د. نصار عبدالله يكتب: تتعاقب الشتاءات "2"
رحل عام 2017، مغيبا معه عن سمعى وعن بصرى، إلى الأبد، سبعة من الكتاب والشعراء الذين كانت تربطنى بهم صداقة عميقة أو معرفة وثيقة، أولهم رحل فى أوج اشتداد برد الشتاء، مضيفا إلى برد الطبيعة برودة أخرى تسرى فى القلب!! تحديدا فى يوم 19 يناير رحل يوسف الشارونى الكاتب القاص والروائى والناقد والمترجم الذى قدر لى أن أتزامل معه يوما فى المطالبة بتأسيس اتحاد لكتاب مصر، وكلل مسعانا بالنجاح فى عام 1976، حيث كنا كلانا من الأعضاء المؤسسين إلى جانب عدد آخر من مؤسسى اتحاد كتاب مصر، كنت قبل ذلك أتردد على ندوات نادى القصة فى شارع القصر العينى حيث كان الشارونى وجها دائما فى تلك الندوات، وهناك تعرفت عليه وتكررت لقاءاتنا فى النادى أوفى جمعية الأدباء الكائنة بشارع القصر العينى أيضا والقريبة جدًا من منزلى فى القاهرة التى كنت أقيم فيها فى ذلك الوقت، بعد رحيل الشارونى بأسبوع واحد رحل الصديق العزيز الشاعر الكبير: سيد حجاب الذى كثيرا ما كنت ألتقى به فى كافيتريا ألجريون عندما كنت مقيما بالقاهرة أو أزوره أحيانا فى منزله، وحتى بعد أن تركت القاهرة وأقمت فى سوهاج ظل التواصل بينى وبينه قائما عبر الهاتف حتى آخر لحظة فى حياته، وفى أغسطس اختطف الموت محفوظ عبدالرحمن الذى أمتع مشاهدى التليفزيون والسينما بأروع الأعمال ذات القيمة التاريخية والفنية الرفيعة، فقد كتب قصة وسيناريو وحوار: بوابة الحلوانى، ناصر56، حليم، أم كلثوم، وغيرها من الأعمال المتفردة، وقد شرفت بأن أتزامل معه عندما كنت عضوا بمجلس إدارة اتحاد الكتاب عام 1995حيث كان صوته دائما يصب فى الجانب الذى أقف فيه حتى لو كان هو جانب الأقلية!!، وعندما تقدمت باستقالتى إلى المجلس كان محفوظ فى مقدمة الذين حاولوا إثنائى عن الاستقالة، لكننى اعتذرت له ولهم بأن ظروفى الصحية لم تعد تسمح لى بالسفر شهريا من سوهاج إلى القاهرة، وإننى أوثر أن أترك الفرصة لمن يلينى فى الأصوات لعله يكون أكثر قدرة على العطاء، وفى نوفمبر رحل الصديق العزيز الناقد الأكاديمى طلعت أبو العزم الذى دون جانبا من التراث الشفاهى للأدب المصرى وذلك فى كتابه الممتع : «حكايات أبوالجدايل» الذى كتبت عنه غداة رحيله عن عالمنا، وقبل أن ينتهى شهر ديسمبر ببرده القارس الذى يحاكى فى برودته شهر يناير، قبل أن ينتهى ديسمبر وينتهى معه عام 2017 بأكمله، إذا به يؤثر ألا يرحل قبل أن يختطف الموت فى أيام معدودات ثلاثة ممن قدر لى أن أعرفهم، كان أولهم الروائى البديع مكاوى سعيد الذى كان يمتعنى كل ما يكتبه، رواية أم قصة قصيرة أم مقالا، والذى كان يحرص دائما على أن يستطلع رأيى فى آخر ما كتب، وظل على اتصال مستمر بى حتى يوم رحيله مما جعل وقع الخبر على نفسى صاعقا، وهو ما سجلته فيما كتبته عنه غداة الرحيل، أما الثانى فهو صديقى وأستاذى الدكتور حسين نصار رائد الدراسات المعجمية فى مصر والعالم العربى الذى استمرت صلتى به قوية وحميمة على امتداد ما يزيد على نصف القرن، أما الثالث فهو الكاتب الموهوب صلاح عيسى الذى عرفته منذ سبعينيات القرن الماضى والذى أعده واحدا من المعدودين فى نوع متميز من الكتابة التى تنتمى إلى سبيكة ذهبية ينصهر فيها الأدب والسياسة والتاريخ فى بوتقة واحدة معجونة بمداد قلمه الفريد، بهذا المداد كتب صلاح عيسى: «حكايات من دفتر الوطن».. التى هى أشبه ما تكون بدراما تسجيلية لأحداث مهمة يعرضها لنا مؤرخ فنان، أو فنان مؤرخ، وقبل حكايات من دفتر الوطن كتب صلاح عيسى بنفس أسلوبه الفريد: «الثورة العرابية»: و«تباريح جريح» و«مثقفون وعسكر»، و«دستورفى صندوق القمامة» و«جال ريا وسكينة» وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يكتب مقالا أسبوعيا فى صحيفة المصرى اليوم يتسم بتلك الخصائص التى أشرنا إليها منذ قليل والتى تتجلى فى سائر كتاباته تقريبا.