منال لاشين تكتب: الفقراء لا يدخلون العاصمة الإدارية

«لا أشعر أن ثمة مستقبلاً ما ينتظرنى فى العاصمة الإدارية الجديدة، لا حلم ولا مستقبل واضح أو غائم لى فيها».

«كل ما يختص بالمدينة يبدو بعيدا عن متناول يدى وجيبى على حد سواء».

«العاصمة دى لناس معينة، ومش لينا»

أسمع هذه التعليقات كثيرا من أبناء الطبقة المتوسطة، ليس بنفس الكلمات ولكن بنفس النبرة الحزينة المتشائمة، ثمة إحساس صعب يتسلل مع الكلمات، إحساس بأنهم خارج الزمن.. زمن العاصمة الإدارية الجديدة ومبانيها وشققها فضلا عن فيللاتها وقصورها.

ولذلك كنت أتمنى أن يأتى حفل افتتاح فندق العاصمة بالعاصمة الإدارية الجديدة متاحا لكل المصريين، وليس حفلا للنخبة من المجتمع.خاصة أن آلاف المصريين كانوا يرغبون فى دخول الحفل ومشاهدة الفندق الذى يعد أول إنجاز فى العاصمة الإدارية.

آلاف كانوا مستعدين لدفع المئات من الجنيهات لحضور الحفل، فضلا عن آلاف آخرين كانوا يرغبون فى سماع ومشاهدة مطربيهم على الهواء.

ربما كان هناك أسباب أو أعذار لعدم إتاحة الحفل للجمهور العادى أو الناس العادية.. ربما تقام حفلات أخرى يدخلها الناس الطيبون، فالحفل مجرد لحظة تكثيف لما هو أخطر، ويتجاوز حتى العاصمة الإدارية إلى كل المدن الجديدة أو بالأحرى مصر الجديدة.

ثمة تسريبات أن الموظفين الكبار المرتبطين بمشروعات القمة هم فقط من سيحالفهم الحظ بالانتقال العام المقبل إلى مقار الوزارات فى العاصمة الإدارية الجديدة، وأن موظفين كثر سيظلون مكدسين فى أماكن ضيقة وسيئة التهوية وربما متطرفة على أطراف القاهرة.. وهؤلاء لم يطولوا بحسب المثل الشعبى «لا عنب الشمال ولا بلح اليمن»، فلا هم بقوا فى أماكنهم فى القاهرة أو العاصمة القديمة ولا هم سيرحلون إلى جنة العاصمة الإدارية الجديدة.

نفس الموقف يتكرر فى الشركات الخاصة.. كبريات البنوك والشركات الخاصة ستفتح فروعا ومقارات جديدة فى العاصمة الإدارية الجديدة.. بل ستشترى هذه الشركات شققا وفيللات لبعض كبار موظفيها، الكبار فقط سيذهبون إلى رحلة المستقبل مع العاصمة الإدارية الجديدة.

ومن العمل للسكن فإن الأنباء الواردة من العاصمة الإدارية الجديدة تبنى سورا عاليا أمام الطبقة المتوسطة فضلا عن الفقراء أقل سعر للشقة مليون جنيه.. وهذا الأمر سيتكرر فى المدن الجديدة، ولذلك يشعر ملايين المواطنين أن ما يجرى فى العاصمة أو المدن شيئا لا يخصهم ولا يقع فى محيط حياتهم، وكأنه يجرى فى بلد آخر على كوكب آخر بعيداً عنهم وعن أحلامهم وقدراتهم وحياتهم.

صحيح أن القطاع الخاص يطلق منذ سنوات عشرات الكومباوندات ذات الأسعار والأسوار المرتفعة.حيث يمثل السعر والسور معا مانعا جديدا للطبقة المتوسطة والفقراء من دخول عالم الكومباوند، ولكن الأمر جد مختلف هذه المرة، لأن المشروعات التى أتحدث عنها تطلقها الحكومة المسئولة عنا ولو اسميا، وعدم وجودنا فى خطتها التنموية والتشييدية حدث خطير على مستوى الأمن القومى بمعناه الأعمق والأشمل.

وأظن أن الخطأ أو بالأحرى الخطيئة فى هذا الأمر سببها أن الحكومة تتعامل مع مشروع العاصمة الإدارية وأخواتها من المدن الجديدة بنفس منطق القطاع الخاص، «معاك الملايين نسكنك فى نن العين»، وهذا منطق تجارى لا علاقة له بفكر التنمية التى يجب أن تتبناه الدولة، فيجب تخصيص نسبة حاسمة من شقق كل مدينة بأسعار مناسبة ومدعمة لتضم كل أطياف المجتمع خاصة الشباب القادر على بناء مجتمع جديد، والتجارب العالمية فى هذا المجال توفر عشرات الخيارات لاستيعاب المجتمع المصرى الحقيقى فى تلك المدن دون تهميش أو إقصاء لأى فئة من فئات المجتمع، فى بعض الحالات يتم تخصيص قطع أراض صغيرة للشباب بأسعار مدعمة ومنحهم حرية الاختيار للبناء من خلال عدم نماذج توفرها الدولة، وهناك تجارب أخرى يتم تجميع فئات بعينها فى مناطق أو أحياء مثل المهندسين والأطباء والتجاريين والمحامين وذلك من خلال النقابات المهنية، وتتولى الدولة توفير المدارس والمستشفيات العامة وكافة الخدمات الحكومية على حسب مقدرة المواطن.

ويجب أن يعلم كل مواطن فى مصر أن لديه فرصة أو إمكانية أن يلحق بجنة العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة.. لأن بقاء الحال على ما هو عليه ليس لصالح تماسك المجتمع.. لأنه يخلق حالة من الانقسام فى مصر إلى مجتمعين أو هويتين. الغالبية العظمى من المصريين تظل عالقة بين عالمين، ماضٍ لم يفكر فيها ولم يمنحها حقوقها فى التعليم والسكن والعيش الكريم، ومستقبل يحاول أن يبنى مصر، ولكنه نسى أن يضعهم على خريطة المستقبل، أو يحملهم على ظهر مشروعاته وفى قلب مدنه الجديدة، هذه الملايين مصريون مخلصون وسيساوية، ولكنهم يشعرون بأسى الاستسلام لنهاية العمر، وأن القادم ليس لهم وأن عليهم التسليم بأنهم لن يجدوا مكانا قط فى قطار المستقبل، وليس لديهم سوى مشاهدته من شاشات غرف النوم أو المعيشة أو فى الإعلانات الملونة سواء فى الصحف أو الفضائيات، وبعد ذلك يمارسون حياتهم العادية مستسلمين لقدر التهميش فى مطار المستقبل، ولسان حالهم يقول «الفقراء لا يدخلون العاصمة الإدارية الجديدة».