بعد عامًا من التعويم.. بيوت الفقراء خاوية من "حلاوة المولد" (صور)
يتجهون
صوب المحال والشوادر المزينة في الشوارع، أملاً بأنهم يستطيعون شراء حلوى مولد النبي،
لسعادة أطفالهم، ولقتل شعور الحرمان بداخلهم، لكنه على ما يبدو أنهم حالمون لأن الحلوى
مثلها كباقي السلع لم تسلم هي الأخرى من الارتفاع اللافت في أسعارها مقارنه بالعام
الماضي.
في ظل احتفال المسلمين بالمولد النبوي الشريف، ظل الحاج أحمد الصعيدي، يبحث عن عروسة المولد بحجم صغير تتناسب مع ظروفه المادية، لارضاء ابنته "رنا" الصغرى، لكن رجع بخفي حنين، عقب ملامسة الكثير من العرائس، والتطلع إلى أسعارها التي تخطت المائة وخمسون جنبه، معبرًا عن غضبه الشديد من الحال التي آلت عليه ظروف الكثير من الأسر: "أجيب منين بس علشان اشتري الفرحة لبنتي، بقالي يومين بلف كل الشوادر في أماكن الغلابة ومفيش عروسة رخيصة.. دهأكل عروسة أغلى من كيلو اللحمة.. يعني لا عارفين ناكل ولا عارفين نسعد ولادنا.. البنت بقالها كام يوم بتعيط وبتزن نفسها في عروسة زي اصحابها اللي بتشوف في إيدهم عروسة حلاوة".
وهنا، تزينت المحال التجاريه بالحلوى، وعلي رأسها السمسميه والحمصية والجوزية
والبسيمة والفولية والملبن، إلا أنها لم تتزين بعد بالاقبال الجارف علي شرائها كعاده
المواطنين كل عام، والتي كان من أبرز اسبابها زيادة أسعار المواد الخام مثل السكر والبندق
والمكسرات؛ بسبب القفزات الجنونيه في الدولار امام الجنيه.
يقبع
داخل كرسيه المتحرك، تحيطه كميات من التسالي، وعبوات المناديل الورقية والأقلام، يتجول
يمينًا ويسارًا بين المارة، "كعب داير" جملة تلخص معاناة أبو الفتوح محمدين،
أحد الباعة الجائلين بمنطقة رمسيس، والقاطن بغرفة قديمة بشبرا الخيمة، مقابل ايجار
300 جنيه، وبالرغم من ذلك يبتسم وجهه دائمًا راضيًا بما قسم الرحمن له، قائلاً: "الحمد على كل حال.. أنا بكسب قوت
يومي بدل ما اشحت في الشوارع".
لا يختلف
حال محمد عبد الرازق، بائع حمص الشام، كثيرًا عن سابقيه، للوهلة الأولى يظن البعض لاسيما
في فصل الشتاء أن حالة البيع لديه منتعشة، وسوف يتعايش مع ارتفاع المعيشة، لكن الحقيقة
أن دخله اليوم لايكفي سوى قوت يومه، ولا يستطع توفير ايجار سكنه الكائن في حي الساحل
في شبرا، قائلاً: "مكسبي يوم حلو ويوم عادي.. ومش هنكر دلوقتي الحال أحسن لكن
ما بيكفيش لا أكل ولاشرب وعلاج وايجار.. الشهر بينتهي وبستلف ثمن ايجار العشة اللي
أنا فيها أنا وولادي.. احنا عايشين أفقر من العشوائيات.. ومنسين بس لنا ربنا".
ويرى
عبد الرازق، أن شراء حلاوة المولد النبوي ليست من حق الفقراء، فهي نعم للأغنياء فقط:
"حلاوة المولد أخرنا نتفرج عليها بس.. احنا بناكل طقة واحده والتانية يوم اه والتاني
مفيش.. وعيالنا خلاص اتعودوا ان دي عادة لناس ناس زي حاجات كتير.. وأهو راضين وعايشين
والسلام".
ووسط
ضجيج زحمة السيارات والمارة، تجلس هنية الرفاعي، على أحد الأرصفة بمنطقة الدقي وأمامها
كرتونة ورقية، تحت عمود كهربائي، تمر ساعات دون أن تبيع كثيرًا، وتظل فرشتها كما هي
ما بين الحين والأخر، ومع نهاية كل يوم، تراودها مخاوف من استمرار الحال كما هو:
"ماليش مصدر رزق تاني، هاعمل إيه؟".
فباتت
سيدة عجوز ستينية، ولم يتغير حالها، حتى مرضها يزيد يومًا بعد يوم، لاسيما في الجلوس
أوقاتًا كثيرة تحت مظلتها، معتبرة المولد النبوي بالنسبة لها كانت عادة وانتهت مع تطبيق
قرار التعويم، التي تسبب في ارتفاع السلع، قائلة:" الحلاوة دي كنا بنشتريها زمان..
كان الواحد مضطر يشتري ولو كيلو السنة دي محدش عارف يشتري حاجة.. وأهو يمكن حد يحن
علينا بيها أكتر من كده مش هنشري ولا هنبصلها حتى وكل واحد على قد حاله".
أما
عفاف السيد.. التي اتخذت من الرصيف مقعدًا، وتعمل بائعة "ذرة ، لسد رمق أسرتها
التي تتكون من سبع أفراد، ترى أنها لابد من شراء حلوى المولد النبوي لأبنائها، فهي
اعتادات كل عامًا على ذلك العادة التي تربت عليها منذ الصغر، قائلة: "مضطرة اشتري
حتى ولو علبة صغيرة أفرح بها العيال.. بس طبعا من الرخيصة وأهو يوم ويعدي".
وتُجدر
الإشارة إلى أن مبيعات العام الجاري من حلوى المولد النبوي، تراجعت بسبب ضعف القوة
الشرائية للمواطنين في ظل ارتفاع معدل التضخم، وارتفاع كافة أسعار السلع الغذائية وغير
الغذائية، نتيجة قرار تعويم الجنيه، حيث ارتفعت أسعار حلوى المولد النبوي الشريف خلال
الموسم الحالي بنسبة تتراوح بين ١٠ إلى ١٥%، مقارنة بأسعار العام الماضي-بحسب ما كشف
كشف صلاح العبد، رئيس شعبة الحلويات بغرفة القاهرة التجارية-.