ننفرد بنشر تفاصيل أجرأ تحليل نفسي لرجال الداخلية وجماعة الإخوان
حصلت الفجر على نص تقرير التحليل النفسي لرجال وزارة الداخلية، قبل وبعد ثورة 25 يناير، فضلاً عن تحليل شخصية وأسلوب تفكير جماعة الإخوان المسلمين، وهو التقرير الذي أعده الدكتور أحمد حسين عبد السلام، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، والطبيب بمستشفى العباسية للصحة النفسية.
تحت عنوان التوحد مع المعتدي ، قال عبدالسلام :، ممارسات الشرطة القمعية وتجاوزاتها في انتهاكها الصارخ للقوانين وحقوق الانسان طيلة العقود الماضية جعلت الكثير من الباحثين وأخصائيين علم النفس والطب النفسي إلى تحليل شخصية رجل الشرطة وتفسير سلوكياته التي تؤكد إلى وجود خلل واضطراب بالشخصية ، الأمر الذي قدم له بحث للكاتبة والناشطة الحقوقية بسمة عبد العزيز بعنوان ( إغراء السلطة المطلقة ) صدر قبيل ثورة 25 يناير بأيام ، حول مسار العنف في علاقة الشرطة بالمواطن عبر التاريخ.
وسردت بسمة من خلال تواصلها مع طلبة بكلية الشرطة كيف يلقنونهم إعلاء الذات ويرسخون فيهم أنهم طبقة أرقى من شرائح المجتمع مشددين في تعليماتهم إليهم عدم الإنخراط بطبقات المجتمع الوسطى والفقيرة ، إبتداءً من عدم الجلوس في مقاهي عامة مروراً بعدم إرتياد المواصلات العامة وإنتهاءً بعدم تناول الطعام في مطاعم شعبية ، تلك الدراسات والأبحاث اكتفت بالتحليل النفسي وتفسيرات الوسائل القمعية دون رؤى أو نداءات واضحة .. إلى أن قامت ثورة 25 يناير التي استلت من يد الشرطة سلاح القهر وخرست الجنوح إلى إستخدام القوة بجميع آلياتها حتى ظهر للمجتمع وكأن رجل الشرطة فقد الثقة بنفسه لدرجة التواري أثناء إرتدائه زي الشرطة المميز ، ومعه تعالت أصوات بضرورة إعادة تأهيل الشرطة ودعمها نفسياً لإعادة الثقة إلى أفرادها.
في تلك الفترة كانت القوات المسلحة قاسماً مشتركاً مع الشرطة إن لم يكن لها اليد العليا في التواجد الأمني بالجبهة الداخلية .. إلى أن أُجريت الأنتخابات الرئاسية وجاءت جماعة الأخوان على هرم السلطة متمثلة في د.محمد مرسي ليضع في تشكيل وزارته أحمد جمال- مدير الأمن العام لحبيب العادلي – وزيراً للداخلية والذي معه تحسن نسبياً الأداء والتواجد الأمني للشرطة بالشارع المصري ولكن أيضاً مع إستمرار إنحسار ونكوص العنف والتوجه القمعي المتوارث في الداخلية والذي أصبح عنوان البديل ممثل في جماعة الأخوان أثناء أحداث الأتحادية 5 ديسمبر الماضي ، وبعدها التشكيل الوزاري المحدود ليأتي بمحمد ابراهيم بدلاً لأحمد جمال لتتوالى أحداث غير مسبوقة منذ بداية الثورة- إن لم يكن منذ أوائل التسعينات- من العنف المفرط والتعذيب النفسي والبدني والقتل والأختطاف والأعتقالات .. مما يجدر بنا إعادة النظر في تلك الرويء والتحليل النفسي لأفراد الشرطة وممارساتهم مضاف إليهم السلطة والنظام ممثل في جماعة الأخوان.
أولاً: الشرطة ، بمراجعة تفاصيل سمات شخصياتهم – والأصل في الحديث الغالب وليس التعميم- بداية من إلتحاقهم بكلية الشرطة مروراً بممارسة حياتهم الوظيفية يُرجح وصف شخصية رجل الشرطة بنمط الشخصية النرجسية التي تتميز بالعدوان وتتمركز حول ذاتها فهي تتعامل وتتفاعل مع الشخصيات المكافئة لها وتزدري من تراها أقل منها.
وبتدارس تفاصيل وأنماط العنف والقمع قبل الثورة والوقوف على ما فاقها هولاً في الأحداث الأخيرة في عهد مرسي بميادين وشوارع محافظات مختلفة وداخل معسكرات الأمن المركزي ما يقودنا إلى التأكيد على وجود إضطراب في الشخصية الذي يوجد العديد من تصنيفاته بالطب النفسي أكثرها مؤائمة لحالة أفراد الشرطة هو ( إضطراب الشخصية غير المصنف في مكان اخر PERSONALITY DISORDER NOT OTHERWISE SPECIFIED )
ويجمع هذا التصنيف صفات لأكثر من نوع من إضطرابات الشخصية ، فيتجسد في رجل الشرطة من اضطراب الشخصية النرجسية سمات الشعور بالعظمة وأهمية النفس والتفرد ، ويحتوي من سمات الشخصية المضادة للمجتمع على عدم إحترام القانون والتقاليد الإجتماعية والكذب المتكرر وسرعة العدوان وعدم الحرص على سلامة الأخرين وغياب الشعور بالذنب وأيضاً يشترك مع إضطراب الشخصية الإضطهادية كونه غير متسامح تجاه أخطاء الأخرين ويتفاعل بسرعة وبغضب تجاه هجوم الأخرين على شخصيته ، تلك السمات في إضطراب الشخصية لدى غالبية أفراد الشرطة يتغير معه التفسير لفترة إنزواء الشرطة والتخاذل الأمني بعد الثورة والقائل بأنها فترة محاولة تصحيح مفاهيم الشرطة نتيجة لشعورهم بالذنب لدفاعهم عن النظام ووقوفهم ضد الشعب.
الأقرب تفسيراً لتلك الفترة في ضوء هذا التصنيف من إضطراب الشخصية –إن صح- أنها فترة تمثلت فيها الشرطة حيلة دفاعية يُطلق عليها ( التكوين العكسي ) وتعني أنه لا شعورياً يُبرز ويُظهر الشخص شعوراً عكس ما يبطنه ، فقد أظهرت الشرطة مشاعر التسامح والشعور بالذنب كونها كانت عصا في يد النظام متعهدة بأن تصبح ملكاً للشعب ، وتلك مشاعر عكس ما تبطنه من كراهية وإمتعاض نحو الشعب الذي حرمها من متعة السادية في تعذيب الأخرين ، تلك المشاعر الكامنة في اللاشعور مالبثت أن ظهرت جلياً في إستخدام القوة والقمع عندما لاحت للشرطة الفرصة متمثلة في قيام نظام سلطوي مماثل لسابقه يرعى الأستبداد ويحمي مستبديه.
ظهرت أبشع مشاعر الكراهية الدفينة في صور الأنتقام والإنتهاكات اللانسانية لكل من وقع في قبضة الشرطة من المتظاهرين على إختلاف طبقاتهم وأنواعهم واعمارهم ، فقد أمعنوا في إزلالهم وتعذيبهم نفسياً بتجريدهم من ملابسهم بشكل متكرر يومياً والتحرش الجنسي إلى جانب التنكيل البدني ، وطال التعذيب والإزلال النفسي أهالي المتظاهرين بإخفاء معلومات إحتجاز ذويهم عنهم ، كل تلك المظاهر تؤكد نزعة الأنتقام لدى الشرطة تجاه الشعب المصري والنهم والتوق واللهفة إلى إستعاضة متعة تعذيب الأخرين .
ثانياً: جماعة الأخوان ، بقراءة سريعة في تاريخها سواء البعيد أو في الفترة الزمنية منذ قيام ثورة 25 يناير وحتى وصولهم للحكم ، نرى من سمات (إضطراب الشخصية الإضطهادية) الكثير مما يتفق مع شخصية غالبهم التي تتميز بالشك الغير منطقي وعدم الثقة في الناس بوجه عام وتحقر أفعال الأخرين ويسهل استفزازه فيندفع في شجار لا داعي له ، ويحمل الكراهية لوقت طويل ولا ينسى الأساءة ويتردد في أن يثق في الأخرين لخوفه أن تُستخدم المعلومات التي يدلي بها ضده ، ومن سمات إضطراب الشخصية الإضطهادية أيضاً التيقظ الدائم بدرجة زائدة والحذر ضد أي تهديد ، ويتجنبون لوم أنفسهم حتى عندما يكون لسبب منطقي.
ومن أهم سماتها أنه عندما يتقلدون مواقع جديدة فإنهم يبحثون بشدة لتأكيد توقعاتهم دون فهم الإطار العام ، ويصاحب إضطراب الشخصية الإضطهادية أو البارانوية العديد من الأعراض مثل صعوبة الإسترخاء فهم مشدودين دائماً ولديهم ميول للشجار عند أي تهديد ، وصعوبة في قبول النقد ، كما يظهرون ( باردين ) تجاه الأخرين ، وليس لديهم إحساس حقيقي بالفكاهه ، ودائماً يفخرون بانهم موضوعيون ومنظقيون وغير إنفعاليين ، وتنقصهم الرقة والمشاعر الطيبة مثل الرأفة ، دائماً ما يكونوا متصلبيين رافضيين للحلول الوسط ، وكثيراً ما يختلقون المصاعب والتعقيدات ويثيرون الخوف لدى الاخرين فهم غالباً يخافون من فقد إستقلالهم ، وعادة يتجنبون الألفة عدا مع أولئك اللذين يثقون فيهم ثقة مطلقة ، ويُظهرون حاجة شديدة ليكونوا مكتفين ذاتياً بسبب التمركز حول الذات وتضخيم أهمية الذات.
وأصحاب تلك الشخصية يهتمون بالألكترونيات والآلآت والماديات ولا يهتمون بالفن أو الأحساس الجمالي ، ويعون بشدة موقع القوة ومن هو أعلى ومن هو أدنى ، وغالباً ما يحسدون من هو في موقع القوة ويحتقرون من يرونهم ضعفاء أو مرضى.
وإذا طبقنا تلك السمات والأعراض لإضطراب الشخصية الإضطهادية-إن صح التشخيص- على جماعة الأخوان، فسنجد أنها جماعة متمركزة حول ذاتها ، عدم الثقة والشك جعلهم يضعون شروطاً ومراحل تستغرق خمس سنوات لابد من إجتياز الفرد لها لإنضمامه إلى التنظيم ، توارد المعلومات وتلقيها بين بعضهم يتم بشكل معقد ومتدرج فالمتاح لبعضهم غير متاح للبعض الأخر ، متيقظيين بصفة دائمة وزائدة ، لا يقبلون النقد ، وفي مواقعهم يرسخون لمخططاتهم وإقرار رؤيتهم.
وإذا فسرنا لتصرفات جماعة الأخوان في ضوء هذا التشخيص قبيل توليهم السلطة وبعدها ، فهم دائماً يتطلعون إلى السلطة وفي خاطرهم النظام الحاكم هو الطبقة الأعلى التي يحسدونها ويسعون لها دوماً ، وما دونهم الطبقة الدنيا التي يحتقرونها ودائماً ما يستغلونها للوصول إلى مأربهم ، فرغماً أنهم كانوا مراراً نزلاء معتقلات النظام قبل الثورة وامتُهنوا على أيدي شرطة النظام إلا أن ذلك لم يمنعهم من التوافق وإقامة التوازنات مع نظام مبارك ليجدوا مساحة في بعض النقابات المهنية وتنفيذ برامج في الشارع المصري يستغلوا فيها وديعة نظام مبارك وهي الجهل والفقر ليقيموا مشاريع ربحية لهم تُسّوق للشعب على أنها خدمية بحتة ، واستفاد نظام مبارك منها في سد عجز حكومته عن تقديم تلك الخدمات.
تلك الموائمات مع نظام مبارك، تجلت في ظهور مرشد الجماعة د.محمد بديع مساء يوم 24يناير 2011 ليلة ثورة 25 يناير على شاشات التلفزيون المصري في أول سابقة من نوعها ليعلن عدم مشاركة الأخوان في تظاهرة الغد ( 25 يناير2011 ) وأن من سيشارك من الأخوان سيكون بصفته الشخصية.
وتستمر تلك الموائمات مع المجلس العسكري متمثلة في الدعوه إلى الإستفتاء بنعم على إعلان 19 مارس 2011 ، ثم تعقد العديد من المؤامات والإتفاقيات مع العديد من القوى والتيارات التي لا تثق بها جماعة الأخوان للفوز بالإنتخابات الرئاسية في جولة الإعادة ، ويتضح جلياً أن تلك القوى والتيارات هي في نظر جماعة الأخوان هم الطبقات الأدنى التي يحتقرونها- طبقاً لتشخيص إضطراب الشخصية الإضطهادية - ، فبعد وصولهم للحكم عادوا ليتمركزوا حول ذاتهم ويُقصوا من دونهم ساعين في موقعهم الجديد إلى تأكيد توقعاتهم بالسيطرة على مفاصل الدولة وأخونة جميع الهيئات والمؤسسات ، وأخيراُ يأتي صدق التشخيص بجنوحهم نحو العنف في عدة مواقع تنتهي بإستدعائهم الشرطة لتمثيلهم في تلك المهمة.
وفي تحليلي أن إستدعائهم للشرطة ومنحهم كل الضمانات للإفراط في إستخدام العنف أبرزها تصريح مرسي بأنه من أعطى أوامره للشرطة بالتعامل بحسم ، ليس هذا الإستدعاء للشرطة هو في عقيدة الأخوان استخدام لمن هو أدنى منهم لخدمتهم ، بل هو ركن أساسي ومهم في لوحة إضطراب الشخصية الإضطهادية ، فالعنف عنوان لها ، ذلك أن جماعة الأخوان وقت أن كانوا ضيوفاً على معتقلات النظام السابق ترسخت الشرطة في أذهانهم رمزاً للسلطة وكان هو مفتاح الحياة لحكم العسكر طيلة ستين عاماً.
وفي عقيدة الأخوان لن تكتمل سلطويتهم بدون هذا الرمز وذاك المفتاح، في تفسير عملي لحيلة دفاعية في الطب النفسي يُطلق عليها (التوحد مع المعتدي ) وهي حيلة لا شعورية يتوحد فيها الأخوان مع الشرطة التي ترسخت في أذهانهم وقت أن كانوا في المعارضة كونها مصدر الإحباط لهم في الوصول إلى السلطة ، لتكون لهم اليوم وهم في السلطة مصدر الأحباط لمعارضيهم تحول بين وصولهم للحكم .
أما غض البصر للإخوان عن السادية والإنتهاكات اللانسانية واللاخلاقية من الشرطة ضد المتظاهرين المقبوض عليهم – إن لم تكن بأوامر مباشرة من جماعة الاخوان- فهي بجانب الرسالة المباشرة لإجهاض والقضاء على حركة المعارضة الشعبية وإستئناس الشعب المصري، فهي لها هدف نفسي كامن لجماعة الأخوان ، فهي الجماعة التي كانت بالأمس في صفوف المعارضة لنظام مبارك وكانت تقيم المؤامات والتوازنات مع ذلك النظام إما بحفنة مصالح يبصقها النظام أو بالقمع والإزلال النفسي ، وهي الجماعة التي في عقيدتها ترى نفسها أنها الأعلى والأرقى لن تقبل بوجود معارضة حرة نزيهه تصبح معها الجماعة في ضميرها هي الأدنى.
عمدت جماعة الأخوان بعد توليها الحكم إلى شراء بعض المعارضة بصفقات سواء حقيقية أو وهمية ،ونجحت في ذلك مع بعض الهش من المعارضة ، أما من لم تستطع فركزت إلى الوسيلة الأخرى التي كان يستخدم ذاتها معهم النظام السابق وهي الإزلال والتعذيب النفسي وزعزعة الثقة بالنفس ... ولكن قد تُفأجا جماعة الأخوان بالعكس لما تتوقع ، فهولاء المتظاهرين ممن عمدوا إلى إزلالهم هو في الأصل معظمهم أصحاء نفسيين ليست لديهم إضطرابات شخصية وغالباً ما يتحولوا إلى قنابل تنفجر دوماً في وجه النظام ، فهي الوسيلة الدفاعية الوحيدة التي قد يُدركها الأصحاء.
وأخيراً ، فأنه من المحزن بل المرعب أن كثيراً من إضطرابات الشخصية يصعب علاجها حد الأستحالة ، ولنا أن نعرف أن أصحاب إضطراب الشخصية في الطب النفسي يعون أفعالهم ويُسألون عنها.