د. نصار عبدالله يكتب: عن أسمهان والإخوان الدروز "2"
نواصل فى هذا الأسبوع ما بدأناه فى الأسبوع الماضى من التعقيب على الرواية التى أوردها الكاتب الإخوانى السابق الأستاذ ثروت الخرباوى الذى انشق عن الجماعة وفضح الكثير من أسرارها، والذى سبق له أن نشر مقالا فى الأهرام فى الذكرى الثالثة والسبعين لرحيل المطربة فريدة الصوت: «أسمهان» ذكر فيه أنها قد لقيت مصرعها بتكليف من حسن البنا شخصيا تنفيذا لرغبة الاستخبارات البريطانية!، وقد أضفنا من جانبنا أنه إذا صحت رواية الأستاذ الخرباوى فإن إقناع السائق الإخوانى بتنفيذ خطة الاغتيال عن طريق قلب السيارة، إقناعه بذلك ليس بالمسألة العسيرة، فأفراد جماعة الإخوان مجبولون على الطاعة العمياء لقياداتهم، ومن السهل جدا على المرشد حسن البنا أن يقنع السائق بأنها كافرة لأنها ببساطة درزية!، وكذلك صديقتها الحميمة مارى قلادة التى يكفى أنها صديقتها الحميمة، وأنها لا تنتمى إلى من يتوجب أن تعصم دماؤهم، والواقع أن صورة الدروز ليست قاتمة وليست محتاجة إلى مزيد من التقتيم فى ذهن ذلك السائق، ولا هى كذلك فى ذهن الكثيرين من جماعة الإخوان وحدهم، ولكنها مشوهة لدى غالبية المسلمين خاصة أهل السنة والجماعة، ومما ساعد على ذلك أن الدروز رغم إيمانهم بالله ورسوله وملائكته وكتبه وإقامتهم للصلاة والصوم والتزامهم بالزكاة والحج وإيمانهم بالقدر خيره وشره، رغم ذلك فهم يفسرون القرآن الكريم تفسيرا خاصا بهم مستمدا من كتاب لهم هو كتاب «رسائل الحكمة» الذى ألفه حمزة بن على، أحد المقربين إلى الحاكم بأمر الله ثالث الخلفاء الفاطميين فى مصر الذى يعتبر الدروز أنفسهم أتباعا له، وبمقتضى تعاليم حمزة انشق الدروز عن الفرقة الإسماعيلية وأصبحوا طائفة قائمة بذاتها لها أحكامها المذهبية الخاصة التى تعترف بها بعض الدول التى يعيشون بها مثل سوريا ولبنان وإسرائيل، ومن هذه الأحكام أنهم يوجبون العدل بين الأزواج وبناء على ذلك يحظرون تعدد الزوجات!، ويفرضون على كل زوج مناصفة الآخر فى ملكيته!!، فإن طلب أى من الزوجين الطلاق دون موجب شرعى كان للآخر الحق فى نصف ملكيته!! (وهو ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية المعتبرة عند باقى الفرق والطوائف الإسلامية، وبوجه خاص عند أهل السنة والجماعة، الذين تحفل كتاباتهم وفتاواهم خاصة المتشددين منهم بتقديم صورة منفرة شديدة التنفير للدروز لا تقف عند حد تكفيرهم بل تتجاوز ذلك إلى تكفير كل من لا يكفرهم أومن يشك مجرد الشك فى كفرهم!، ويذهب بعض المتطرفين الإسلاميين إلى أنهم لاهم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم كفرة ضالون: فلا يباح أكل طعامهم، وتسبى نساؤهم، وتؤخذ أموالهم، وهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم، ويتوجب قتلهم أينما ثقفوا، ولعنهم كلما وصفوا، ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة، كما يتوجب بوجه خاص قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم، كما يحرم النوم معهم فى بيوتهم، وتحرم رفقتهم والمشى معهم وتشييع جنازاتهم إذا ما جرى العلم بموت واحد منهم، كما يحرم على ولاة أمور المسلمين إضاعة ما أمر الله من إقامة الحدود عليهم بأى شىء يراه المقيم لا المقام عليه. .. نعتذر للقارئ الكريم عن هذا الاستطراد الذى قادنا إليه ما يراه المتشددون الإسلاميون فى موقف الإسلام (الصحيح من وجهة نظرهم!) من الطائفة الدرزية التى كانت تنتمى إليها الفنانة الراحلة أسمهان (وكذلك شقيقها الفنان الكبير الراحل فريد الأطرش!! جنبا إلى جنب مع الكثيرين من رموز الفكر والفن والثقافة فى العالم العربى)، وأيا ما كان السبب فى مصرع أسمهان، وسواء صحت رواية الأستاذ ثروت الخرباوى أو لم تصح، فإن من المؤكد أن رحيلها المبكر قد أفقد ساحة الغناء العربى صوتا قلما يجود الزمان بمثله.