منال لاشين تكتب: الحكومة تكذب وتتجمل
خطة للاستغناء عن أصحاب 18 مهنة داخل الحكومة والمحليات تؤدى للتخلص من مليون موظف
■ سر «ض. ج» التى تستغلها الدولة فى تسريح 2 مليون من الموظفين دون الرجوع للقضاء
التعيينات الجديدة برواتب القطاع الخاص لخريجى الجامعة الأمريكية وأرقى التخصصات
الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة حصانة من عدم الفصل
لا أذكر موقفا ضبطت فيه الحكومة متورطة فى قول الصدق، ممكن الحكومة تتجمل وتقول نصف الحقيقة أو بعضا من الحقائق، ولكن فى قضية مستقبل الموظفين فإن الحكومة لا تتجمل بل تكذب، وذلك على اعتبار أن الكذب السياسى حلال حلال، فالحكومة تطل علينا من حين إلى آخر وتؤكد أنها لن ولم تفصل موظفاً بسبب قانون الخدمة المدنية أو أى قانون آخر بحسب كلام الحكومة فإن فصل أى موظف سيكون بحكم قضائى، ولكن فى السر أو الظلام وفى تخطيطها للمستقبل القريب جدا، فإن الحكومة تتجاهل نحو نصف الموظفين الذين لم ولن يذهبوا إلى مستقبل «الميرى» الجديد، وبحجج وأسباب وطرق مختلفة، ولكن كل هذه الطرق ستؤدى إلى التخلص من نصف موظفى الحكومة، ومن خلال طرق مهنية وبعيدا عن المعاش المبكر الذى لا تستطيع الحكومة أن تجبر الموظف عليه.
ولكنها تستطيع من خلال قانون الخدمة المدنية أن تجعل حياة الموظف جحيما فيرى نفسه فى حضن المعاش المبكر، وإذا تحمل الموظف هذا الجحيم فهناك خطط قانونية لفصله من الحكومة والتخلص من أعبائه، حتى المعاش لم يستطع أن يحصل عليه.
المثير أن الحكومة تخطط للتخلص من نسبة كبيرة من الموظفين ليس لمجرد تخفيض عدد الموظفين فقط، ولكن لإفساح الطريق أمام موظفين جدد من نوعية جديدة ورواتب كبرى تنافس القطاع الخاص. باختصار نحن لسنا أمام تخفيض فى عدد الموظفين أو عمل رجيم حاد للحكومة، ولكننا أمام إعادة هيكلة أو إحلال وتجديد، ولذلك فإن الحكومة لا تستطيع إخفاء الأمر طويلا، وحكاية إصرارها على النفى مثيرة للتعجب، لأن القواعد الجديدة أو الخطة الجديدة للتخلص من نصف الموظفين ستطبق إن آجلا أو عاجلا فى مصر، فالنفى هنا يعقد الأمور بينما مناقشة الأمر قد يؤدى إلى تصحيح التشوهات فى خطة الحكومة وإنقاذ ملايين البيوت المفتوحة من الخراب.
1- التشريد بالمهن
كان لوزير المالية السابق يوسف بطرس غالى رأى فى تخفيض عدد الموظفين، وقد بدأ بالفعل بالصيارفة الذين يتولون صرف الرواتب للموظفين. بحسب خطة غالى فإن التحول إلى الصرف من خلال البطاقات البنكية يوفر 2 مليار جنيه للدولة ونحو 300 ألف موظف، والحكومة فى طريقها للتحول الكامل لصرف الرواتب عبر البنوك، والتخلص تماما من الصراف التقليدى.
ويبدو أن خطة غالى أوحت للوزراء والمسئولين فى حكومة شريف اسماعيل بالخطة الجديدة، وهى ترشيد أعداد الموظفين من خلال حذف مهن بأكملها والتخلص من أصحاب هذه المهن، وقد أحصيت نحو 18 مهنة لم تحتجها الحكومة بعد الآن أو بالأحرى بعد بدء تطبيق النظام الجديد.كل المهن الحرفية لم تعد الحكومة فى حاجة لها.النجار والكهربائى واخصائى التكييف والسباك والسواق وكل هذه المهن لم تعد مطلوبة بالحكومة، والحجة أن الحكومة ممكن تستعين بالقطاع الخاص فى هذه الخدمات، ومن المهن الأخرى المعرضة للاندثار فى الحكومة عامل البوفيه أو العاملون بالبوفيه. مرة أخرى الحكومة تميل إلى الاستعانة بالشركات الخاصة لتوريد الخدمات المعاونة، وبالطبع الحراسة ستكون شركات قطاع خاص، وهذه المهن يشغلها أكثر من مليون موظف فى مصر، مليون أسرة معرضة للتشرد بسبب خطة جهنمية للحكومة أو بعض المسئولين بها. المتحمسون لهذه الفكرة أو لخراب البيوت يبررون حماسهم بتخفيض عدد موظفى الدولة ونقل عبء هؤلاء الموظفين عن كاهل الحكومة. سوف تسمع بعضهم يقول إيه علاقة الحكومة بإصلاح الكراسى أو تصليح التكييفات والكهرباء أو سواقة العربية. لنتخلص من كل هؤلاء وعندما نحتاج إلى أى مهنة من هؤلاء نستعين بالشركات الخاصة لتوريدهم، وأنا لم أتحدث عن حقوق هؤلاء الموظفين الدستورية ولا حق أبنائهم وأسرهم فى الحياة، ولكننى سأتناول الجانب الاقتصادى فى الفكرة الحكومية أو نظامها الجديد، فإذا كان لدى الحكومة فائض من الموظفين فى هذه المهن فلماذا لا نتخذ قرارا عكسيا ونستفيد من هذه العمالة، وذاك من خلال تشكيل شركات حكومية للخدمات وتقديم هذه الخدمات للغير بمقابل مالى، وبذلك تستفيد الحكومة ماليا من العمالة الزائدة لديها، ونحول هذه العمالة إلى مصدر دخل للجهاز الإدارى للدولة، وفى نفس الوقت لا تتكلف الحكومة أموالا فى التعاقد مع الشركات الخاصة لتقدم لها هذه الخدمات، فى الحقيقة أن الحكومة تفكر فى اتجاه واحد وهو التخلص من أكبر عدد من الموظفين.
2- طريق «ض. ج»
أول إشارة عن تخفيض عدد موظفى الحكومة وردت بشكل غير مباشر فى خطة 20 /30، فمن بين أهداف الخطة النزول أو الوصول بمعدلات نسبة موظفى الحكومة للسكان إلى المستوى الدولى، وهو الأمر الذى يتطلب خفض عدد موظفى الدولة، وفى ذلك الحين سألت وزير التخطيط السابق الدكتور أشرف العربى عن الطريقة، فأجاب بدبلوماسية المعاش وحاجات تانية، وعدد المحالين للمعاش كل عام يترواح ما بين 180 ألف موظف إلى 200 ألف موظف، إذا الحكومة ستعتمد على المعاش فقط لتخفيض عدد موظفى الحكومة، فهذا يؤدى إلى تخفيض مليون موظف فى خمس أو ست سنوات، ولكن الحقيقة أن هناك طرقاً اخرى غير الإحالة على المعاش أو حتى المعاش المبكر للتخلص من موظفى الدولة، وهذه الطرق تسللت للنظام الميرى من خلال قانون الخدمة المدنية الجديد.
فالحكومة كانت قبل هذا القانون لا تستطيع فصل أى موظف إلا باللجوء للقضاء، وعملية فصل الموظف لسوء أدائه للوظيفة صعبة جدا، ولذلك كان يجب ايجاد طريقة للتخلص من العمالة التى تراها الحكومة زائدة عن حاجتها، وأهم طريقة قانونية هى ربط الأداء بمستقبل الوظيفة أو الموظف، فإذا حصل الموظف على تقدير ضعيف جدا أو «ض ج» فسيكون فى بداية الطريق للتشريد، فبعد عامين من استمرار الحصول على «ض ج» سيضطر الموظف إلى ترك عمله إلى عمل آخر فى موقع آخر، ومن الممكن أن يكون فى مكان أو محافظة جديدة بعيدا عن سكنه، وبذلك قد يكون الحل المناسب للموظف أن يتقدم بمعاش مبكر افضل، وفى حالة أن يصر الموظف على العمل لأنه فى حاجة إليه، فإن القانون يعطى الحكومة الحق فى فصله بحجة عدم الكفاءة، وهذا هو الطريق الآخر أو الخطة الرئيسية للحكومة للتخلص من نصف الجهاز الإدارى على الأقل فى خلال ثلاث أو أربع سنوات.
ومن البديهى أن يفكر البعض بطريقة الحكومة، وأن يروا فى التخلص من الموظفين الفاشلين حقاً للدولة، وأن تحسين أداء الحكومة يبدأ بالتخلص من الموظفين الضعفاء، وهذا كله كلام يبدو مقبولاً ومعقولاً، ولكن المشكلة هى طرق تحديد الموظف الفاشل أو الضعيف جدا، أو تقرير الإنجازات التى تعتمد الحكومة عليها فى تقييم الموظفين، فإذا كانت الحكومة تعترف وتقر بأن الجهاز الإدارى متخم ولا يوجد عمل فعلى للملايين، فمن البديهى أن ملايين الموظفين لا يملكون انجازات أو عمل ليقدموا تقرير انجازات، وهذه هى الخطة الخبيثة التى تنتهجها الحكومة، فمن المؤكد أن ملايين الموظفين فى الوضع الحالى للدولة سيكون تقديرهم ضعيف جدا، ولذلك من الظلم أن يحاسب الموظف أو يخضع للتقييم فى ظل هذه الأوضاع البالية، فالموظف غير مسئول عن عدم وجود عمل يؤديه. أو أنه فى إدارة محملة بالموظفين من زملائه. هذه خطيئة الحكومة، وعليها معالجتها بطريقة عادلة، وذلك من خلال إعادة توزيع الموظفين على الوزارات ليجدوا عملا حقيقيا يقومون به، ويقيمون على أساسه. أما ما يحدث الآن فهو مجرد عملية تخلص وتشريد الموظفين بلا ذنب، وبدون عدالة.
3- علامة العاصمة الإدارية
وبحسب معلوماتى فإن الحكومة بدأت خطتها بالفعل فى تقسيم الموظفين أو فى خطواتها الأولى لذلك، فمع بدء الاستعداد للانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة سينتقل الموظفون المطلوبون للعمل أو المرضى عليهم فقط، ولن يتم نقل كل موظفى الوزارات للعاصمة الإدارية الجديدة فقط، ولذلك يمكن أن نتنبأ بمصير موظفى الحكومة بعد الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة، فكل من سيتم نقله إلى مبانى الوزارات فى العاصمة الجديدة لديه حصانة من الفصل، وبعد ذلك سيتم تصفية الموظفين بالخطة «ض. ج» وفتح باب التعيينات مرة اخرى فى الحكومة، ولكن التعيينات الجديدة سيكون بنظام مختلف ورواتب مختلفة تماما. النظام الجديد للتعيين فى الحكومة سيركز على اجتذاب خريجى الجامعة الأمريكية والجامعات الخاصة وبعقود لمهام محددة ولسنوات محددة أيضا. نظام اقرب إلى نظام القطاع الخاص، ولذلك مطلوب على وجه السرعة التخلص من أكبر عدد من الموظفين لبدء عملية الإحلال والتجديد فى الجهاز الإدارى للدولة، ولست ضد التحديث ولكننى ضد الظلم وخراب البيوت ولو بالطرق القانونية. ضد اعتبار موظفى الحكومة مسئولين عن حال الجهاز الإدارى للدولة الآن.ضد مقولة إنه لا يوجد طرق لإصلاح الجهاز الإدارى إلا بالتخلص من الموظفين. أو طريقة «انسف حمامك القديم»