قانون «ساكسونيا»
منذ نجاح الثورة في الإطاحة بالرئيس المخلوع مبارك، ودائما ما أستمتع بلقاءات اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية والدستورية في البرامج التليفزيونية، فحينما تستمع له تتأكد منذ اللحظة الأولي أنك أمام عقلية قانونية بيروقراطية من الدرجة الأولي، لا تستطيع أن تجادل معه في القانون، فلديه ألف مخرج ومبرر لأي تصرف يقوم به المجلس العسكري أو الحكومة، تمنيت كثيرا أن تتاح لي الفرصة لمشاهدة هذه العبقرية من قريب، فلدي مئات من التساؤلات التي لا يطرحها عليه مقدمو البرامج والصحفيون والضيوف، في المؤتمر الصحفي الذي عقده اللواء أركان حرب ممدوح شاهين واللواء أركان حرب محمود حجازي في الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، تحدث شاهين عن أنه لا استثناءات ، والقانون يجب أن يسير علي الجميع، وكنت سعيد الحظ بالتواجد في قاعة المؤتمر، ولم تتح لي الفرصة لتوجيه أي سؤال له، فالعدد كبير جدا، والجميع يريد ان يسأل، لكن السؤال المهم لم يطرحه أحد، فكل هذه القوانين التي خلقها مبارك «ونظامه» وترزيته صنعت من أجل حماية الفساد وتقنينه، وفي الأعوام الأخيرة لحكم الرئيس المخلوع، كان أي متهم يستطيع الخروج براءة -لو لديه محام شاطر -ما لم يكن هناك أمر سياسي مضاد.
والأزمة هنا ليست في القضاء أو النيابة إنما مرتبطة بترسانة من القوانين التي تعطي للفساد شرعية، فمن يرشي موظفا عاما ويعترف بذلك أمام النيابة، القانون يحبس الموظف العام ولا يقترب من الراشي، والموظف العام سيخرج بالتأكيد علي يد محام شاطر، نتيجة لخطأ في الإجراءات، أو انتزاع اعتراف منه بالقوة وغيره من عشرات مبررات البراءة الإجرائية، وهناك عشرات من الأحكام القضائية التي صدرت وأدان القضاة المتهمين في حيثيات الحكم لكنهم لم يستطيعوا توقيع عقوبة لقصور في القانون نفسه.
تحدث اللواء ممدوح شاهين عن القانون الذي يمنع أي أحد من الكتابة عن القوات المسلحة دون إذن كتابي من أحد قادتها، وبرر بهذا تحويل الصحفيين للنيابة العسكرية، لكن لكل شيء وجهين فهذا القانون يتحدث عن كل ما هو عسكري بحت، فليس من حق صحفي أن يكتب عن الأسلحة والاستراتيجيات العسكرية دون إذن كتابي، ولكن من حقه أن يتحدث عن الأداء السياسي للمجلس العسكري .
ومن تم تحويلهم للنيابة العسكرية كانوا يتحدثون أكثر عن أداء سياسي، ولم يتطرقوا لمعلومات عسكرية ولم يعبثوا بالأمن القومي، هذا علي الرغم من أن المعلومات العسكرية عن الجيش المصري تكتب في الصحف الأمريكية، والغربية بصفة عامة، والغريب انه علي الرغم من أن معظمها إيجابية جدا عن قدرة الجيش المصري وتسليحه وتطويره واعتباره واحدا من أهم عشرة جيوش في العالم، إلا أنه ممنوع علينا أن نكتب تفاصيل، ونحن نحترم ذلك، ولكن يحزنني أن تعرف الصحافة الأمريكية عن بلدي أكثر مما يعرفه المصريون.
أعود إلي اللواء ممدوح شاهين الذي لم يستخدم -ولو لمرة واحدة- مصطلح الشرعية الثورية، فالثورة قامت ضد قهر الشرطة، وترسانة الفساد، وانتهاك كرامة المواطن المصري، وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية، ومن ساعد النظام الفاسد السابق هو قوانين فتحي سرور وغيره من الترزية، والشرعية الثورية تسقط هذه القوانين العفنة، هل يعلم اللواء ممدوح شاهين أن المصريين يسمونها قانون «ساكسونيا».
فقد كانت هناك ولاية ألمانية تدعي «ساكسونيا» لم تعرف هذه الولاية العدل وكان الظلم شعارها، وقام مترفوها وأغنياؤها وأمراؤها وملوكها بوضع قانون فما هو هذا القانون؟
كان ينص علي أنه إذا ارتكب الفقير - أو الذي ليس له ظهر- جريمة فكان يعاقب فإذا سرق يسجن وإذا قتل يقتل.
أما إذا ارتكب الغني أو المسنود جرما، فهل كانوا يتركونه بدون محاكمة؟ بالطبع لا، لأنه سوف يشاع في باقي الولايات الألمانية أنه ليس هناك عدل في «ساكسونيا» فماذا كانوا يفعلون ليطبقوا العدالة علي من يسرق من الأغنياء أو من يقتل مثلا، كانوا هؤلاء يحاكمون ظل السارق أوالقاتل من الأغنياء، فيأتون بالغني القاتل أو السارق ويقف في الشمس، ثم يحكمون علي ظله بالسجن، إذا كان سارقا، أو بالقتل إذا كان قاتلا.