في حدثَيْن تاريخيَّيْن.. "العالم الإسلامي" تنشر منهجية الاعتدال وتقدِّم نموذجًا للتواصل الحضاري

السعودية

بوابة الفجر

في أقل من 30 يومًا تمكنت رابطة العالم الإسلامي من وضع بصمتَين رائعتَين، تركتا أصداء عالمية، خاصة في تقديمها الرؤية الريادية الجديدة للرابطة. وكانت الأولى في 16 سبتمبر 2017م عندما أطلقت، بحضور 450 عالمًا ومفكرًا من 56 دولة، (مؤتمر التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي). وبعدها بأيام قلائل تحدث الإعلام العالمي عن لقاء تاريخي، تم بين أمينها العام وبابا الفاتيكان، أثمر التوصل لتكوين لجنة اتصال دائمة بين الفاتيكان ممثلاً بالمجلس البابوي، والرابطة ممثلة للعالم الإسلامي. ومن المنتظر أن يقدم ذلك مساحة أوسع لتعزيز صورة الإسلام المتسامح وقيمه النبيلة، ويتصدى لكل الدعاوى الباطلة التي تربط الإسلام بالتطرف زورًا وبهتانًا. حسب صحيفة "سبق"

* صورة أعمق للتواصل الحضاري الإنساني
استطاعت رابطة العالم الإسلامي أن تواصل تقديم النموذج الجديد من هويتها في تعزيز قيم التسامح، وإبراز صورة الإسلام من خلال تنظيم واحد من أهم المؤتمرات العالمية خلال العقود العشرة الأخيرة على الأقل؛ إذ نظم بشكل غير مسبوق، وفي وقت قياسي، وضم قرابة 500 بين عالم ومفكر من أكثر من 56 دولة، بمشاركة كبرى المؤسسات الفكرية والثقافية الإسلامية والأمريكية.


وفي هذا المؤتمر (مؤتمر التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي) دحضت الرابطة زيف (نظرية صدام الحضارات)؛ إذ كشف أمينها العام معالي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى في كلمته الافتتاحية خطأ تلك النظرية مستشهدًا بالعلاقة الحضارية المتميزة والتواصل الحضاري بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية، ومؤكدًا أن تلك النظرية بنيت على إثارة نعرة الكراهية والعنصرية.


هذا المؤتمر خلص إلى توصيات غير مسبوقة في أي ملتقى مماثل، تبناها 450 عالمًا ومفكرًا، من أبرزها وضع استراتيجية لتفعيل التواصل الحضاري والثقافي، وإشاعة روح التسامح والمساواة بين الشعوب، وتكثيف اللقاءات الإسلامية مع الحضارات الأخرى لدراسة المسائل العالقة، وتشكيل مفاهيم مشتركة حولها، والتحرر من مؤثرات الصراع الخارجي، وإنشاء منتدى التواصل الحضاري الإسلامي الأمريكي لتعزيز التواصل الفكري والثقافي والعلمي بين الشعوب الإسلامية والشعب الأمريكي، وتعميق الروابط الحضارية بين البلدين، وكذلك توجيه وسائل الإعلام إلى الإسهام في نشر ثقافة السلام والتفاهم، والتحلي بالمصداقية والموضوعية، وعدم الترويج لثقافة العنف والكراهية، والتوقف عن إنتاج مواد إعلامية تؤجج الصراعات الدينية والطائفية.

* مكتسبات عميقة
لقد ترك المؤتمر أصداء كبيرة جدًّا على المستوى العالمي، وحظي بمشاركة منظمة الأمم المتحدة، ونتج منه إجماع من الأطياف الإنسانية كافة على الرؤية الجديدة التي تقدمها رابطة العالم الإسلامي منطلقة من تعاليم الإسلام السمحة.


كما حققت الرابطة حضورًا مميزًا في سجل أهدافها من خلال هذا المؤتمر. ولعل مما يلخص ذلك ما قاله الأمين العام للمجلس العالمي لقادة الأديان في الأمم المتحدة ياوا جاين: "المملكة العربية السعودية أكثر دولة تحرص على مصلحة المسلمين في شتى بقاع الأرض".


وقريب من ذلك ما أشاد به الأمين العام لمجلس الأديان العالمي من أجل السلام وليام فندلي في كلمة له: "التعاون الذي يربط مجلس الأديان بالرابطة يجعلني فخورًا بمثل هذه العلاقة الوثيقة بين المؤسستين. وآمل أن يستمر التنسيق بين الأطراف كافة من أجل ترسيخ السلام في العالم".

* لقاء تاريخي ولجنة دائمة للتواصل
أما الحدث الثاني فائق الأهمية، الذي يعد تاريخيًّا، فقد كان استقبال الهولينس البابا فرانسيسكو بابا الفاتيكان معالي الأمين العام للرابطة الشيخ الدكتور محمد العيسى في زيارة رسمية لمعاليه لدولة الفاتيكان والعاصمة الإيطالية روما، وذلك بعد أيام فقط على توصيات مؤتمر التواصل الحضاري في نيويورك.


هذا اللقاء تضمن تبادل وجهات النظر حول أهمية التوسع في دعم المواضيع ذات الاهتمام المشترك، التي تصب في صالح السلام والوئام العالمي، وخصوصًا التعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي في قضايا السلام والتعايش ونشر المحبة.


العالمون ببواطن الأمور ثمنوا للرابطة هذا الحدث، خاصة في ظل مواقف بابا الفاتيكان مؤخرًا المنصفة للدين الإسلامي الحنيف؛ إذ رد البابا الدعاوى الباطلة التي تربط العنف والتطرف بالإسلام. كما أن من أبرز ما كان في اللقاء الاتفاق على تكوين لجنة اتصال دائمة بين الفاتيكان ممثلاً بالمجلس البابوي، والرابطة؛ وذلك لبحث عدد من المبادرات.

* مفهوم جديد لرسالة الرابطة
ومن المؤكد أن رابطة العالم الإسلامي برؤيتها الجديدة تعزز مكانتها بتاريخها وبعنوانها العريض والبارز؛ إذ تستهدف الرؤية الجديدة مواجهة آليات التحريض، ورفض إشعال العاطفة الدينية، وإيقاف خطاب التعبئة، والتوجه لتعزيز الخطاب الوسطي لمواجهة محاولات إلصاق الإرهاب بالإسلام والمسلمين.


واتجهت في سبيل ذلك أيضًا لتوعية الجاليات الإسلامية في جميع أنحاء العالم، وخصوصًا في أوروبا المتضررة من موجة الإرهاب؛ لتقديم الوعي الديني، بل تقديم وعي قانوني للجاليات، وألا تتجاوز القوانين، وتحترم البلد المضيف، وليس عليها أن تطالب بخصوصية دينية إلا عن طريق الأدوات القانونية.


هذه الرؤية يلخصها د. العيسى بقوله: رابطة العالم الإسلامي تهدف من خلال رسالتها المتجددة إلى تعزيز التواصل الحضاري بين الشعوب بما يحقق المزيد من التعايش والتسامح والتعاون الإنساني والأخلاقي. الرابطة ستستمر في برامجها لتعزيز الوعي الإسلامي لدى الجاليات المسلمة القائم على الوعي الحضاري، وخصوصًا التشديد على ثقافة الاندماج الإيجابي، ووفاء وصدق المواطنة، واحترام الدساتير والقوانين التي تحكمهم، وأن هذا لا يتعارض من حيث المبدأ مع هويتهم الدينية، ومن وجد غير ذلك فإن عليه مغادرة الدولة التي لا ينسجم مع دستورها وقانونها لأي سبب من الأسباب كان عدم انسجامه.

* تأكيد الدور الريادي للمملكة
وفي كل تلك المسارات كان من أهم أدوار رابطة العالم الإسلامي التشديد على أهمية الدور السعودي، وما تحظى به السعودية من سمعة إسلامية ودولية وتأثير إقليمي ودولي مستحق، ودورها في تخفيف التوترات ومنع الصراعات.


وفي سبيل ذلك لم تكد تتوقف الجولات التي قام بها أمين الرابطة معالي الدكتور محمد العيسى في أبرز دول العالم المؤثرة؛ مما رفع الثقل الإسلامي للرابطة دوليًّا؛ لما تقدمه من إرشادات وتوعية للجاليات بحكم اختصاص الرابطة المنسجم مع هدي الشرع ومنطق العقل.


ولعل من الشواهد ما كان عند لقاء معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى بنائب وزير الخارجية الإيطالي فينشينسو أميندولا؛ إذ قال الأخير: "الحكومة الإيطالية تسعى إلى فتح آفاق جديدة من التعاون بينها وبين العالم الإسلامي، عبر الجهات التي تسلك منهج الوسطية والاعتدال والتوازن في جميع شؤونها؛ للاستفادة من تجاربها في مجال التواصل والتعايش السلمي الذي يُعد الحل الأمثل لجميع مشكلات وأزمات بعض الأقليات المسلمة في جميع أنحاء العالم". منوها بدور الرابطة وأهميته.

* قيادة جديدة
لقد ترك حراك الرابطة الأخير الكثير من الأصداء التي أكدت فاعلية المنهجية الجديدة.
حول ذلك يدلل الكاتب بمجلة Tabletmag الأمريكية آرمين روسن على قوة منهج الاعتدال في السعودية بإشارته إلى المؤتمر الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي في نيويورك تحت عنوان "التواصل الحضاري بـيـن الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي"؛ إذ أُتيحت الفرصة لممثلي المؤسسات الدينية العالمية للتعبير عن أفكارهم حول العلاقات المشتركة، وتأكيد التزامهم بالتعاون مع الدول الإسلامية.


كما أفرد موقع المجلة الأمريكية مساحة واسعة للحديث عن الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، ووصفه بأنه يقود "واحدًا من أهم أسلحة الرياض في نطاق القوة الناعمة"، تعمل على نشر منهج السعودية في جميع أنحاء العالم الإسلامي. كما ركز الموقع الأمريكي على أهمية لقاء د. العيسى مع بابا الفاتيكان فرانسيس، والأثر الإيجابي لهذا اللقاء على تطوير العلاقات بين العالم الإسلامي وبقية دول العالم.


من جهته، يثمن سفير خادم الحرمين الشريفين بجمهورية إندونيسيا أسامة بن محمد الشعيبي جهود الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي د. محمد بن عبد الكريم العيسى للنهوض برابطة العالم الإسلامي، إلى جانب سعيه لتعزيز مفاهيم وسطية الإسلام، ونشر قيم التسامح والمحبة والإخاء، والتشديد على دور العلماء في ترسيخ تلك القيم المترسخة في وعي الاعتدال الإسلامي ومحاربة الغلو والتطرف.


هذا، فيما قال رئيس المؤسسة الأزهرية التعليمية الدكتور جلمي صديق: نحن نثق بقيادة د. العيسى للرابطة؛ إذ تستطيع الأمة الإسلامية أن تنمو وتتطور على أيدي الرابطة بمفهومها الجديد، ورسالتها الجديدة، ورؤيتها الجديدة والمستنيرة. ونحن متفائلون - بإذن الله - بأننا سننجح بالتعاون مع هذه الرؤية المتجددة لرابطة العالم الإسلامي. الأمين العام الجديد لرابطة العالم الإسلامي يحمل رسالة ورؤية جديدة لمواجهة قضايا العالم المعاصر متسلحًا بالشفافية وقوة الحركة لإيصال تلك الرسائل، وزيادة دور الرابطة الريادي.

* مفهوم للإنسانية جمعاء
أما النائب الفرنسي نائب رئيس لجنة المشرق في البرلمان الأوروبي جيل بارنيو فامتدح دور أمين رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى في إطلاق الحوار المعطل في أوروبا والعالم الإسلامي على خلفية الحوار الدائر في المؤتمر، الذي عقد في مبنى الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، والمحاضرة التي ألقاها العيسى على الحضور السياسي والبرلماني والديني والفكري في المؤتمر.


لقد أسفر – بفضل الله - الحراك الكبير للرابطة خلال أقل من نصف عام - كما يقول المتابعون - عن تحقيق نقلة هائلة من خلال كونه استخدم منهجية خلاقة، يفهمها الآخرون، ولها قدرة على إحداث الأثر الإيجابي المطلوب، وتوظيف السلوك الحضاري القادر على تجسيد السلم والتعايش والتعاون والمحبة، وكذلك فقه المعاصرة الذي يجسد تسامح الإسلام وقيمه الفاضلة.


ولعل مما يعكس ذلك تشديد الأمين العام على أن "رابطة العالم الإسلامي لا تحمل هموم العالم الإسلامي فحسب، إنما تحمل هم الإنسانية جمعاء؛ فرسالة الإسلام إنسانية عالمية، تسعى فيما تسعى إليه للدفاع عن الحقوق والحريات بالأساليب المشروعة، كما تحرص على تطبيق المواثيق العادلة التي قررتها المواثيق والاتفاقات والصكوك والمبادئ والأعراف الدولية" مستدلاً بقول النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".