محمد الباز يكتب : بيت الشيطان فى المقطم

مقالات الرأي

محمد الباز يكتب :
محمد الباز يكتب : بيت الشيطان فى المقطم

جهات أمنية شاركت فى إحراق مكتب الإرشاد للتخلص من أجهزة التسجيلات والتنصت على المعارضين الجماعة أنفقت 130 مليون دولار لتجهيز دور كامل بالمقر..ولم يكن يدخله إلا بديع والشاطر وغزلان الآن يمكن أن نفهم حديث نائب المرشد عن التسجيلات والمكالمات التى رصدها لمعارضى الجماعة والرئيس

لا شىء فوق هذا التراب لا يرى...حتى لو مرت عليه الأيام والشهور والسنوات، ولهذا لم يكن غريبا ما كشفته مصادر خاصة عن أسرار اقتحام مقر مكتب الإرشاد بالمقطم فى 6 ديسمبر الماضى وبعد ساعات قليلة من مذبحة الاتحادية التى جرت على يد ميليشيات الإخوان المسلمين ومن يشايعهم.

كان الاعتقاد الذى رسخ لدى الجميع أن الشباب الغاضب الذى لم يعجبه سلوك الإخوان مع المتظاهرين والثوار قرر أن يرد وبشكل عملى على استبداد الإخوان المسلمين، بمحاصرة مقرهم الرئيسى وحرقه والعبث به وبمحتوياته.

فى هذا اليوم توجه أكثر من ثلاثة آلاف شخص إلى مقر الجماعة، وقاموا بتحطيم زجاج المقر من الداخل، وأشعلوا النيران فى عدد من المقاعد المتواجدة أمام المقر من الخارج لمنع وصول الأمن إليهم، ولمنع تأثير الغاز المسيل للدموع الذى ألقاه الأمن داخل المقر للتأثير عليهم وإخراجهم منه.

أمام النيابة التى أمرت بحبس 9 متهمين على ذمة القضية أنكر الجميع التهمة الموجهة إليهم، وقالوا إن الشرطة ألقت القبض عليهم بطريقة عشوائية، وأنهم كانوا يعبرون عن غضبهم ضد الإخوان بشكل سلمى.

محمد بديع يومها خرج غاضبا ومتأثرا ومحاولا استعطاف الناس – فأثار سخريتهم بالطبع، عندما قال: مكتبى تم الاعتداء عليه، كما تم تمزيق أوراقى الخاصة والمصحف ألقى على الأرض، وتم دهس النباتات...ما ذنب النباتات؟

عن نفسى أميل إلى أن المتظاهرين الذى أحطوا بمكتب الإرشاد ليسوا مسئولين عن كل الدمار الذى لحق بالمقر، فقد كانت هناك أياد أخرى...أرادت أن تصل إلى المكتب المحصن، ولم تكن هناك مناسبة أفضل من حالة الغضب التى اجتاحت الجميع ضد الإخوان بعد قتلهم وسحلهم للمتظاهرين.

قبل شهور من واقعة اقتحام مقر الجماعة فى المقطم، كان خيرت الشاطر قد تورط أكثر من مرة فى تصريحات، دلت على أن الجماعة تقوم بالتجسس على مكالمات خصومها، وأنها تمتلك تسجيلات خاصة عليهم.

المرة الأولى كانت فى إبريل الماضى عندما أشار الشاطر إلى أن الجماعة رصدت اتصالات بين المجلس العسكرى واللجنة العليا للانتخابات، وهى الاتصالات التى تم من خلالها استبعاد مرشحين للرئاسة، وكان الشاطر منهم.

دفعت الجماعة التهمة عنها بأنها لا تتجسس على أحد، ولكن لها أعضاء فى كل مكان يمدونها بالمعلومات، وقتها مضى تصريح الشاطر وتبرير الجماعة دون أن يتوقف أحد أمام دلالات ما يجرى تحت السطح.

المرة الثانية كانت عندما خرج خيرت الشاطر من كهفه الذى يحجب نفسه فيه، وتحدث بعد مذبحة الاتحادية بيومين فقط، مشيرا فى مؤتمر صحفى عقده ائتلاف القوى الإسلامية إلى أن هناك استمرارًا لمخطط إفشال وإعاقة المسيرة نحو الاستقرار، وكانت الانتخابات ( يقصد الرئاسية) ستشهد أكبر عملية تزوير ناعم بهدف إسقاط أى مرشح إسلامى، وتجمعت القوى فى جولة الإعادة، وكان يقال فى القنوات التليفزيونية بالكواليس، ويتم توصيله لناس داخل القنوات أن الرئيس سيسقط بعد شهرين، ومسجل لدينا على تليفونات من بعض هذه الأماكن ومن بعض وسائل الإعلام .

مضى تصريح الشاطر للمرة الثانية دون أن يتوقف أحد أمام ما وراءه، لكن الكشف عن أسرار وأسباب حريق المقر يمكن أن يجعلنا نعيد النظر فيما قاله الشاطر...الذى يحاول طول الوقت بأن يوحى أنه قوى وقادر ومؤثر ومحرك لكل الأمور.

مقر الجماعة فى المقطم، ليس مجرد مكتب إرشاد يمارس فيه المرشد أعماله الروتينية، فهو الآن قولا وفعلا يمكن التعامل معه على أنه مقر ثان للحكم فى مصر، ولاعتبارات كثيرة هو المقر الأكثر سيطرة وتحكما فى الرئيس محمد مرسى،وهى السيطرة التى يتم من خلالها السيطرة على كل شىء فى مصر.

يوم الحريق الذى شب فى مقر الإخوان، لم يكن الثوار وحدهم من يحيطون بالمقر، كانت هناك مجموعات تنتمى إلى جهات أمنية، رصدت أن الجماعة بالفعل بدأت تمارس أدوارا تمثل خطرا على الأمن القومى، فقد خصص الإخوان دورا كاملا لأجهزة التسجيل والتنصت على مكالمات الجميع من خارج الجماعة، ولم ينج أحد حتى رجال المجلس العسكرى وكبار رجال الدولة.

كان خيرت الشاطر هو المشرف الأول على إعداد أجهزة التسجيل والتنصت، ولم يكن يدخل هذا الدور إلا محمد بديع المرشد العام للجماعة ومحمود غزلان المتحدث الرسمى باسم الجماعة – وصهر الشاطر - والشاطر نفسه بالطبع...وذلك للحفاظ على سرية ما يحدث فى هذا الدور.

ولأن العمل سرى للغاية فقد استعان خيرت الشاطر فيه برجاله المقربين، ومن بين ما تعرفه الدوائر الخاصة فى الإخوان، أن الشاطر كان قد أوفد منذ سنوات ما يقرب من 500 شاب إلى أوروبا وأمريكا، للتدريب على التكنولوجيا الحديثة وتلقى كورسات مكثفة فى العلوم السياسية.

بعد الثورة أعاد خيرت الشاطر شباب الجماعة، وبدأ فى الإعداد لجهاز التسجيلات والتنصت، وسلمه للكوادر الشابة التى تلقت تدريبا مكثفا على التكنولوجيا الحديثة، ولا تخرج التقارير اليومية من هذا الجهاز إلا إلى خيرت الشاطر وحده، بعدها يقدم ملخصا لها للمرشد العام.

كانت جرأة الإخوان المسلمين مستفزة، خاصة أنها بدأت تناطح أجهزة المخابرات العامة والحربية، وحاولت أكثر من مرة التحرش بها، والإساءة إليها، وعليه كان لابد من تحطيم كبرياء الإخوان، وهو ما جرى تحديدا وتفصيلا يوم الحريق.

اهتم من اقتحم المقر أن يبعثر الأوراق ويدوس النباتات التى مزقت قلب المرشد وتحطيم بعض الصور لقيادات الإخوان، لكن الهدف الأكبر كان الدور الذى ترقد فيه أجهزة التسجيل والتنصت، وقد احترق الدور بالكامل فى حركة خاطفة أفقدت الإخوان توازنهم.

فى اللحظة التى كان يحترق فيها مقر الإخوان بالمقطم كان خيرت الشاطر فى مكتبه الذى يركن إليه كثيرا معتبرا إياه مقرا ثالثا لحكم مصر، عندما عرف ما جرى أصيب بأزمة تنفس حادة، سارع المحيطون به لإنقاذه منها.

كان خيرت الشاطر وحده يعرف أن أجهزة التسجيل والتنصت تكلفت ما يقرب من 130 مليون دولار، وأن ما احترق بالفعل يمثل خسارة فادحة للجماعة، فقد كانت لديه ملفات كثيرة يمكن أن تمثل دليلا من وجهة نظره على إدانة خصوم الجماعة، كما أن جهود عدد من شبابه بذلوا مجهودا هائلا فى العمل خلال الشهور الأخيرة.

مقر جماعة الإخوان المسلمين بهذه الصورة ليس مقرا إداريا لجماعة لا تزال محظورة قانونيا حتى الآن، فلا أحد يعرف وضعها القانونى ولا ما الذى تمثله، فهو أكثر من ذلك بكثير جدا، إنه يقترب من الوكر الأمنى المخابراتى، الذى تقوم الجماعة من خلاله بالتجسس على خصومها، وليس بعيدا أن يكون هناك ملف لكل معارض بالصوت والصورة، وهو ما يجعل الجماعة تهدد كل فترة بأن هناك مؤامرة على الرئيس.

قد يكون منطقيا أن يثير الأمر لديك سؤالا، وهو إذا كانت الجهات الأمنية المصرية بمستوياتها المختلفة – خضعت هى الأخرى للتجسس عليها – تعرف وجود هذه الأجهزة فلماذا لم تتعامل معها بشكل قانونى، ولجأت إلى عملية أمنية للتخلص من الأجهزة...أقول لك ببساطة أن هذا الأمر يمكن أن يحدث لو كنا فى دولة، ونحن فعليا لسنا فى دولة.