عادل حمودة يكتب: الخطة السرية لصفقة القرن

مقالات الرأي



فى عام 1950 عرضت الولايات المتحدة شراء أرض فى سيناء لتوطين اللاجئين الفلسطينيين ولكن الملك فاروق رفض

يكا تريد من مصر أن تتنازل عن شريط الأرض الممتد من غزة إلى العريش مقابل أرض فى صحراء النقب وشيك بمائة مليار دولار

واشنطن تستغل الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر لإقناعها بقبول الصفقة لحل المشكلة الفلسطينية المزمنة

لا بد من خطة متكاملة لتوطين نصف مليون مصرى على الأقل لتدمير خرافة سيناء أرض


عندما فكر تيودور هرتزل فى أن تكون فلسطين وطنا قوميا لليهود بعث باثنين من الحاخامات فى رحلة استشكاف لتؤكد له ولغيره أنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.

لكن المفاجأة أنه تلقى تلغرافا صادما من رسوليه إلى فلسطين يقول: العروس جميلة ولكنها متزوجة فعلا.

وكان الحل حسب رواية محمد حسنين هيكل قتل الزوج والاستيلاء على ممتلكاته واغتصاب الزوجة باحتلال الأرض.

ولم يجد الأمريكيون فى هذا الحل ما يشين فقد سبقوا اليهود فى ذبح الهنود الحمر وبناء إمبراطورية عظمى على أرض تعاملوا معها على أنها هى الأخرى بلا شعب.

لقد تعودت الولايات المتحدة على تجاهل التاريخ وتغيير الواقع بالقوة المفرطة وشراء ما يكمل أهدافها بالمال حسب قواعد العرض والطلب التى تفرضها الرأسمالية السياسية.

وحسب هيكل فإن عروض البيع والشراء الأمريكية تكررت علينا أكثر من مرة :

فى سنة 1950 عرضت الولايات المتحدة على مصر مشروعا حمله السياسى الأمريكى كلاب لشراء سيناء وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها حلا لمشكلتهم وتركت شيكا على بياض للملك فاروق ليحدد المقابل المادى الذى يرضيه لإتمام الصفقة لكنه رفض.

وبعد خمس سنوات حاولت الولايات المتحدة شراء صلح منفرد بين مصر وإسرائيل يكون تمهيدا لصلح عربى شامل مقابل تعهد بالمساعدة فى بناء السد العالى وحمل العرض روبرت أندرسون وزير مالية أيزنهاور الرئيس الأمريكى وقتها.

لكن ما رفضه جمال عبد الناصر فى عام 1955 سعى إليه أنور السادات فى عام 1977.

فى شتاء ذلك العام اشتعلت فى مصر تظاهرات شعبية حادة بسبب رفع الدعم عن السلع الأساسية عرفت بانتفاضة الطعام.. وفى الصيف قتلت جماعة التكفير والهجرة الشيخ محمد حسين الذهبى وهددت الأمن والاستقرار فى البلاد.. وفى الخريف استغلت الولايات المتحدة الأزمات الاقتصادية والسياسية فى مصر وأقنعت السادات بأن الحل هو الصلح مع إسرائيل ودفعت به إلى السفر إليها.. ومرة أخرى كان دفتر الشيكات حاضرا.. معونة عسكرية واقتصادية قيمتها 2.1 مليار دولار سنويا أصبحت فيما بعد منحا لا ترد وإن راحت تتناقص عاما بعد عام فقد استنفدت أغراضها.

والمؤكد أن السياسة الأمريكية لا تتغير.. ولا تيأس.. وما عجزت عن تحقيقه اليوم ستسعى إليه فيما بعد ولو اضطرت إلى مضاعفة الثمن حسب فروق التوقيت وفروق الأسعار.

ونكاد نلمح الآن الظروف الصعبة نفسها التى دفعت السادات لقبول الصفقة الأمريكية التى انتهت باغتياله وبالعجز عن تحقيق الرخاء الذى أوهم به المصريين بعد عودته من إسرائيل.

تعيش مصر اليوم نوعا من المتاعب الاقتصادية أثرت على حياة شعبها بأسعار حارقة لا تجد من يطفئها.. ودخول متواضعة تعجز بسهولة عن سد الحاجات الضرورية للبشر.. وتواضع فى الخدمات لا يكف عن التراجع.. وقروض متزايدة تهدد مستقبل أجيال جديدة لا ذنب لها.. وإنتاج هزيل لم يفكر أحد فى دعمه.. واستيراد إجبارى لم يخلق تعويم العملة بديلا محليا له.. وروشتة علاج شديد المرارة تحتاج وقتا غير محدد لتخفف الآلام وتحقق الشفاء.

وفى الوقت نفسه تنظيمات إرهابية مسلحة وشرسة فى سيناء قادرة على إسقاط مروحيات تضاعف شرها من الحدود الغربية لها خلايا داخلية منتشرة فى البلاد تثير الفتنة بالاعتداء على الكنائس وقتل المسيحيين.

تحديات هائلة ومتنوعة تجسد ضغوطا قوية على مصر لتظل فى جحيمها مع وعد بالجنة والثروة إذا ما قبلت بصفقة القرن.

تعتمد تلك الصفقة على نفس المنطق المضلل : إذا كانت سيناء أرضا بلا شعب والفلسطينيون شعبا بلا أرض فلم لا نعقد زواجا استراتيجيا بينهما ونريح العالم من صداع قضية مزمنة عجز الجميع عن حلها؟.

ومصر ماذا نفعل معها؟

الإجابة سهلة: نمنح رئيسها جائزة نوبل للسلام.. ونعوضها بمائة مليار دولار.. تطعم شعبها.. وتساند مجتمعها.. الأرض مقابل الرخاء.

الفكرة كما ثبت عرضت على مصر الملكية منذ 68 سنة لكنها أعطت لها ظهرها على أن الفكرة تحولت إلى مشروع أكثر دقة وضع تفاصيله ورسم خرائطه مركز هرتزيا للدراسات السياسية الذى أسسه عام 1994 أورينل رايخمان ويضم خبراء فى العلوم الاستراتيجية يشرفون سنويا على مئات من رسائل الماجستير والدكتوراه.

ويعقد المركز مؤتمره السنوى فى بداية كل عام ليبحث ما يجده مهما للدولة اليهودية ويقدم ما يتوصل إليه من أفكار على لفائف تشبه لفائف التوراة القديمة إلى متخذى القرار.

فى 20 يناير 2008 عقد المركز مؤتمره لمدة ثلاثة أيام وتناولت أبحاثه: خطط إثارة النعرات الطائفية والعرقية فى العالم العربى.. تمزيق الشيعة.. الجيل الجديد من يهود الشتات.. لكن.. البحث الأخطر كان: خيارات تبادل أراض عربية فى إطار التسوية السلمية قدمه بالخرائط التفصيلية عوزى أراد وراحيل ماكتجر.

طرحت الفكرة بجدية عقب فشل مفاوضات التسوية بين سوريا وإسرائيل.. طلبت إسرائيل إنشاء مراكز للإنذار المبكر تحذر من الهجوم عليها.. لكن.. بسبب ضيق المساحة وجدت سوريا أن هذه المراكز ستكون فى قلب دمشق نفسها.. فرفضت.. فاقترحت إسرائيل فكرة تبادل الأرض لتوسيع مناطق المناورة حتى لا تفشل التسوية.. ومرة أخرى رفضت سوريا.. لكنها وجدت نفسها بعد سنوات قليلة فى حرب أهلية تهدد كيانها وتماسكها عقابا لها على رفضها، وربما تجبر الآن على القبول بما رفضت وأكثر.

وسبق أن تبادلت إسرائيل والأردن أرضا قبل توقيع معاهدة الصلح بينهما.. وفى مفاوضات كامب ديفيد التى رعاها بيل كلينتون فى نهاية عام 2000 وقبل خروجه من البيت الأبيض فرض اقتراح تبادل أرض فى الضفة الغربية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية نفسه على التسوية.. وفى خطاب جورج بوش إلى آرييل شارون فى 14 إبريل 2005 وافق الرئيس الأمريكى على تبادل أراض فى الضفة الغربية لوجود مستوطنين يهود فيها.. يصعب على حد قوله انتزاعهم منها.

ولو كان هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق قد وضع أسس التسوية السلمية بين مصر وإسرائيل بعد حرب أكتوبر فإنه واحد ممن يتبنون سياسة تبادل الأراضى وقال فى مقال شهير: إنه يعتقد أن فكرة تبادل الأراضى فكرة عبقرية خارقة تسهل فك الخيوط التى تعقدت بسبب تقادم المشكلة الفلسطينية.

لكن.. إسرائيل لا تكتفى بفكرة تبادل الأراضى لحل المشكلة الفلسطينية، وإنما تطرحها للتسوية مع الدول العربية المجاورة لها ورسمت خرائط جديدة تجسد ما تريد.

رسمت إسرائيل خريطة تحتفظ فيها بنحو 250 كيلومترًا مربعًا من هضبة الجولان المحتلة (20% من مساحتها) غرب المنطقة الحدودية مع سوريا مقابل أن يتنازل لبنان عن المساحة نفسها لسوريا من أرض فى منطقة البقاع على أن تتنازل إسرائيل عن منطقة حرمون المشتركة مع حدودها بجانب مزارع شبعا وقرية الفجر وهما تحت سيطرتها.

ورسمت إسرائيل خريطة أخرى تتنازل فيها مصر عن منطقة ما على محور رفح العريش لتلتحم بقطاع غزة مقابل حصول مصر على أرض من صحراء النقب فى وادى فيران تسمح بالعبور الحر بين مصر والأردن.

ولو كانت الأراضى التى ستتنازل عنها مصر فى شمال سيناء أكبر من التى ستحصل عليها فإن دفتر الشيكات الأمريكى جاهز للتوقيع بمبلغ المائة مليار المغرى لحل مشاكلها وسداد ديونها.

ويعنى ذلك أن الدولة الفلسطينية ستنشأ فى غزة وبعض من الضفة وبعض من سيناء وربما أصبحت عاصمتها العريش وربما تبادلت القاهرة معها السفراء.

ولم تكن صدفة أن تنشر تلك الخرائط فى الوقت الذى كسر فيه فلسطينيو غزة الحدود مع مصر ورفع مقاتلو حماس السلاح فى وجه الجنود المصريين الذين اكتفوا بالرد عليهم بالحجارة وكان ما حدث بروفة لفرض أمر واقع على مصر.

وفى الوقت نفسه نشرت مجلة نيوزويك تقريرا وصفت فيه غزة بأنها محور خطة أمريكية سرية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فى سيناء تمهيدا لإعلان دولتهم.

وسبق أن طرحت الفكرة ذاتها فى مباحثات كامب ديفيد التى سبقت توقيع معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل ولكن السادات رفضها.

وفى نهاية نوفمبر الماضى خرج مبارك عن صمته مكذبا قبوله بتوطين اللاجئين الفلسطينيين فى سيناء وإن لم ينكر أن جهودا أمريكية بذلت لإقناعه بذلك.

ولابد أن الفشل فى تنفيذ الخطة بالتفاهم عبر المسارات السياسية الهادئة والمساعدات المالية الهائلة لم يصب واضعيها باليأس وإنما جعلهم يبحثون عن وسائل أخرى لتنفيذها.. وكانت جماعة الإخوان جاهزة للتفاهم.. الأرض مقابل الحكم.. أرض سيناء مقابل حكم مصر.. وكان التبرير : إن تنازل دولة مسلمة عن أرض لدولة مسلمة أخرى أمر تقره الشريعة.. فأرض الله لأهل الله دون حدود وطنية مصطنعة يمكن إزالتها تحقيقا لحلم الخلافة الأكبر.

ولكن.. الإخوان لم يبقوا فى الحكم طويلا حتى ينفذوا الصفقة بدستور أقروه يمنح الرئيس صلاحية التوقيع على معاهدات يتنازل فيها عن أراض مصرية وتغيير حدود الدولة وهو نص مريب كشف عن النية فى ضم بعض من سيناء إلى غزة وفى الدستور اللاحق شطب النص.

على أن خروج الإخوان من الحكم خلف وراءهم تنظيمات إرهابية تدفع بعمليات العنف التى لا تكف عن تنفيذها إلى إضعاف وإفقار الدولة المصرية لتقبل بما خطط لها فى تكرار لمشاهد سابقة فى العراق وسوريا وليبيا.

لم يتغير المخطط وإنما تغيرت وسائل تحقيقه.. إنهاك مصر بقوة التنظيمات الإرهابية والمتاعب الاقتصادية إلى حد اليأس لتقبل به.

وقد استشعر مبارك خطر غزو فلسطينى غزة لسيناء كما حاولوا من قبل فأوقف مشروعات التنمية فيها فلم يكمل ترعة السلام ولا خط السكك الحديدية حتى لا يستولوا عليها ويستفيدوا بها.

لكن.. مصر عادت مؤخرا وقررت إنفاق 100 مليار جنيه على التنمية فى سيناء وهو مبلغ هزيل لا يزيد فى حقيقته على 55 مليون دولار لن يثمر شيئا ملموسا ومؤثرا، كما أن العصابات الإرهابية ستجدها فرصة للاستيلاء على ما يقام هناك قبل استكماله.

إن تحرير سيناء هو الهدف المباشر والأهم الذى يجب تحقيقه حتى نواجه مخطط التنازل عن بعض أراضيها.

أما ما أنفق وما سينفق من مليارات فى سيناء فإنها ستضيع فى الرمال هباء إذا لم توضع لها خطة لتوطين أعداد من المصريين.. مليون أو نصف مليون نسمة على الأقل.. لكى تصبح سيناء أرضا يسكنها شعب.. فتبطل الحجة الشهيرة.

وليست هناك مشروعات للاستيطان أفضل من المشروعات الزراعية الكبرى التى تخلق علاقة متينة بين الأرض والإنسان.

وربما لم ننس أن كل وزراء الدفاع فى إسرائيل مروا من قبل على وزارة الزراعة.. فالزراعة هى الأمن الحقيقى.

أما غير الزراعة من مشروعات فلن يأتى إليها سوى أعداد قليلة من البشر سيتركونها إذا ما حدث اعتداء عليهم كما وجدنا فى حرب يونيو 1967.

ولابد من إغراء شديد لتوطين المصريين فى سيناء.. تمليكهم مئات الأفدنة.. وبناء قرى دفاعية تحميهم.. ودون ذلك لن يغير أحد من سكان الوادى عاداته فى البقاء فى مكانه مهما كانت كثافة الزحام التى يعيش فيها.

سيناء تحتاج خطة متأنية متكاملة وليست قرارات عاطفية عشوائية متعجلة.