د. رشا سمير تكتب: اليونسكو.. ما بين الخطيئة والاستحقاق
حين يتاجر الرجال بأجسادهم، فهم عبيد.. وحين تتاجر النساء بأجسادهن، فهن عاهرات.. وحين يتاجر البشر بمبادئهم، فهم قوادون.. أما الدول، فلها شأن آخر..
الدول حين تتاجر بأقدارها السياسية فهى دون شك تُمارس العُهر السياسى.. العُهر إذن ليس تجارة مقتصرة على البشر ولكنها تجارة تجاوزت كل حدود الإنسانية لتنتقل العدوى إلى الأوطان.. فالسياسة مؤخرا أجبرت بعض حكام الدول على الانسحاب من تجارة الألعاب القذرة إلى صناعة المبادئ الزائفة.. هكذا خلعت الكثير من الدول عباءة الوطن وارتدت عباءة لاعبى القمار.. وهكذا انزلقت قطر إلى ظلمات تلك الهوة.
منذ أعلنت مصر عن اسم السفيرة مشيرة خطاب لمنصب مدير عام اليونسكو حتى انقسمت الآراء إلى أكثر من فريق.. فريق يدعم ويؤيد هذا الترشيح، وفريق يرى الترشيح بمثابة الرهان على الحصان الخاسر.. وفريق آخر يجلس على خط الاحتياطى، ليقترح أسماء وخططاً بديلة قد تبدو أكثر اقترابا من تحقيق الحُلم..
فهل أخطأت مصر حقا فى الترشيح منذ البداية؟.. البعض يقول نعم، والواقع يقول لا.
فالواقع يقر بأن المرشح المصرى فاروق حسنى فى 2009 تلقى خطابات تأييد من دول عربية من بينها قطر وقام بجولات عديدة حول العالم، لكن أقطاب الصهيونية كانوا بالمرصاد له ولمصر فبدأت المخططات المشبوهة بمباركة أمريكية صهيونية باستقطاب أطراف عربية لتفتيت الأصوات، وهو ما نجحوا فيه لضعف وحدة التكتل العربى المزعوم.
إذن ففى المرتين لم تكن الخسارة لقصور فى أداء البعثة المصرية، فوزير الخارجية المصرى خلال انتخابات اليونسكو عام 2009 كان أمين جامعة الدول العربية الحالى أحمد أبو الغيط، وقد صرح آنذاك بأن الغرب وقوى فى أمريكا اللاتينية وآسيا وقفت ضد مرشح مصر فاروق حسنى، بينما جاءت الأسباب هذا العام لتركز على الدور السياسى فى الانتخابات واستخدام قطر لنفوذها المادى فى عملية التصويت.
قطر تلك الدويلة التى لا تمتلك تاريخا ولا حضارة.. الدويلة التى لا تمتلك سابقة سياسية تدل على حنكة حكامها.. الدويلة التى تدعم الإرهاب وتحتضنه.. الدويلة التى لا تمتلك سوى المال، الشىء الوحيد الذى جعل من الرشاوى فرصتها الوحيدة فى سبيل الفوز بلقب (دولة)..
كيف سمحت منظمة اليونسكو لقطر بتقديم مرشح وهى دولة داعمة للإرهاب؟ وكيف ارتضت بعض الدول الأخرى أن تضع يدها فى يد حاكم يديه مخضبتان بدماء الشهداء؟!
ومن هذا السؤال تتضح لنا رؤى أخرى أشد إيلاما.. وهى أن إفريقيا مازالت بعيدة عن دعم مصر حتى وإن بدت فى الظاهر عكس ذلك، هذا الملف يجب أن يكون العمل عليه جادا فى المستقبل.
ومن الدول المترشحة إلى المُرشحة المصرية سعادة السفيرة مشيرة خطاب، اتفقنا أم اختلفنا مع كونها الحصان الرابح أو الخاسر، فأنا شخصيا قد اقتربت من السفيرة مشيرة خطاب وتعاملت معها عن قرب، وهى سيدة تستحق التقدير لأنها امرأة تدرك قيمة المسئولية وتعرف كيف تحترم نفسها حتى يحترمها الناس.
تابعتها وهى فى خضم موقعة اليونسكو الحربية، التى يكفيها شرفا أنها لم تُقصر فى خوضها أبدا، فقد حملت سلاح حضارة مصر وشهرته فى وجه العالم، كنت أراقبها وهى تلملم حقائبها وتجرى لتلحق بالطائرة من هنا إلى هناك، من الهند إلى إفريقيا ومن موريشيوس إلى باريس لتتحدث عن نفسها وعن وطنها، كانت تسرق ساعات النوم من بين جفون الأيام الشاقة، وهى تعلم أن الطريق وعر ولكنها أبدا لم تتعثر.
حين حاربوها وتكاتفوا عليها، لم تنكسر بل أصرت على استكمال الطريق بشموخ وهدوء يحكيان رحلة امرأة مصرية صميمة عملت من أجل الوطن، آمنت بأحلامها وأقدار وطنها فظلت كلما واتتها الفرصة تُعطى ولا تبخل فى كل منصب كُلفت به.. فكانت الوزيرة والسفيرة والناشطة الحقوقية والوجه المحترم للمرأة المصرية فى كل مكان ذهبت إليه..
تحدثوا عنها فآثرت الصمت.. ألقوها بالحجارة فابتسمت.. حاربوها فانتصرت بالإصرار.
هنا يجب أن أُشيد بالمجهود الكبير للسفير السابق محمد عرابى فى هذه الحملة.. وأعتب على رجل الأعمال الشهير الذى سمعته بنفسى يتفاخر بدعم الحملة بأمواله وسرعان ما سحبها وسحب نفسه واختفى..
تحية للسفيرة المصرية مشيرة خطاب التى خسرت المعركة بشرف حتى وإن لم تفز بالمقعد، فقد خرجت بالغنيمة الكُبرى وهى حب الناس واحترامهم..