عادل حمودة يكتب حوارات لم تنشر: أحمد شفيق لن يترشح للرئاسة ولن يعلن ذلك صراحة
■ قال لى بعد سفره إلى الإمارات: خفت على نفسى وعائلتى من الاغتيال لو عدت إلى مصر فى توقيت غير مناسب
■ لا أمارس السياسة فى الغربة وأقضى يومى بين الرياضة فى الجيم والتجول مع حفيدى فى مول التسوق
■ قبل شهر واحد قال لى فى اتصال هاتفى: احتمال ترشحى للرئاسة خمسين خمسين
1- منذ 400 سنة استخدم المصلح الدينى مارتن لوثر المطبعة لأول مرة فى نشر رسالته «تحرير اللاهوت» ونجح بتلك الوسيلة المبتكرة فى إسقاط هيبة وسطوة الكنيسة الأوروبية التى احتكرت سلطتى الدنيا والآخرة معا.
ووجد أودلف هتلر فى الراديو وسيلة مؤثرة فى مخاطبة الشعب الألمانى ونجح فى السيطرة عليه 12 سنة وإن دفعه بجنونه وجنوحه إلى الهاوية.
وأدرك أنور السادات أن التليفزيون أصبح سيد الميديا فلم يفارق كاميراته وصحبها معه فى رحلته الانقلابية إلى إسرائيل لنعيش معه الحدث ونحن فى غرف نومنا وكأننا نشاركه فيه ولم تكن صدفة بعد ذلك أن يقتل أمام الكاميرات.
إن الميديا تتغير وتتطور بمرور الأيام وينجح من يركب الجديد منها مبكرا فى تحقيق ما يريد مسجلا لنفسه سبقا مميزا فى التاريخ.
حقق هذا السبق دونالد ترامب عندما استخدم ببراعة الميديا الأحداث والأخطر.. وسائل التواصل الاجتماعى.. فلم يصبح بتكلفة مالية قليلة رئيسا للولايات المتحدة فقط وإنما وضع الميديا التقليدية من صحف وقنوات عملاقة فى حرج شديد.. وأنذر بتراجع تأثيرها على مر السنين.
وسجلت السوشيال ميديا سبقا من نوع آخر لم يتخيله أحد من قبل.. إعلان استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريرى من منصبه على مواقعها وهو فى الرياض مما هدد بأزمة سياسية حادة فى بلاده كادت تؤدى إلى حرب فى المنطقة.
2- ويبدو.. أن الوسيلة نفسها استهوت أحمد شفيق فأعلن من خلالها واحدا من أخطر قراراته: ترشحه فى الانتخابات الرئاسية القادمة فى فيديو سجلته ابنته «مى» وأرسله إلى وكالة «رويترز».
ولا شك أن هذه الوسيلة منحته فرصة لم يكن ليحصل عليها فى مصر ليبث فيديوهات أخرى ينتقد فيها ما يحدث فى مصر، مؤكدا قدرته فى تجاوزها.
ولكن.. السوشيال ميديا مثلها مثل السم الذى يدخل فى صناعة الدواء.. إذا لم تستخدم جرعاته بحساب فإن الشفاء المتوقع يصبح موتا عاجلا.
3- بثت الجزيرة فيديو له يظهر فيه مضطربا مفتقدا للأناقة التى اشتهر بها ويتحدث فيه عن منعه من مغادرة الإمارات، ففتحت عليه النيران من جميع الجبهات وانهالت عليه كل ما يمكن تصوره وما لا يمكن تصوره من اتهامات.. الغدر بالدولة التى احتضنته وأكرمته.. ارتماؤه فى أحضان قطر.. اللجوء إلى قناة تحرض على قلب نظام الحكم فى مصر.. تحالفه مع الإخوان.. سعيه إلى هدم الدولة المصرية.. وهروبه من مواجهة نظام محمد مرسى.. وخوفه من السجن الذى كان سيخرج منه بطلا لو كان قد دخله فى الوقت المناسب.
ولا شك أن إعلان ترشحه وهو فى الإمارات كان إحراجا لها بسبب علاقتها الاستراتيجية المتينة بمصر وبنشر فيديو الجزيرة الذى تحدث فيه عن منعه من السفر تحول الحرج إلى إنكار للجميل عبر عنه فى تغريداته وزير الدولة للشئون الخارجية أنور قرقاش بعد كل ما تمتع به أحمد شفيق على أرض الإمارات من رعاية وحماية غير مسبوقة.
ولم يوقف تهديد محاميته دينا عدلى حسين بمقاضاة كل من تطاول عليه فى إيقاف الحملات الإعلامية القوية ضده.
ولم يقتنع أحد أن الجزيرة حصلت على الفيديو بهاكرز اخترقوا تليفون ابنته، رغم قسم أحمد شفيق بأغلظ الإيمان أنه لم يتصل بالقناة القطرية.
والقسم صحيح على ما يبدو فهو لم يسلم الفيديو للجزيرة بنفسه وإنما سلمه نيابة عنه غيره.. وغيره حسب معلوماتى هو شخص كان قريبا منه ومن ابنتيه لعدة سنوات أدت إلى الوثوق فيه.. تسلم الفيديو من ابنته مى لبثه فى توقيت ما يحددونه له فيما بعد.. لكنه.. عجل باستخدامه على طريقته.. مسببا حرجا للجميع.. مما يعنى من جهة أخرى فشلا من جانب أحمد شفيق فى إدارة الموقف.. انتهى به إلى اعتذار واضح وعلنى لدولة الإمارات أكثر من مرة مشيرا بكل خير إليها.
بل إنه أعلن فى برنامج وائل الإبراشى: أن مسئولى الإمارات قدموا إلى ابنتيه الكثير بعدما غادرها رغم أنهما لم تطلبا ذلك.
وفى كل الأحوال فإن فيديو الجزيرة كان ضده وأفقده الكثير من التعاطف معه.
والمؤكد أن أحمد شفيق كان يتوقع هذا الهجوم ضده فقد تغيرت الخريطة الإعلامية والسياسية خلال السنوات الخمس التى قضاها خارج مصر.. بل.. إن الهجوم عليه كان سيأخذ نغمات ومبررات أخرى لو لم تبث الجزيرة الفيديو الذى يتكلم فيه.. كما أن الهجوم عليه لم يتوقف فى السنوات الأخيرة، مما دفعه إلى مقاضاة صحفيين وإعلاميين أدينوا فى المحاكم بغرامات مالية لم تؤثر فيهم.
وكان المناسب أن يعلن أحمد شفيق ترشحه للرئاسة من داخل مصر وبوسيلة مباشرة يكون فيها وجها لوجه مع أعضاء حزبه، فالسوشيال ميديا ليست وسيلة مقنعة لغالبية المصريين حتى الآن لغيابهم عنها، وإن ستكون أولى وسائله فى توصيل رسائله وبياناته وأخباره والرد على منتقديه فى وقت أصبحت فيه غالبية الصحف والقنوات تحت تأثيرات أخرى ليست فى صالحه.. إلا قليلا.
4- لقد استقبلت الإمارات أحمد شفيق عبر دبى وعائلته بعد ساعات من إعلان فوز منافسه محمد مرسى بالرئاسة، رغم تشكيكه فى هذا الفوز وكانت حجة السفر تأدية العمرة.
خصصت الإمارات له فيللا رقم (2) فى فندق شينجرلا (أبو ظبى) شديد الفخامة وتطل على مياه الخليج وسددت فواتيره هو وضيوفه ورافقته حراسة خاصة فى تنقلاته ليل نهار بعد توفير السيارات المناسبة له.
وفى تلك الفترة الحرجة من حكم الإخوان توافدت عليه شخصيات سياسية وإعلامية لا حصر لها لكنهم تناقصوا تدريجيا فيما بعد.
كما أجرى فى دبى أحاديث تليفزيونية بالساعات بثت فى القاهرة هاجم فيها حكم الإخوان وكشف أسرار ما جرى فى مصر من ثورة يناير إلى حكم محمد مرسى وركز كثيرا على أنه كان الفائز فى الانتخابات وعلى اتصال الرئيس الأمريكى باراك أوباما به تليفونيا، كما ركز على أنه هو من أقنع مبارك بالتنحى كما اعتبر المشير حسين طنطاوى مسئولا عمَّا وصلت إليه البلاد ولا تزال حواراته على اليوتيوب كما هى.
5- بعد شهور قليلة من وصوله أبوظبى وبالتحديد فى نوفمبر 2012 التقيت به فى فندق سوفتيل أكثر من مرة.
طلبته عصرا فجاء للقائى ليلا فى كافيتريا الفندق التى لم يكن بها سوى طعام خفيف تناولناه معا وفى اليوم التالى تناولنا طعام الغداء فى الفندق نفسه ووقتها سألته:
لم لا تعود إلى مصر وتواجه الإخوان؟
أجاب: إنهم لن يتورعوا عن التنكيل بى وبعائلتى وربما اغتالونى والمؤكد أنهم سيسجنوننى ولو خرجت من قضية سيدخلوننى فى عشر قضايا.
كانت هناك قضايا مفتوحة تتهمه بالفساد رفعها المحامى الإخوانى عصام سلطان بجانب بلاغات أخرى فى النيابة العامة قدمت ضده بعد ثورة يناير.
لكن.. كان رأيى: إنه لو قبض عليه فى المطار عند عودته فإن أنصاره لن يسكتوا وسيجبرون الإخوان على تحريره من القيود ورفعه على الأعناق، فالمصريون مصدومون ومستعدون لفعل أى شىء للتخلص من الكابوس لو وجدوا من يرشدهم ويتقدمهم.
وقلت له: إنك نلت 15 مليون صوت فى الانتخابات الرئاسية ألن تجد نصف مليون منها يخرجون لدعمك؟
والدليل على ذلك المؤتمر الذى عقد فيما بعد فى قندق كونكورد وحضره أعداد كبيرة ومميزة من مؤيديه هاجموا الإخوان وهم فى الحكم علنا وكان على المنصة المحامى الشهير رجائى عطية وكان يمكن أن يتصاعد تأثير المجتمعين يومها لو أن أحمد شفيق كان فى مصر حتى ولو كان سجينا.
لكنه.. على ما يبدو لم يكن ليعتبر نفسه سياسيا.. ليدفع من حريته ثمنا لمواقفه.. واكتفى بأن رصيده فى الخدمة العسكرية والسلطة المدنية يؤهله فقط لأن يكون مديرا ناجحا متميزا ولو فى منصب رئيس الدولة.. وهو ما جعله لا يقدم على مغامرة خطرة.. ولو خرج منها بطلا.
كما أن مشهد مبارك ورجاله بملابس السجن فى قفص المحاكمات دعم قراره بالبقاء بعيدا عن نفس المصير دون أن يتوقع براءة الرئيس الأسبق وتمتعه بحريته من جديد.. ولكن.. تلك البراءة لم تأت إلا بعد سنوات من المعاناة النفسية التى يصعب احتمالها.
6- ويومها سألت أحمد شفيق أيضا: ما الذى تفعله فى يومك؟
أجاب: أقضى ساعات فى الجيم لممارسة الرياضة وآخذ حفيدى إلى المول (مركز التسوق) لنتجول فيه.
ولم أعلق فقد بدا لى أننى أمام رجل يريد أن يستريح فلم نحرمه مما يريد.
ولم تمر سوى فترة قصيرة من الزمن حتى سافر أحمد شفيق إلى ألمانيا لزيارة شقيقه المريض هناك، كما أنه أصيب فيما بعد بفيروس هيربيس فى عينيه.. وبدا واضحا أن الزمن أثر عليه فلم يكن صوته فى الفيديوهات الأخيرة بالقوة التى كان عليها من قبل وهو أمر طبيعى لرجل وصل إلى 77 سنة.
7- ولا شك أنه سعد كثيرا بالتخلص من حكم الإخوان فى 30 يونيو معلنا «حنفعصهم».
وأغلب الظن أنه حاول الاتصال بالمجموعة الرئاسية الجديدة.. لكنه.. لم يلق منها استجابة.. مما أشعره بكثير من المرارة والألم.. فقد كان يعتبر نفسه منتميا لما حدث.. وربما كان مستعدا لمزيد من المشاركة فيه.
وكان من الطبيعى أن يتأثر حزبه (حزب الجبهة الوطنية) لغيابه وسمعت منه انتقادا لشخصيات بالأسماء تدير الحزب.. وتسعى للانفراد به.. لكنه.. لم يفكر فى التخلص منها وهو بعيد عنها خشية أن تطيح به كما أن بعض هذه الشخصيات كانت مسئولة عن ملفاته القضائية.
ورغم ذلك حصل حزبه على خمسة مقاعد فى مجلس النواب.. أصبحت أربعة بعد أن اختير على مصيلحى وزيرا للتموين والتجارة الداخلية.
8- ولمدة أربع سنوات بعد سفره ظل محامو أحمد شفيق يواجهون قضايا الفساد التى اتهم فيها حتى أجهزوا عليها كلها.. بل أكثر من ذلك نجحوا فى يوم 10 يوليو 2016 فى رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول فى المطارات والموانئ.
ومنذ ذلك التاريخ وهو يعلن أكثر من مرة أنه سيعود إلى مصر.. بل كثيرا ما حدد موعد العودة بنفسه أو عبر مساعديه.. لكنه.. لم يعد إلا يوم السبت الماضى.. وهنا يمكن القول: إنه لم يعد.. وإنما أعيد.. فقد اعتبر بعد ما فعل شخصا غير مرغوب فيه فى الإمارات فوضع على طائرة خاصة حملته إلى القاهرة رغم أنه طلب السفر إلى باريس على شركة طيران الاتحادية.. لكن ما دام قد جاء من مصر فليعد إلى مصر.
وحسب ما عرفت فإنه اختار باريس باتفاق مع وكالة رويترز لإعلان ترشحه من هناك منعا لحرج يسببه لدولة الإمارات.. لكن سارعت رويترز بنشر الخبر دون بث الفيديو فارتبكت الحسابات وفتحت الجبهات وبدأ الحديث عن تورطه فى مؤامرات.
9- وبتلك العودة الإجبارية تغيرت خطته المعلنة بالسفر فى جولة خارجية إلى دول غربية وعربية تبدأ بفرنسا لإقناع المصريين فيها بترشحه للرئاسة.
وربما.. كانت البداية فى فرنسا، لأنه درس فيها بعد تخرجه فى الكلية الجوية.. لكنه.. مبرر لا يكفى أن يبدأ بها أو بدولة أخرى غير مصر دعوته للترشح.. وهو أمر ليس مفهوما.. فهل تصور أنه بتلك الجولة سيحظى بحماية دولية من هواجس التعرض له فى مصر؟
ربما.. لكن هذه هواجس تبخرت فور وصوله القاهرة وتركه يتصرف بكامل حريته بما فى ذلك إقامته فى أحد فنادقها الشهير المشيدة فى القاهرة الجديدة حتى ينتهى من تجهيز بيته فى المنطقة نفسها، كما أنه خرج للحديث مع وائل الإبراشى ليسقط بسهولة كل ما نشر خطأ عن اختطافه واحتجازه.
وما يزيد من غموض خطته فى السفر إلى دول عربية وغربية قبل عودته إلى مصر أن المصريين فى الخارج الذين تقدر أعدادهم بالملايين لا يؤثرون فى الانتخابات الرئاسية إلا ببضعة آلاف فكيف يذهب أحمد شفيق إلى الفرع قبل الجذع؟ هل كان فى نيته شىء آخر لا نعلمه؟
10- وما يثير دهشتى أننى تلقيت اتصالا منه قبل نحو الشهر عبر فيه عن استيائه من نشر خبر عن ترشحه على موقع الفجر ووعدته برفع الخبر.. لكنها.. كانت فرصة لسؤاله عن احتمال ترشحه.. وكانت إجابته: خمسين خمسين.. واعتبرت ما ذكر تجسيدا لسياسة عدم النفى وعدم التأكيد التى اتبعها مؤخرا.. لكن.. لم تمر سوى أسابيع قليلة حتى رفع الخمسين إلى مائة فما الذى حدث؟.. ما الذى غير الحسابات؟.. أم أنه كان لا يريد كشف ما استقر عليه بترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة.
وكان كثير من المقربين من أحمد شفيق قد نصحوه بعدم التسرع بإعلان ترشحه إلا بعد أن يعود إلى مصر ويرصد بنفسه التغيرات السياسية والإعلامية والحزبية التى حدثت فيها فى سنوات غيابه وهى تغيرات ليست هينة وتحتاج منه إلى تقدير موقف دقيق قبل أن يقدم على مغامرة الترشح.
ولكنه لم يستجب للنصيحة وأعلن ترشحه قبل عودته إلى مصر وإن ذكر فيما بعد أن ما أعلنه لا يزيد عن نية فى الترشح ستؤكدها أو تنفيها ما سيلمسه فى الشارع بنفسه وما سيعرفه على أرض الواقع وما سيصل إليه بالدراسة المتأنية (حواره مع وائل الإبراشى).
11- وسيحتاج أحمد شفيق للترشح إلى موافقة 20 نائبا فى البرلمان أو 25 ألف توكيل من 15 محافظة حسب المادة (142) من الدستور وأتصور أنها عقبة ليست صعبة، والمؤكد أنه خطط لتجاوزها قبل إعلانه الترشح وإلا لكانت نهايته المبكرة مؤلمة ومؤسفة معا.
وحسنا صرحت الحكومة ممثلة فى وزير خارجيتها سامح شكرى فى روما أمام حضور منتدى المتوسط بأن الترشح للرئاسة من حق أى شخص تتوافر فيه شروط الترشح.
ولكن.. كما هو متوقع بدأت البلاغات ضده قبل أن يهبط مطار القاهرة واعتبر بيانه على الجزيرة نوعا من الخيانة العظمى يجب سحب الجنسية منه عقابا على ذلك.
ولن تتوقف مثل هذه البلاغات التى تقدم ضده وتقدر بمعدل ثلاثة بلاغات يوميا حسب مصادر قضائية.
كما لن يتوقف الهجوم عليه.. وربما لن يجد فرصا سهلة للرد عليه.. أو للحديث عن برنامجه أو دعايته الانتخابية.. إلا قليلا.. وهو لابد أن يكون قد وضع ذلك فى حساباته باحثا عن بديل يصعب توافره للوصول إلى الناخبين.
لكن.. من المؤكد أنه سيحتاج إلى طاقم كبير من المحامين ليرفعوا باسمه قضايا سيصعب حصرها ضد كل من سيعتقد أحمد شفيق أنهم أساءوا إليه وربما كانت البلاغات والبلاغات المضادة نوعا من إنهاكه وتشتيت ذهنه وتدمير طاقته.
على أن الهجوم الذى يناله وسيناله إذا ما تجاوز الحدود بجرعات ثقيلة قد يصبح فى صالحه.. المصريون بحكم طبيعتهم يتعاطفون مع الضحايا.. كما يؤمنون بأن الهجوم السياسى الشرس لا ينال إلا الشخص المؤثر والمثير لقلق السلطة ولو لم يكن كذلك.
كما أن المصريين مشهرون بأنهم كثيرا ما يعلنون من باب الحيطة والحذر غير ما يبطنون فيما يعرف بمبدأ التقية السياسية.
لو لم تكن حسابات أحمد شفيق دقيقة جدا هذه المرة فإن من الأفضل له ألا يترشح، فالتاريخ لا يكرر نفسه طبقا لقاعدة: إنك لن تنزل فى نفس النهر مرتين.
12- لكن.. على الجانب الآخر.. يجب التوقف جيدا عند دخول أحمد شفيق طرفا فى المعادلة.. لنتجاوز ما أثاره فيديو الجزيرة.. فقد أوضح الرجل موقفه منه واعتذر رغم إنكار مسئوليته عنه.. ولندرس ما هى القوى التى يمكن أن تسانده.. ونقدر حجمها وتأثيرها.. ونصيبه المتوقع منها.
أولى هذه القوى جماعة الإخوان وأنصارها.. سيتجهون إليه انتقاما مما حدث لهم ولو لم يلتقوا به أو يتفاوضوا معه.
ولا يجوز التقليل من هذه القوة.. فمازالت خلاياها النائمة مستعدة للتحرك والخروج من تحت الأرض لاستعادة ما فقدت.. كما أنها تستطيع التأثير فى أصوات الناخبين البسطاء بما لديها من مال وما تنطق به من أوهام.
الحسابات الباردة تشير إلى أن الإخوان سيقفون معه ولو لم يتصل بهم أو يتصلوا به بل ودون إعلان تحالف بينهما فالمعركة بينهم وبين النظام القائم ستنتقل إلى صناديق الانتخابات مهما كان المرشح المنافس.
الأمر لا يخص أحمد شفيق المعروف بعدائه لهم وإنما يخص كل من سيترشح ضد الرئيس عبد الفتاح السيسى ولو كان ملحدا كافرا من قريش.
الإخوان سيجدونها فرصة للثأر من النظام الذى كشفهم وأزالهم من السلطة ووجد فى تصرفاتهم جرائم تستحق المحاكمات الجنائية.
وقبل أن يأتى أحمد شفيق إلى القاهرة صرح محمد الديب، عضو حزب الوسط، الذى تحالف مع الإخوان فى انتخابات عام 2012: بأن ترشح الفريق شفيق هو أفضل حل للمشكلات التى تموج بها مصر منذ أربع سنوات.
ولا شك أن ميديا الإخوان فى الخارج (قنوات فى تركيا بجانب الجزيرة وصحف باللغة العربية فى أوروبا وكتائب التواصل الاجتماعى) ستكون فى خدمة أحمد شفيق دون أن يطلب ذلك منها لكنه مبدأ: خصم عدوى صديقى.
ولن يتردد الإخوان بالقطع فى استغلال معاناة الناس بسبب برنامج الإصلاح الاقتصادى وخفض قيمة الجنيه وزيادة التضخم.. لكن.. ذلك سيحدث سواء رشح أحمد شفيق نفسه أم جاء الترشيح من غيره.. مثل محمد أنور السادات الذى بدأ من الآن فى جمع التوكيلات المطلوبة للترشح.
ولو أصر أحمد شفيق على الترشح فإن عليه أن يعلن بوضوح أن موقفه من الإخوان الذين هددوا حياته وأجبروه على الخروج من مصر لم يتغير.. عليه أن يعلن ذلك ولو أدى إعلانه إلى انقلابهم عليه وكراهيتهم له وتصويتهم ضده.. فضميره الوطنى أغلى من منصب الرئيس خاصة أن الإخوان لن يساندوه ما لم يتفق معهم صراحة على صفقة سياسية سيستفيدون منها ربما أكثر مما سيستفيد هو شخصيا.
13- وبالحسابات الباردة أيضا: هناك خمسة أجيال شابة أصبح من حقها التصويت فى الانتخابات بمجرد أن أصبح عمرها 18 سنة وهى قوة لا يلتفت إليها أحد ولا يحسب اتجاهاتها أحد.
شباب صغير ربما لم يتجاوز المرحلة الثانوية أو الجامعية وجد بين يديه بطاقة تصويت تعطيه الحق فى تقرير مصير بلاده دون أن يعرف بحكم صغر السن من هو الأفضل لتولى الرئاسة أربع سنوات قادمة.. ودون أن ينتبه أحد لوجودهم.. أو يفكر فى التعامل معهم.
وهناك أيضا تيارات المعارضة التى همشت وأبعدت عن المشاركة فى الحياة السياسية بعد أن ساندت ثورة يونيو وكأن دورها انتهى.
يضاف إلى ذلك جماعات المصالح المالية التى تراجعت مكاسبها وفقدت كثيرًا، من نفوذها وتأثيرها.
وأغلب الظن أن تلك القوى لن تكشف عن نفسها بالاقتراب العلنى من أحمد شفيق حتى تطمئن إلى فوزه وحتى لا تضار إذا ما خسر.. لكنها.. ستنشط سرا فى الترويج له.. ولو لم يطلب منها ذلك.
14- ولا شك أن أحمد شفيق يشعر بمرارة نفسية حادة لما تعرض إليه من مضايقات قانونية وإعلامية خاصة أنه يجد فى نفسه شخصا متميزا نجح فى المهام التى كلف بها (قيادة القوات الجوية وزارة الطيران المدنى وإقناع مبارك بالتنحى ومنافسته بقوة فى الانتخابات الرئاسية أمام مرشح الإخوان إلى حد القول بأنه كان الفائز وليس محمد مرسى ويوحى البعض بأن هذه الحقيقة موجودة فى تحقيقات رسمية لم تعلن حتى الآن).
هل رد اعتباره ومنحه ما يستحق من تقدير يجعله جزءا من النظام القائم ومشاركا فيه دون منافسة أو معركة انتخابية؟
أتصور ذلك.. فلو تعاملوا معه بتقدير واحترام ومنحوه فرصة لخدمة بلاده فى أغراض تنموية فإننى أعتقد أنه سيتراجع عن ترشحه، وذلك حفاظا على وحدة المؤسسة التى ينتمى إليها كما أنه لن يعرض البلاد إلى خطر فتح ثغرات فى الجبهة الوطنية يتسلل منه خصومها وأعداؤها.