناق على أنفسهم عندما يختاروا أن يلعبوا على عناصر قد تؤدى لابتعاد المشاهدين عن عملهم، طول مدة الفيلم التى تصل لساعتين و10 دقائق، الاعتماد على مكان واحد ليكون محور تصوير 90% تقريبا من مشاهد الفيلم وهو منزل رينولدز، التركيز على 3 أبطال رئيسيين والباقون مجرد سواكن ثابتة ومتحركة تتكلم أحيانًا فقط تخدم مشاعر الأبطال دون أن يكون لها أهمية، يتحركون مع الابطال الثلاثة وأوامرهم كأنهم دمى مهما بلغ علو قدرهم وثرائهم، فلم يشفع لبربارا (هارييت سانسوم هاريس) علو شأنها هى مجرد حشو يعكس جمال فستان رينولدز، وعند أو بادرة لإهانته تصبح بلا قيمة تجردها إلما من ملابسها وكرامتها فى ثوان وبمنتهى الحسم.