عصام زكريا يكتب : يوسف زيدان تحت مقصلة نيابة أمن الدولة بتهمة ازدراء الأديان!

مقالات الرأي

عصام زكريا يكتب :
عصام زكريا يكتب : يوسف زيدان تحت مقصلة نيابة أمن الدولة بته


«ازدراء الأديان»، أو القانون «98 و» الذى وضعه نظام مبارك لقمع المعارضين أصبح لعبة فى يد نظام الإخوان لإرهاب المفكرين والمثقفين والمعارضين لأى استبداد سياسى باسم الدين.

وخلال الأسابيع الماضية تم تحريك العديد من البلاغات والدعاوى ضد إعلاميين وسياسيين ورسامى كاريكاتير وكتاب.. آخر حلقة فى هذا المسلسل جرت وقائعها خلال اليومين الماضيين بتحريك دعوى قضائية أمام نيابة أمن الدولة ضد كتاب «اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى» للكاتب يوسف زيدان المنشور منذ أربع أعوام!

المشهد الأول- خارجى-منتصف الليل

قوة من الشرطة بقيادة ضابط برتبة رائد تتوجه إلى منزل الباحث والأديب د. يوسف زيدان فى الإسكندرية لتسليمه أمر استدعائه للمثول أمام أمن الدولة العليا صباح اليوم التالى فى القاهرة. يجدون زوجته وأبناءه فقط ويعرفون منهم أنه انتقل للعيش فى بيت آخر. يلح الضابط حتى يحصل على معرفة عنوانه الجديد.. يعطونه رقم الهاتف، فيتصل بالدكتور فى الثانية العاشرة وخمس عشرة دقيقة ليخبره بأمر الاستدعاء ويسأله عن مكانه حتى يأتى ليسلمه له!

واضح أن هناك قرارًا من جهة عليا بسرعة تحريك البلاغ – المجهول حتى الآن- لإحداث فرقعة إعلامية ما.

المشهد الثانى-داخلى- بيت الدكتور يوسف

يصل الضابط ويسلم الاستدعاء إلى د. زيدان وينصرف. يفكر د. زيدان فى أمر الاستدعاء المباغت. منذ حوالى ثلاث سنوات، بعد نشر روايته “عزازيل” التى حققت مبيعات كبيرة وحازت جائزة “بوكر” العربية، شن بعض رجال الدين والمحامون الأقباط حملة على الرجل، واتهموه بالافتراء على الدين المسيحى وتشويهه، وقام عدد من المنظمات القبطية بتقديم بلاغات للنائب العام تطالب بمحاكمته، ولكن النائب العام السابق عبد المجيد محمود حفظ القضية.

هل تم تحريك الدعوى مجددا؟ تساءل الدكتور زيدان وهو يهز رأسه عجبا عن السبب الذى دعا إلى فتح هذا الملف القديم؟

منذ عدة أيام فقط كان الدكتور زيدان فى مدرسة الجيزويت بالإسكندرية، المعروفة بنشاطاتها الثقافية الرفيعة والكثيرة، يلقى ندوة عن “أساطير تطبيق الشريعة الإسلامية”.

الرجل لم يدخر جهدا فى الحقيقة فى تحطيم خرافات العقل العربى سواء كانت يهودية، مسيحية، أو إسلامية، وكرس جهوده من أجل تنقية الأديان الرسولية، أو الرسالية، كما يطلق عليها، من الخزعبلات والأفكار الخاطئة، بهدف التقريب بينها واعلاء قيم الدين الروحية والأخلاقية الصحيحة، والبعيدة عن استغلال الدين فى الحروب والصراعات السياسية.

المشهد الثالث- داخلى- نيابة أمن الدولة العليا

التحقيق مع الدكتور يوسف زيدان يستغرق عدة ساعات مجهدة. مفاجأة كبيرة كانت فى انتظاره. الدعوى التى تم تحريكها لا علاقة لها بالبلاغات “القبطية” القديمة ولا برواية “عزازيل”...ولكن نتيجة تقرير لمجمع البحوث الاسلامية عن كتاب “اللاهوت العربى وأصول العنف الديني” الصادر عام 2009. التقرير الذى كتب فى نوفمبر الماضى لم يعلم بوجوده ولا بتقديمه للنائب العام أحد، بما فى ذلك المتهم!

التقرير يوجه للكتاب وصاحبه ثلاث تهم يمكن لأى منها أن ترسله وراء القضبان لعدة سنوات.

التهمة الأولى هى “ازدراء الأديان”، لأنه – حسب تقرير مجمع البحوث- وصف اليهودية والمسيحية والإسلام بأنها ديانات “رسالية” أى جاءت برسالة من السماء، وأنها تجليات ثلاثة لجوهر واحد!

التهمة الثانيةً هى “إحداث فتنة دينية فى البلاد”، والثالثة هى “التشجيع على التطرف الدينى”!

التقرير/البلاغ يطالب بتطبيق مواد قانون العقوبات 161، 171، و98 حسب التعديلات التى أضافها المجلس العسكرى عليها عام 2011 على الدكتور يوسف زيدان.

المادة 161 جديدة وتنص على: “يعاقب بالحبس وبغرامة لاتقل عن ثلاثين ألف جنيه ولاتتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بعمل أو بالامتناع عن عمل يكون من شأنه إحداث التمييز بين الافراد أو ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة وترتب على هذا التمييز إهدار لمبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة الاجتماعية أو تكدير للسلم العام.

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر والغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين اذا ارتكبت الجريمة المشار إليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة من موظف عام أو مستخدم عمومى أو أى إنسان مكلف بخدمة عمومية”.

المادة 171 قديمة وخاصة بالصحف ووسائل النشر وتنص على: كل من أغرى واحدا أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح أو جهر به علنا أو بفعل أو إيماء صدر منه علنا أو بكتابة أو رسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية يعد شريكا فى فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا الاغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل. أما إذا ترتب على الاغراء مجرد الشروع فى الجريمة فيطبق القاضى الاحكام القانونية فى العقاب على الشروع”.

المادة 98 (و) هى الخاصة بتهمة “ازدراء الأديان” والتى وضعت عام 1982 فى عهد مبارك وتم تعديلها مرة أخرى عام 1988، والتى طالما استخدمها أمن الدولة لقمع المعارضين، واستخدمتها التيارات الدينية المتطرفة لقمع المفكرين والكتاب، وهى مادة مطاطة طالما دعت القوى المدنية ومنظمات حقوق الإنسان إلى إلغائها أو تعديلها، وهى تنص على: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى”.

الدكتور يوسف استمع إلى تقرير مجمع البحوث وإلى مواد قانون العقوبات ذاهلا. وطلب شهرا لكتابة رد على التقرير والاتهامات الواردة به. تتم الموافقة على طلبه ويتم تحديد موعد للجلسة الثانية وينصرف الدكتور يوسف عائدا إلى الإسكندرية والذهول لم يفارق وجهه بعد.

واضح أن من كتبوا تقرير مجمع البحوث الاسلامية لايجيدون قراءة اللغة العربية، أو أنهم لم يقرأوا أى كتب فى حياتهم سوى كتب المدرسة وجامعة الأزهر وأنهم حفظوها دون فهم!

الكتاب الذى وضع عنه التقرير مكتوب خصيصا لمواجهة الجرائم الثلاث السابقة التى ترتكب باسم الدين: “التمييز، العنف، والازدراء”. عنوان الكتاب مرة أخرى هو “اللاهوت العربى وأصول العنف الديني”. المؤلف لم يسمه “اللاهوت المسيحي” لأنه يطرح فرضية علمية ترى أن علم اللاهوت المسيحى هو علم عربى بالأساس، سواء الأرثوذكسى الذى تعتمده الكنيسة المصرية، أو الأفكار المناهضة له التى نشأت فى شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام. وهذه الفرضية نابعة من فرضية أخرى يناقشها الكتاب بأن الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والاسلام، هى دين واحد بطبعات ورؤى ومذاهب مختلفة، حين نقارن بينها ونناقشها نكتشف أننا، اليهود والمسيحيين والمسلمين، قد وقعنا فى أفخاخ شيطانية تتمثل بالضبط فى ارتكاب التهم الثلاث التى يطلقها التقرير دون خجل على صاحب الكتاب: لقد ازدرينا بعضنا البعض وحرضنا على التمييز والكراهية والفتنة والعنف والقتل باسم الدين، والدين منا براء!

الدكتور عبد المعطى بيومى، وهو عضو مجمع البحوث الاسلامية، رجل معروف بآرائه وكتاباته المتنورة الداعية إلى السلام الاجتماعى والسعى إلى الفهم الصحيح لجوهر الدين، لم يشارك فى هذا التقرير بالطبع، وربما يكون من كتبوا التقرير لم يعرضوه عليه ولم يطلبوا رأيه، وربما يعتبرونه خارجا على الملة أيضا، فهو قد قرأ كتاب الدكتور زيدان وناقشه علميا وأثنى عليه، ورأى ما رأيناه، ورآه الآلاف من الذين قرأوا الكتاب...ولم يجدوا فيه سوى الدعوة إلى نبذ التنابذ والعنف بالفكر والفهم وليس بالشعارات الانشائية التى لا تسمن ولا تغنى عن جهل!

أعتقد- والله أعلم- أن كتبة التقرير قد راعهم وصف الكتاب للأديان الثلاثة بالرسالية رافضا تسميتها بالسماوية، وهو ما يفسره الكتاب بالآتي: كلمة “سماوية” تعبير حديث جدا لا وجود له فى كتب الأقدمين واستخدامها خطأ لغوى ومنطقى وعلمى، لأن “سماء” تعنى فى اللغة “السقف” أو “الغطاء العلوي” لأى فضاء، ولأن كل الديانات، حتى الوثنية منها، مجالها هو العلاقة بين الأرض والقوة الخالقة العظمى “السماوية”، ولأن الوصف الأدق للأديان الثلاثة هو ما يذكره القرآن الكريم “الكتابية”، أو “أهل الكتاب” فى مقابل “الكفار” الذين لا يؤمنون بالله- إله اليهود والمسيحيين والمسلمين. والكاتب يختار تعبير “الرسالية” لأن هذه الأديان الثلاثة تمتاز عن غيرها بالرسل أصحاب الرسالات.

أو ربما يكون قد راعهم أن الكاتب يوازى ويساوى بين العنف الذى استخدمه أتباع الديانات الثلاث بنفس الدرجة من الإدانة، وأخيرا ربما يكون انزعاجهم راجعا إلى أنه يحلل جذور العنف الذى غرق فيه أتباع الديانات الثلاث ويرى أن سببه الرئيسى هو اساءة فهم واستخدام الدين لأغراض سياسية، وهى حقيقة مزعجة خاصة هذه الأيام.

.. حتى لو افترضنا أن هذه الأمور غير واضحة وأن الكتاب يحتمل تأويلات ومعانى قد لا ترضى بعض رجال الدين أو الرجال العاديين، هل معنى ذلك أن نطالب بمصادرته وحبس صاحبه. أليس أعضاء مجمع البحوث من “كبار العلماء”؟ لماذا لا يبحثون ويفندون الكتاب علميا وينشرون بحثهم على الناس حتى ينجوا من هذه الضلالات؟

وإذا كانوا يستطيعون وضع أيديهم على يوسف زيدان، فماذا سيفعلون فى مئات الكتب وآلاف المقالات الموجودة على الانترنت وفى كل بلاد العالم عن الأديان واللاهوت، ومن بينها عشرات على جهاز الكمبيوتر الخاص بى، ومن بينها كتاب “اللاهوت العربى...” المتاح مجانا فى نسخة pdf...والذى قام الآلاف خلال الأيام القليلة الماضية بالبحث عنه وتحميله بعد سماعهم بخبر الدعوى؟ وقام البعض الآخر بإنشاء صفحة على الفيس بوك للتضامن معه سرعان ما انضم إليه الآلاف؟

سؤال أخير: هل لتحريك البلاغ بشكل مفاجئ علاقة بندوة “أسطورة تطبيق الشريعة” التى عقدها الدكتور يوسف زيدان فى الإسكندرية؟