مي سمير تكتب: لماذا يرفض الاتحاد الأوروبى انضمام تركيا؟
أخطر تقرير استخبارات ألمانى
■ أردوغان دشن شبكة تجسس من أئمة المساجد الإسلامية فى ألمانيا
■ عدد المعتقلين سياسيا فى أنقرة حتى الآن 100 ألف بعد تمثيلية الانقلاب
بعنوان «شبكة التجسس التركية فى ألمانيا»، كشفت الدكتورة تيسا سيزكويتز، فى ورقة بحثية، تفاصيل الممارسات الاستخباراتية التركية فى أوروبا، والتى أصبحت تهدد الأحلام التركية بالانضمام للاتحاد الأوروبى، علاوة على تأثيرها المباشر على العلاقات التركية الأوروبية بشكل عام.
صاحبة الورقة البحثية، مؤرخة وصحفية ألمانية كانت تغطى المملكة المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وروسيا على مدى السنوات الـ25 الماضية كمراسلة مطبوعات مختلفة، وقد نشرت الورقة البحثية على موقع المعهد الملكى للخدمات المتحدة، هو مركز أبحاث بريطانى مستقل متخصص فى بحوث الدفاع والأمن، وأشارت من خلال بحثها الذى نشر منتصف هذا العام إلى أن مؤتمر ميونيخ للأمن هو عموما محفل جيد للقاء صانعى القرار فى مجال السياسة الأمنية الدولية.
فى فبراير، كان العمل كالمعتاد: وزير الخارجية البريطانى بوريس جونسون يتشاور مع السيناتور الأمريكى جون ماكين ورئيس أوكرانيا بترو بوروشينكو، فى حين جلس وزير الدفاع البريطانى مايكل فالون إلى جانب نظيره التركى فكرى إيزيك فى اجتماع حول مستقبل حلف الناتو، وما كان مختلفا هذه المرة لم يعرف إلا بعد ذلك: سلم هاكان فيدان، رئيس جهاز الأمن التركى قائمة تضم مجموعة من الأسماء إلى برونو كاهل رئيس وكالة المخابرات الأجنبية فى ألمانيا، وكانت الأسماء من المواطنين الألمان والأتراك فى ألمانيا تعرضوا للتجسس عليهم من قبل المخابرات التركية، وطلب فيدان من كهل تسليم القائمة إلى وكالة الأمن الداخلى فى ألمانيا لاتخاذ المزيد من الإجراءات.
ولا يبدو أن أحدا يعرف على وجه التحديد لماذا رأى رجل المخابرات التركى أنه من الضرورى تقديم قائمة مكتوبة إلى نظيره الألمانى خلال مؤتمر أمنى، ويبدو أنه كان يستعرض نفوذ المخابرات التركية أو يريد من ألمانيا التحرك ضد الأسماء الواردة فى القائمة باعتبارهم معارضين للنظام التركى وحلفاء لحركة جولن التى تعتبرها تركيا منظمة إرهابية، لكن ما يزعج السياسيين الألمان وخبراء الأمن والمواطنين المعنيين حقيقة أن مفهوم الدفاع الوطنى فى تركيا يبدو الآن أنه يشمل التجسس على المواطنين الأتراك والألمان فى دول الاتحاد الأوروبى.
استخدم جهاز المخابرات التركية الأئمة فى المدن الألمانية والمسئولين المحليين فى المنظمة الإسلامية التركية للإبلاغ عن المواطنين الأتراك الذى يعتقد أنهم من أنصار المعارض التركى المقيم فى الولايات المتحدة الأمريكية فتح الله جولن. وقد اتهمت الحكومة التركية الواعظ التركى المقيم فى بنسلفانيا بأنه العقل المدبر وراء محاولة الإطاحة بنظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى صيف عام 2016. وتطلق الحكومة التركية على الحركة التى يقودها جولن اسم «منظمة الإرهاب الجولينية» وتصنفها على أنها منظمة إرهابية منذ عام 2015. وتعكس الفضيحة التى تحيط بشبكة التجسس التركية فى ألمانيا التوتر بين أكبر وأقوى دول الاتحاد الأوروبى وتركيا التى كانت مرشحة للانضمام الى الاتحاد الأوروبى منذ عام 1999، وقد أجرت مفاوضات جارية حول ستة عشر فصلا من قانون الشراكة منذ عام 2005. وبحسب الورقة البحثية، إن فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى تقترب حاليا من الصفر، وقد أدى الاستفتاء الذى أجرى فى 16 إبريل بشأن التعديلات الدستورية إلى ترسيخ التغيرات الاستبدادية فى نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، كان التصويت نفسه ملوثا بتهمة تزوير الأصوات، كان أردوغان قد قام بقمع معارضته لسنوات، لكن قمعه ازداد بشكل ملحوظ منذ محاولة الإطاحة بنظامه الصيف الماضى: تم إلقاء القبض على حوالى 100 ألف شخص من بينهم العديد من الأكاديميين ومدراء المدارس الذين يتهمون بدعم حركة جولن.
وطرحت الورقة البحثية تساؤلاً حول ما إذا كان جولن حقا وراء محاولة القضاء على نظام أردوغان فى تركيا؟ حسب برونو كاهل رئيس وكالة المخابرات الأجنبية فى ألمانيا فإن جولن لا يقف وراء هذه المحاولة. وفى مقابلة مع مجلة دير شبيجل الإخبارية فى مارس 2017، ذكر أنه لم يكن مقتنعا بأن جولن كان وراء محاولة الانقلاب. كما ذكرت لجنة الشئون الخارجية فى برلمان المملكة المتحدة: (فى حين أن بعض الأفراد الذين شاركوا فى الانقلاب قد يكونون ينتمون إلى حركة جولن، نظرا للعدد الكبير من أنصار ومنظمات جولن فى تركيا، فإنه لا يتبع بالضرورة أن أنصار هذه الحركة كانوا مسئولين عن الانقلاب أو أن قياداتهم دعت إلى مثل هذا التحرك من أجل القضاء على نظام أردوغان).
ما يثير قلق السلطات الألمانية والنمساوية هو حقيقة أن الأفراد المقيمين فى هذه الدول الأوروبية تعرضوا للتجسس عليهم وتم التسجيل لهم أثناء انتقاد أردوغان ويواجهون خطر الاعتقال عند سفرهم إلى تركيا. فى هذا الإطار صرح بيتر بيلز فى مقابلة مع الباحثة الألمانية قائلا: (علينا حماية أتراكنا). بيتر بيلز هو سياسى من الحزب الأخضر النمساوى، هو المسئول عن محفظة الأمن الأخضر، وقد بحث منذ فترة طويلة فى ظاهرة أطلق عليهما اسم «ستاسى التركى» وهو تعبير يشير إلى فاشية النظام التركى.
ويرفض المسئولون الأوروبيون الممارسات التركية الاستخباراتية التى تعنى أن دردشة شخص ما خلال زيارة مصفف الشعر فى النمسا أو ألمانيا يتم الإبلاغ عنها من قبل أحد مخبرى أردوغان وعند سفر هذا الشخص إلى تركيا بعد بضعة أشهر يتم القبض عليه فى المطار لكونه مؤيداً ومشجعاً أو داعماً لحركة جولن. ويزعم بيلز انه يعرف حتى الآن حوالى 15 عملية اعتقال وقعت وفقا لهذا السيناريو. حسب السياسى النمساوى فإن جهاز المخابرات التركى لديه ما يقرب من 200 مخبر فى النمسا.. ويضيف: إن شبكة الجواسيس الأتراك فى أوروبا هى ثانى أكبر شبكة بعد شبكة الجواسيس الروس الأكثر تشددا وانتشاراً.
كان لكل من ألمانيا والنمسا أقليات تركية كبيرة منذ سياسة جاستاربيتر (العمال الضيوف) فى الستينيات والسبعينيات، عندما تمت دعوة المواطنين الأتراك للقدوم والانضمام إلى قوة العمل، وكان لدى الحكومتين الألمانية والنمساوية أيضا اتفاقات (أنويربيبكومن) مع بلدان أخرى، مثل إيطاليا وإسبانيا.
بدأت ألمانيا الآن ثلاثة تحقيقات من أجل معرفة حجم شبكة تجسس أردوغان فى ألمانيا. ركز التحقيق الأول والثانى على الأئمة والمسئولين فى المنظمة الإسلامية التركية فى ألمانيا والذين تجسسوا على الأفراد الأتراك. وركز التحقيق الثالث على هاليف كيسكين، وهو مسئول رفيع المستوى فى المنظمة الدينية التركية ديانيت. وقد دعت ديانيت على ما يبدو المكاتب الدبلوماسية التركية فى جميع أنحاء العالم لجمع وإرسال معلومات عن حركة جولن ومؤيديها. وفقا لبيلز، فإن المخابرات التركية تعمل فى الغالب فى ألمانيا والنمسا وبلجيكا وفرنسا وهى البلدان التى لديها أقليات تركية كبيرة. لكنه يزعم أنه شاهد أيضا وثائق تشير إلى أن المخابرات التركية قد أصدرت تعليمات إلى مسئوليها فى السفارة فى لندن للتجسس على زملائهم الأتراك فى المملكة المتحدة أيضا. ويقول بيلز إن جهاز المخابرات التركى قد أدرج فى وثيقة واحدة جميع المؤسسات التى تنتقد سياسات أردوغان ووصفها بأنها أدوات دعائية ضد تركيا. وتشمل هذه المؤسسات المتهمة بالتآمر على أردوغان المراكز التعليمية والمساجد فى لندن وغيرها من المدن البريطانية.
ولكن لا أحد فى أوروبا يواجه صعوبات وضغوطًا سياسية بسبب شبكة تجسس أردوغان أكثر من أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، التى تواجه انتخابات وطنية فى 24 سبتمبر. أحد أركان إدارتها الحالية هو الاتفاق مع تركيا بشأن معظم اللاجئين السوريين الهاربين من بلدهم الذى مزقته الحرب إلى أوروبا.
وتوسطت ميركل فى الاتفاق بعد أن قبلت ألمانيا مليون لاجئ فى عام 2015، وازداد الضغط على ميركل بسبب سياستها التى عرفت بالباب المفتوح. فى مقابل 3 مليارات يورو من المساعدات ووحدة من اللاجئين المسجلين لتوزيعها داخل الاتحاد الأوروبى، وافق أردوغان على إبقاء ثلاثة ملايين لاجئ فى تركيا ومنعهم من خوض المغامرة غير المأمونة بالسفر عبر القارب إلى اليونان.
وقد تمت إعادة توطين 5،700 لاجئ فقط من تركيا إلى الاتحاد الأوروبى منذ توقيع الاتفاق فى مارس 2016. معظم دول الاتحاد الأوروبى، بما فى ذلك المملكة المتحدة، أبقت أبوابها عمليا مغلقة، ما دفع تركيا إلى النظر فى تمزيق الصفقة مع الاتحاد الأوروبى. وقد أبقت ميركل حتى الآن على فتح قناة الاتصال بين برلين وأنقرة.
وبما أن تركيا هى أيضا شريك فى حلف شمال الأطلسى وتقع فى موقع جغرافى حاسم بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فإن الغرب لا يستطيع تحمل انهيار العلاقات مع الرئيس التركى السلطوى المتزايد.