منال لاشين تكتب: مصر فى مصيدة الديون
■ «موديز» وأخواتها تحذر من تآكل أى إصلاح بسبب عبء الدين
■ والسؤال الأخطر: أين ذهبت هذه المليارات؟
■ الدين الخارجى يقترب من 85 مليار دولار
■ بنوك ومؤسسات عامة أصابتها عدوى الاقتراض من الخارج ولا تدخل ضمن الديون الخارجية
الحب غواية والسهر غواية والجمال غواية والدين أيضا له غوايته وجاذبيته. حكومتنا وبنكنا المركزى وقعا فى مصيدة هذه الغواية. نسوا إن الدين هم بالليل وذل بالنهار، وراحوا يشربون من كأس الدين حتى الثمالة. والدين كالخمر يسكر العقل ويذهب بالتفكير. يخيل لك هلاوس. على رأسها أن الدين يثبت وأن فى الطريق الصحيح وأنك وضعك قوى، ولذلك يسعى إليك الدائنون. وهذه نظرية صحيحة ولكننا اسأنا استخدامها، فقد تحولت الاستدانة إلى هدف بدلا من العمل لكسب فلوس حقيقية وليست ديونا.
1
الدفعة الجديدة
أثناء إعداد مؤسسة «موديز» العالمية لتقريرها حول الاقتصاد المصرى أعلنت وزارة المالية أنها ستطرح سندات جديدة بعشرة مليارات دولار، ولم تكن موديز فى حاجة لهذه المعلومة لتشير إلى الديون، بحسب التقرير الأخير فإن من أكثر السلبيات المؤثرة على الوضع الاقتصادى هو تزايد وتيرة الديون خاصة الخارجية. ولهذا أبقت موديز على تقييمها المنخفض لمصر على الرغم من اعترافها بتحقيق إيجابيات اقتصادية.
فالدين خاصة الخارجى بهذا الشكل يشكل أكبر عبء على الموازنة وعلى خطط الإصلاح.
وبعد إعلان وزير المالية فإن الدين الخارجى قد يصل العام القادم إلى 85 مليار دولار بعد إضافة السندات الجديدة وأقساط كل من صندوق النقد والبنكين الدولى والإفريقى للاستثمار. ولأن محافظ البنك المركزى طارق عامر استشعر أن حجم المديونية بعد السندات الجديدة مرعب. فقد أدلى بتصريح موحٍ. قال محافظ البنك المركزى طارق عامر إن مصر ستسدد للصندوق الافريقى للصادرات مبلغ 5 مليارات دولار آخر هذا العام، وأكمل المحافظ وبذلك ستنخفض المديونية الخارجية. وهذا التصريح رغم أهميته إلا أنه لايكفى لمواجهة أزمة الديون خاصة الخارجية.
الديون نوعان: داخلى وخارجى. الدين الداخلى فى ارتفاع مستمر ووصلنا إلى كارثة تاريخية، ومع ذلك يبقى أمر الدين الداخلى أو المحلى هين.. ففى نهاية المطاف المركزى سيتولى طبع المزيد والمزيد من مليارات الجنيهات، وبصرف النظر عن التضخم فإن الوضع لن يكون بسوء أزمة الديون الخارجية. لأن عبء السداد سواء الاقساط والفائدة يكون بالدولار. ولذلك تضطر الحكومة إلى مزيد من الاقتراض لسداد أقساط وفوائد القروض. وبذلك لا تنتهى الدورة الملعونة أو المجنونة للاقتراض.
ويدخل فى تلك الدائرة الاحتياطى النقدى للبنك المركزى، فنحن نحتفل ونحتفى بارتفاع الاحتياطى النقدى لأعلى مستوى، ولكننا نتجاهل أن أكثر من نصف الاحتياطى هو قروض وسندات بالإضافة إلى الأموال الساخنة. وهى الأموال التى يستثمرها الاجانب فى الدين المحلى من خلال سندات وأذون الخرانة. مرة أخرى نلجأ إلى الاقتراض لتغطية عورة أو خطر الاحتياطى النقدى. مرة اخرى ننسى أو بالأحرى نتناسى الحقيقة. ونغرق فى الفخر بأعلى احتياطى تم بناؤه من خلال كل انواع الاقتراض والسلف من كل أنحاء العالم. حتى قرض صندوق النقد الذى هللنا له باعتباره شهادة ميلاد، حتى هذا القرض احتجنا لاقتراض 6 مليارات دولار حتى نحصل عليه.
2
منافسة
فى إطار النظر للقروض كإنجاز، وقعت شخصيات مسئولة كبرى فى فخ المنافسة على جلب قروض. على مستوى الحكومة والبنك المركزى شهدنا منافسة حامية حول القروض. وكان طرفا المنافسة محافظ البنك المركزى طارق عامر ووزيرة الاستثمار والتعاون الدولى سحر نصر. ومن الطبيعى أن تفتخر سحر بالقروض لأنها وزيرة التعاون الدولى وهذا عملها، ولكن أن يصل الامر إلى أن يتباهى المحافظ بتوفير قروض فهذا أمر يحتاج منا إلى اعادة نظر فى عملية الاقتراض وفوائدها وسلبياتها. وسياسة مصر فى الاقتراض.
ومن الحكومة للبنوك والمؤسسات العامة، حيث أصبح الاقتراض من الخارج سمة ووجهة للعديد من هذه المؤسسات العامة، وقروض هذه البنوك والمؤسسات العامة لا تدخل أو تحسب ضمن الدين الخارجى لمصر بحسب القواعد العالمية. وهذه القاعدة فى حد ذاتها سبب فى اندفاع هذه المؤسسات العامة لمزيد من الاقتراض الخارجى. ويكفى للدلالة على هذا الاندفاع أن بنكين عامين يخططان لاقتراض أكثر من 2 مليار دولار. وذلك ضمن سلسلة من الاقتراض من بنوك ومؤسسات دولية بدأت منذ عامين ولا تزال تتوالى.
3
أين تذهب الفلوس؟
ربما يكون السؤال المهم هو: أين تذهب هذه المليارات؟.. بالاضافة إلى مليارات الدولارات من السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، وقناة السويس والتصدير؟..بحسب كل من بيانات الحكومة والمركزى فنحن نحقق طفرات فى كل هذه المجالات الاقتصادية السابقة.. لو تحقق نصف هذه الإنجازات والطفرات والأرقام، لما احتاجت مصر كل هذه القروض التى لا تنقطع. ولذلك فإن السؤال المهم: اين تذهب كل هذه المليارات من الدولارات؟.. إجابة هذا السؤال لا تحمل اتهاما لأى مسئول كبر أو صغر فى الدولة. لان معظم هذه المليارات تنفق على مشروعات قومية. وقد نختلف أو نتفق على أهمية بعض المشروعات القومية أو جدواها الاقتصادية، لكن المؤكد أن كثرة المشروعات القومية تؤثر على زيادة القروض للإنفاق على هذه المشروعات. ولأن معظم هذه المشروعات لا تعطى عائدا الآن فإننا ننفق كثيرا ونقترض كثيرا دون أى تغيير فى الواقع الاقتصادى على ارض الواقع. ولذلك نتوه فى دوامة القروض دون أن تتحسن الاحوال. وهذه بالطبع ليست دعوة إنهاء أو إغلاق ملف المشروعات القومية، ولكن استمرار الإنفاق عليها من القروض أزمة كبرى يجب أن ننتبه اليها جيدا. فإما ان تجتهد الحكومة فى خلق مصادر حقيقية وليس سلف للدولار من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وأما أن نتمهل قليلا فى إنهاء بعض المشروعات القومية ونضع جدولا زمنيا لهذه المشروعات بحسب الاولوية أو الجدوى الاقتصادية لهذه المشروعات. يجب ان نخرج فورا من غواية القروض وخاصة الخارجية. لاننا ندخل فى دوامة شديدة الخطورة وتقف شوكة فى طريق أو عنق أى إصلاحات اقتصادية، فخدمه أقساط وفوائد الديون تلتهم نسبة محترمه من الموازنة. ولذلك يجب ان تنتهى هذه الدوامة الخطيرة. ولم تنته إلا بأمرين..الأول أن تعمل الحكومة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أما الامر الثانى فهو أن تكف الحكومة والمركزى وكل المسئولين عن النظر للقروض كانجاز وشهادة نجاح. يجب أن نشعر بأن زيادة الاقتراض عار وجريمة. عار على الاقتصاد المصرى وجريمة فى حق الأجيال الجديدة. شهادة فشل على سياسات معظم المسئولين فى الدولة. أما حكاية أنها شهادة نجاح فقد أصحبت نكتة سخيفة.. نكتة لا تسبب الضحك وأتمنى ألا يتدهور الامر إلى ان تسبب هذه النكتة البكاء.
مرة ثانية وعاشرة احذورا القروض..