ننشر أسباب عدم دستورية "منع القضاة من الترشح للأندية الرياضية"
حصلت "الفجر" على نص ملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة، برئاسة المستشار مهند عباس، علي مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017، والذي يقضى بمنع أعضاء الهيئات القضائية من حق الترشح فى انتخابات مجالس إدارة الأندية الرياضية، والذي أقرة مجلس النواب مؤخرًا، والذي ارتأى فيه شبهة عدم دستورية.
وذكر قسم التشريع فى أسباب رفضه للمشروع، جود شبهة قد تنشأ نتيجة قيام أعضاء الجهات والهيئات القضائية بالإشراف على انتخابات الهيئات الرياضية والتى يترشح لشغل عضويتها أى منهم، وحفاظًا على هيئة أعضاء الجهات والهيئات القضائية التى قد ينالها نصيب من الخلل حال خوضهم انتخابات الأندية الرياضية.
وفى شأن المادة الأولى من مشروع القانون، والتي تقضى بمنع أعضاء الهيئات القضائية من حق الترشح فى انتخابات مجالس إدارة الأندية الرياضية، فارتأى قسم التشريع بمجلس الدولة، أن ثمة شبهة دستورية جلية تثار بشأنها من حيث مخالفتها نص الفقرة الثانية من المادة (92) من الدستور النافذ، ومن حيث الإخلال الواضح والصريح بمبدأ الفصل بين السلطات.
وأوضح، أن ذلك لا ينال من النصوص القانونية الواردة بالقوانين المنظمة لشئون الجهات والهيئات القضائية بشأن حظر مباشرة أعضاء الجهات والهيئات القضائية للعمل السياسي، أو الأعمال التجارية، موضحًا أن ما أرتاه القسم فى خصوص المدى الذي ينتهي إلية الإطار العام الحاكم لممارسة القاضي لحقوقه وحرياته العامة كمواطن، والمختص بوضع هذا الإطار، يصدق فقط على حقوق القاضي وحرياته كمواطن والتي ليس من بينها ممارسة الأعمال التجارية أو العمل السياسي، والتي خرجت من دائرة حقوق القاضي كمواطن بمجرد توليه الوظيفة القضائية.
وأشار، إلى أن المادة الأولى يشوبها عدم دستورية جلية أيضا لمخالفتها نص الفقرة الثانية من المادة 84 من الدستور والتي ألزمت المشرع القانوني حال تنظيمه لشئون الرياضة، والهيئات الرياضية الأهلية، الالتزام بالمعايير الدولية، وهو الالتزام الذي نفذه المُشرع القانوني بشكل واضح في نصوص قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017، حين عهد إلى الجمعيات العمومية للهيئات الرياضية بالاختصاص الحصرى لوضع الأنظمة الأساسية لهذه الهيئات، بما يتوافق مع الميثاق الأولمبي والمعايير الدولية، مما يجعل نص المادة الأولى من المشروع المقترح فضلا عما يثيره من شبهة عدم دستورية، غريبًا عن نسيج نصوص قانون الرياضة المشار إليه، وذلك بإدخال شرط وحيد من شروط عضوية مجالس إدارات الهيئات الرياضية وترك باقي الشروط للنظام الأساسي لهذه الهيئات.
وذكر القسم أن أعضاء الهيئات القضائية لهم الحق فى الترشح فى انتخابات مجالس إدارة الأندية الرياضية، وذلك فى ضوء مبادئ دستورية مستقرة مثل مبادئ المساواة بين المواطنين فى الحقوق والحريات والواجبات العامة والفصل بين السلطات، والمنصوص عليها بالمواد 9،53، 87، 185، علاوة عن حرص المٌشرع الدستوري النص فى ختام النصوص الواردة في باب الحقوق والحريات على أن "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصا، ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها"، الأمر الذي يمثل مبدءًا دستوريًا يحكم قيام المٌشرع القانوني بدوره فى تنظيم الحقوق والحريات فى عمومها، وأخيرًا جاء نص المادة (84) من الدستور ليؤكد حق ممارسة الرياضة للجميع ثم أناط بالقانون تنظيم شئون الرياضة والهيئات الرياضية لأهلية وفقا للمعايير الدولية.
وذكر، إلى أن عضو الجهة أو الهيئة القضائية الذي يرغب فى الترشح لعضوية إحدى الهيئات الرياضية، ومنها الأندية الرياضية، يجتمع له وصفان، أولهما أنه عضو بجهة أو هيئة قضائية، ويرى القسم أن وضع إطار عام يضع قيودًا على ممارسة عضو الجهة أو الهيئة القضائية لحقوقه وحرياته العامة كمواطن، بما يتسق وطبيعة الوظيفة القضائية، وما تفرضه هذه الوظيفة من موازنة وتوفيق لابد منهما بين مصلحة القاضي كمواطن فى التمتع بحقوقه التي يكفلها الدستور والقانون والوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقة، وكذلك بين ما تفرضه المصلحة العامة الأولى بالرعاية من ضرورة ألا تنطوي ممارسته لهذه الحقوق على مساس بكرامة الوظيفة القضائية التي يضطلع بأعبائها واستقلالها، ليس من شأنه الإخلال بالمبدأين الدستورين المستقرين بشأن المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات والواجبات العامة، وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
وارتأى، أن مبدأ الفصل بين السلطات، وما يفرضه من مساحة فاصلة يجب تركها فى العلاقة بين هذه السلطات تجنبًا لطغيان سلطة على أخرى بسند من ممارستها لهذه الاختصاصات الدستورية، يوجب أن يكون المختص بوضع هذا الإطار الحاكم، الجهة المختصة بذلك بالجهة أو الهيئة القضائية ممثلة فى " المجلس الأعلى للقضاء، المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة، المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة، المجلس الأعلى لهيئة النيابة الإدارية، الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا"، بحسبان أن هذه الجهة وحدها دون غيرها من تملك مقاليد التقدير الصحيح للموازنة الموضوعية بين مصلحة عضو الجهة أو الهيئة القضائية كمواطن فى التمتع بحقوقه التى يكفلها الدستور والقانون والوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقه، وبين ما تفرضه المصلحة العامة الأولى بالرعاية من ضرورة ألا تنطوي ممارسته لهذه الحقوق على مساس بكرامة الوظيفة القضائية التي يضطلع بأعبائها واستقلالها.
ولفت قسم التشريع، إلى أن ما يؤكد ذلك ما ذُكر فى المذكرة الإيضاحية للمشروع من دافع ثان له وهو الحفاظ على هيبة أعضاء الجهات والهيئات القضائية، والتي قد ينالها نصيب من الخلل حال خوضهم انتخابات الأندية الرياضية، هو عين ما انتهت إليه محكمة النقض من أسباب لحكمها الصادر فى الطعن رقم 16 لسنه 66 القضائية بجلسة 25 يونيو 1996 برفض الطعن المقام طعنا على قرار مجلس القضاء الأعلى بمنع رجال القضاء من الترشح لعضوية مجالس إدارات الأندية الرياضية.
وفيما يتعلق بالمادة الثانية من مشروع القانون، والتي تتضمن إلزام جميع الجهات الرياضية القائمة وقت العمل بهذا القانون، بتوفيق أوضاعها بما يضمن تطبيق أحكامه خلال 6 أشهر من تاريخ العمل به، فارتأى قسم التشريع أيضا وجود شبهة عدم دستورية بها لاسيما لارتباطها بالمادة الأولي، موضحًا أن المادة تمثل إعمال أثر رجعي للقاعدة القانونية التي تضمنها نص المادة الأولى من مشروع القانون المعروض، بحيث يكون على من تم انتخابهم لعضوية مجالس إدارات الهيئات الرياضية من أعضاء الجهات والهيئات القضائية أن يتخلوا عن هذه العضوية، امتثالًا للمادة الأولي، رغم أنهم اكتسبوا حقوقهم فى هذه العضوية فى ظل قاعدة قانونية أتاحت لهم ذلك.
وارتأى القسم، أن إعمال ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن المشرع حيث يقر أثرا رجعيا لقاعدة قانونية يفترض بداهة أن من شأن هذا الأثر الرجعى المساس بحقوق مكتسبة إلا أنه آثر المصلحة العامة للمجتمع على هذه الحقوق التي تم اكتسابها، مما يقتضى بداية أن تكون ثمة مصلحة عامة للمجتمع يمكن إيثارها على هذه الحقوق المكتسبة، وهو ما لا يمكن القول بوجوده حال ما إذا كانت القاعدة القانونية ذاتها التي يُراد سريانها بأثر رجعي يٌثار بشأنها شبهات دستورية، فليس ثمة مصلحة عامة للمجتمع على خلاف ما تضمنته الوثيقة الدستورية التي تضع المنهج العام لجميع سلطات الدولة بما فيها سلطة التشريع.