د . رشا سمير تكتب : الحب فى زمن الاخوان

مقالات الرأي

د . رشا سمير تكتب
د . رشا سمير تكتب : الحب فى زمن الاخوان

وصل الإنسان إلى القمر لأنه آمن بفكرة الحياة فوق سطحه.. وتوصل إخناتون إلى عقيدة الوحدانية لأنه اعتقد فى وجود الإله الواحد.. وقضى مارتن لوثر كينج على العبودية لأنه دافع عن حرية الزنوج فى وطن قهرته العنصرية.. واستطاع نلسون مانديلا أن يحتضن بلاده بالمُصالحة الوطنية لأنه أيقن أن الحب هو طوق النجاة.. وانتصر الشعب الفرنسى لثورته ضد الفقر والظلم لأنه اعتنق مبدأ التحرير ولم يتردد فى ذرف الدماء من أجل العدالة الاجتماعية..

إذن فاليقين والإيمان هما وجهان لعملة واحدة، هى الحب.. فأنت حين تُحب تصبح قادراً على التغيير وقادراً على تحويل مسار حياتك وحياة الآخرين.. بالحب قويت أمم وبالكُره عجزت أمم.. فالحب هو قلب السلام، والحرب هى نبض الكراهية..

ومهما تبدلت الأزمان وتبددت العقائد.. سيبقى الحب هو الوطن والحضن والآمان.. وسيبقى العشق هو الرسالة والأمل والحياة..

لا أدرى كم من العشاق وقعوا فى حب مصر.. ولا أدرى كم من المستعمرين ركعوا أمام جمالها الأخاذ.. ولا أدرى كم من الشعراء كتبوا فيها الشعر.. ولا أدرى كم من جيوش تقهقرت أمام سحر تاريخها العظيم.. ولكن تبقى الحقيقة الوحيدة الأكيدة وهى أن كل من أحبوا مصر دفعوها للأمام وكل من خذلوها جذبوها للخلف..

نحن اليوم فى زمن اختزلنا فيه كل المشاعر الإنسانية من حُب واحتواء وأمل وحنان إلى كلمتين فقط هما الحلال والحرام!.. فلم يعد للحب وجود فى قلوب سكنها اليأس ومن ثم لم نعد قادرين على بث الحب أو استقباله عبر موجات نفوسا ماتت فيها المشاعر، واندفن الأمل بمقابر شهداء الإرهاب على أرضها..

اليوم هو عيد الحب فى أوروبا.. العيد الذى لا يمت بصلة لشرقيتنا ولا لعروبتنا.. لكنه ذو صلة وطيدة بمشاعرنا الإنسانية.. ولأنه يوم واحد يقف على عتبة كل عام مُنفردا، فيجب أن نتوقف عنده قليلا لنتساءل، متى نكُف عن صراع الغابات ونخرج من طاحونة الحياة لنبحث عن أشخاص أحبونا أو أشخاص أحببناهم؟.. نبحث عنهم بكل صدق لنهديهم زهرة تحمل عبيرها فوق أفنانها، وتُفصح أوراقها عن دقات قلوبنا..

إنه يومٌ نبحث فيه عن الحب لنهديه لأزواجنا وأبنائنا وذوينا.. فى رحلة الحياة الشاقة نحتاج أحيانا إلى مرسى لنهدأ على ضفافه أو واحة لنرتاح بين أحضانها..

لكن وبكل أسف تم اختزال اليوم فى حُرمانية الفكرة وكون عيد الحُب احتفالاً تعود أصوله إلى المسيحية فى أوروبا.. وكأن قدرتنا على الفرح والعطاء ماتت يوم سجناها فى قباء الجهل.. ويوم مات فى قلوبنا الإبداع وحلت محله الكراهية وضيق الأفق..

إن النساء اللاتى تم التحرش بهن فى ميدان التحرير نساء أحببن هذا الوطن من قلوبهن، ولم يعد التحرش بأجسادهن سوى ثمن رخيص قررن دفعه لإنقاذ الوطن من الاغتصاب.. وأصبح متحرشوهن طيورا للظلام سكن العفن نفوسهم فباتوا يحصدون رءوس الحريات بمناجل الظلم والإرهاب..

إن مجلس شورى الإخوان الذى حَملَ الفتيات مسئولية التحرش بهن، وطالبهن بعدم النزول إلى الميدان الذى وصفوه بالدعارة.. مجلس شورى باطل تم انتخابه بأقلية مُجحفة، وخرج من تحت عباءة جماعة لا تحمل سوى الكراهية والخداع بين ضلوعها..

الأدهى أنه فى دعوة أغرب من الخيال قام بها نائب رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، دعا المصريين إلى تغير مفاهيمهم بالنسبة إلى المخالفات التى تسيء إلى شريعة الإسلام.. مؤكدا أن عيد الحب يُعد بمثابة الافتراء على مفهوم الحب الشرعى الوارد فى الإسلام بين الأسرة الإسلامية بمفهوميها الكبير والصغير، والحب الحلال بين الرجل وزوجته، وعلى المسئولين فى البرلمان المصرى مناقشة قضية الموارد المستنزفة على سلع استفزازية، ومن بينها السلع التى يتم استيرادها فى أعياد الباطل التى يطلق عليها تجاوزا عيد الحب! رغم أن الله تعالى لم يشرع للمسلمين سوى عيدى الفطر والأضحى، أما عيد الحب فيمثل احتفالا بهلاك أحد عشاق الرذيلة!..

سيدى.. إن محمدا عليه الصلاة والسلام كان رجلا باسما هادئا يحب زوجاته ويداعبهن، ويلهو مع أحفاده ويتشاور مع صحابته دون تعصب ولا ديكتاتورية، فنجح فى نشر دعوته بالحب وأصبحت رسالته السماحة والبناء.. فأين أنتم من كل هذا؟

لقد تمزقت مصر اليوم بين أحضان فئات عديدة من البشر.. رئيس قرر الصمت.. ورئيس وزراء أدار ظهره للأحداث.. وجماعة قررت الانتقام.. وجبهة إنقاذ فى ملكوت آخر.. وشعب قتله الجهل فنزع من بين ضلوعه الانتماء.. وشباب حائر يبحث عن هوية..

لو كان للحب عُرس.. لأصبح للكره ألف مأتم.. ولو كان الحب ضمير للشعوب فاسمحوا لى اليوم أن أدعوكم لإفساح مكان فى قلوبكم لبعض من الحُب وشىء من الضمير.. عسى أن تنتقل عدوى الحب إلى الوطن.. فتُنقذه..

وكل عيد حب وأنتم بخير رغم أنف الكارهين!!.