مى سمير تكتب: البنوك تفشل فى كشف تمويل الإرهاب
الإرهابيون يقومون بصرف مبالغ صغيرة لا تثير الشك
■ أنظمة مكافحة غسيل الأموال لم تعد تصلح لتتبع أموال الإرهابيين
■ جماعات الإرهاب تلجأ إلى شركات أمريكا اللاتينية لغسيل أموالها
■ استخدام أنظمة ذكاء صناعى وفرق «سوات» لمحاولة تتبع أموال التنظيمات الإرهابية
من الأمور التى تجعل من الصعب جداً محاربة تنظيم داعش، أن هذه الشبكة الإرهابية منتشرة ومتناثرة، مع خلايا صغيرة من الناشطين فى جميع أنحاء العالم، ما يجعل من الصعب على أجهزة إنفاذ القانون التنبؤ بالمكان الذى سيضرب فيه التنظيم الإرهابى فى المستقبل، والأخطر أنه يعقد بشكل لا يصدق تعقب نشاط داعش على الإنترنت، خصوصاً العمليات المصرفية.
بهذه المقدمة افتتح موقع «ويرد» الإلكترونى، تقريره حول الدور الذى يمكن أن تلعبه البنوك فى مكافحة الإرهاب، حيث كان بيتر نيومان، أستاذ الدراسات الأمنية فى قسم دراسات الحرب بكلية كينجز فى لندن، قال: «الحرب على تمويل الإرهاب فشلت»، مشيراً فى تقرير نشرته مجلة فورين أفايرز فى عددها الأخير إلى أنه بعد أكثر من 15 سنة من هجمات 11 سبتمبر، فشل العالم فى التصدى لتمويل التنظيمات الإرهابية مؤكداً أنه رغم الجهود المبذولة فإنه لا يوجد دليل على أنها أحبطت أى عملية إرهابية.
وحسب الموقع، استخدمت البنوك منذ فترة طويلة أنظمة مكافحة غسيل الأموال، للإبلاغ عن أى نشاط مشبوه، وفى أعقاب 11 سبتمبر، تحولت تلك الأدوات القديمة إلى نفس الأداة المستخدمة من أجل رصد وتعقب المعاملات المتعلقة بالإرهاب، ولكن هذه الأدوات القديمة لا ترقى إلى مستوى العمل، حيث تعتمد على قواعد مشفرة.
وإذا رصد نظام البنك انتقال مبلغ مكون من سبعة أرقام من ميامى إلى بوجوتا، على سبيل المثال، فإنه يدرك أن هذه العملية تثير الريبة، ولكن مع قيام جماعات إرهابية مثل داعش بتجنيد أشخاص على الصعيد الدولى لهجمات أصغر بأموال قليلة لا تلفت الانتباه، تصبح تلك الأدوات أقل فعالية بكثير، هناك فقط كثير من القواعد والإمكانات التى تحتاج إعادة النظر.
يقول دان ستيت، الذى قضى 20 عاماً فى تعقب الجرائم المالية: «لا يستغرق الأمر كثيراً من أجل البقاء فى بيت فى بلجيكا فى انتظار الانتقال إلى مكان آخر، وبالتالى فإن نمط المعاملات الصغيرة التى يقوم بها إرهابى يختبئ فى مكان مؤقت، قد لا تثير إشارات حمراء لأنظمة مكافحة غسيل الأموال المعتادة».
1- استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعى
تتجه البنوك بصورة متزايدة إلى الذكاء الاصطناعى لتخليص كميات هائلة من البيانات المصرفية وإيجاد حالات مثيرة للشك فى الحسابات والمعاملات، وحسب ستيت، الذى يعمل حالياً مديراً لتحليل الجرائم المالية لشركة «كوينتافيرز» التى تتخذ من ولاية بنسلفانيا مقراً لها: «إنها طريقة جراحية لإيجاد إبرة فى كومة قش».
وطورت هذه الشركة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى التى تستخدمها مع أكبر البنوك فى العالم من أجل تتبع عمليات غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، والجرائم المالية الأخرى، وساعدت التكنولوجيا بالفعل على تحديد رجل بنمى يعد واحداً من أشهر المتورطين فى عمليات غسيل أموال المخدرات فى العالم.
2- البنوك يجب أن تساعد فى العثور على المجرمين
وكشف مسح أجراه داو جونز، مؤخرا لأكثر من 800 متخصص فى مكافحة غسيل الأموال أن ما يقرب من نصفهم قالوا إن التنبيهات الكاذبة تضر بثقتهم فى دقة عملية الفرز.
ومع ذلك، فإن البنوك تستثمر مليارات الدولارات فى هذه الأنظمة كل عام، وذلك من أجل الامتثال للحكومات، ويقول ديفيد مكلولين، الذى أسس كوانتافيرز فى عام 2014: «رغم هذه المليارات من الدولارات وكثير من الأفراد الذين يحاولون التصدى لهذه الجرائم فإن جزءاً كبيراً من تلك التحذيرات لا تسفر عن جرائم مالية.. والمؤسف أنه فى نفس الوقت لا يلاحظ أحد الجرائم الحقيقية».
والتحدى، بالنسبة للمصارف التى تتطلع إلى وقف تدفق الأموال إلى الإرهابيين الأجانب، هو أن هناك تبادلاً محتملا لا حصر له للمعاملات، وقد يسعى إرهابى عضو فى داعش إلى الحصول على 80 دولاراً من جهاز الصراف الآلى فى بروكسل، والحصول على حوالة مصرفية فى الجزائر، بجانب استخدام بطاقة ائتمان فى لبنان، ويجوز له الحصول على قرض يوم الدفع وتحويل الأموال إلى الأسرة.
بمفردها، لا تثير هذه الأنشطة الإضافية، الشكوك، ولكن مجتمعة، فإنها تخلق نمطاً يثير الريبة، وحسب ستيت فإن أى محقق سيذهب للمعاملة الضخمة وليس لتلك المعاملات الصغيرة غير الملفتة، بمعنى أن عملية تحويل مليون دولار إلى المكسيك تثير الشك أكثر من سحب الإرهابى لـ80 دولاراً فى بروكسل.
3- التعرف على الأنماط
على عكس من هذا النظام التقليدى، يتعلم نظام الرصد الذى تطبقه شركة مثل كوانتافيرز هذه التنبؤات من تلقاء نفسه، وقام فريق من علماء البيانات فى الشركة بتدريب خوارزمياتها على بيانات لعدة سنوات من واحد من أكبر خمسة بنوك فى العالم، والذى يحظر على الشركة الكشف عن اسمه بشكل علنى، ومع مدخلات ستيت، قام الفريق بتدريب النظام فيما يبدو على السلوك الجيد والسيئ بحيث يمكن للنظام البدء فى التعلم والتعرف على هذا السلوك دون إشراف الإنسان.
ويقول ستيت إن هذه البرامج تستند إلى مجموعة من العوامل، بما فى ذلك كيف تتحرك الأموال بسرعة، من أين تتحرك، وكم يتم نقلها؟ كما أنها تبحث أيضا عن أدلة مثل عدم الانتظام فى تسلسل عدد الفواتير، وإذا كانت جماعة إجرامية تتطلع إلى غسيل الأموال، فإنها قد تزور فواتير لكى تعطى انطباعاً بأن هناك معاملة مشروعة وذلك للقضاء على أى شك بأن هذه الأموال جاءت من صفقة مخدرات أو بيع أسلحة غير شرعية، وهذه الفواتير تأتى مع أرقام الهوية الخاصة بهم، وحسب ستيت: «كثيرا ما ينسى الناس الأرقام التى استخدموها، ولكن تكنولوجيا كوانتافيرز يمكن أن تكتشف الازدواجية والأخطاء فى النظام.
كما هناك برامج تستخدم من أجل رصد تاريخ الحساب المالى لتحليل العلاقات الموجودة مسبقاً لديه مع حسابات أخرى، ويوضح ستيت أن النظام قد يشكك فى صفقة مفاجئة بين شركة للأسمدة ودائرة مكافحة الحرائق إذا لم تشهد كثيراً من هذه المعاملات فى الماضى.
وكانت كل هذه البرامج مفتاحا لتحديد حلقة الاتجار بالمخدرات فى بنما التى تستغل شركة تدعى «مجموعة ويزا»، وهى شركة قابضة تدير مخازن معفاة من الرسوم الجمركية فى مطارات أمريكا اللاتينية، وحددت كوانتافيرز سلسلة لكميات كبيرة من الفواتير، يجرى تمريرها ذهاباً وإياباً بين الشركات التى لديها نفس المالك. ويقول ستيت أيضاً: «عندما تكون لديك كيانات يملكها الشخص نفسه ترسل الأموال ذهاباً وإياباً بمليارات الدولارات فإن الأمر فى تلك الحالة غير طبيعى».
وحسب ستيت، فإن هذه القضية الشهيرة كشفت أيضاً عن تورط هذه الشركة البنمية «مجموعة ويزا» فى عمليات غسيل أموال لتنظيمات إرهابية، على رأسها حزب الله.
يذكر أن شركة كوانتافيرز أبلغت الحكومة الأمريكية بتورط «مجموعة ويزا» فى عمليات غسيل الأموال، وبعد ذلك بعام، أعلنت السلطات الأمريكية أن نضال واكد، أحد مالكى «مجموعة ويزا»، تم القبض عليه فى مطار بوجوتا بتهمة غسيل الأموال، والجدير بالذكر أن شركات الأوف شور فى أمريكا اللاتينية تلعب دوراً كبيراً فى غسيل أموال التنظيمات الإرهابية.
4- خطوات بنكية ضرورية
على ناحية أخرى، نشر موقع أكامس توادى، المتخصص فى قضايا غسيل الأموال، تحقيق حول أهم الإجراءات التى يجب أن تتخذها البنوك والمؤسسات المالية من أجل المساهمة فى التصدى لتمويل التنظيمات الإرهابية ورصد عمليات غسيل الأموال التابعة لهذه التنظيمات.
وحسب الموقع، من المستبعد جداً أن يتم التعرف على المتطرفين العنيفين المحليين، وبدرجة أقل الإرهابيين الأجانب، من خلال مراقبة المعاملات أو تحذيرات مكافحة غسيل الأموال العادية، ومن المرجح أن ينطوى النشاط المصرفى الذى يشمل الإرهابيين على أعمال مشروعة أو جرائم صغيرة يمكن تفسيرها بعيداً عن عالم الإرهاب، وفى معظم الحالات، لم تنجح المؤسسات المالية فى تحديد عميل لها كإرهابى إلا بعد وقوعه.
يضيف الموقع إنه بعد وقوع عمل إرهابى ضخم، تقوم المؤسسات المالية عادة بمراجعة الأسماء المحددة لمرتكبى الحادثة من خلال أنظمتها، وفى حالة وقوع حالة تطابق تتخذ المؤسسات المالية الإجراءات المناسبة، أهمها إخطار جهات إنفاذ القانون على الفور، وهذه هى آلية رد الفعل التى تعد وسيلة قيمة لإنفاذ القانون. ويمكن، بل ينبغى، تعزيز هذه العملية، وينبغى للمؤسسات المالية أن تنظر فى اعتماد مفهوم فريق العمل الخاص بالأسلحة والتكتيكات أو فريق سوات، ويستخدم تعبير فريق سوات، للإشارة إلى مجموعة من ضباط الشرطة المدربين تدريباً عالياً والذين يتعاملون مع المجرمين بالغى الخطورة.
حيث شكلت إدارة شرطة لوس أنجلوس لأول مرة فريق سوات فى عام 1967، واليوم، معظم وكالات إنفاذ القانون فى الولايات المتحدة ودولياً لديها فرق سوات، التى تنتشر بانتظام للتعامل مع حالات المواجهة الإجرامية البالغة الخطورة والعنف، ويتلقى أعضاء الفريق تدريباً متخصصاً ومكثفاً للتعامل مع المواقف الصعبة التى يواجهونها.
وعلى غرار مفهوم فريق سوات، ينبغى للمؤسسات المالية تشكيل فرق الاستجابة الاستراتيجية والتكتيكية للتعامل مع قضايا تمويل التنظيمات الإرهابية.
وينبغى أن يتألف فريق السوات البنكى، من المحققين والمحللين المدربين تدريباً خاصاً كما يجب أن تشمل مسئوليات الفريق البنكى على تدريب منتظم ومتخصص بشأن الإرهاب وتمويل الإرهاب والحالات الأخرى التى تعتبرها المؤسسة المالية حالات استجابة للطوارئ، بجانب إجراء تحقيقات عاجلة فى أعقاب أى حدث عنيف.