ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في العيد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم... العيد على الأبواب ـ كما يقولون ـ والأعياد في حياة المسلمين لها معنىً خاص غير المعنى الذي عند أهل الدنيا، فلو دققتم في الأعياد الإسلامية لوجدتموها تأتي عقِب عبادة ؛ عقب الصيام، وعقب الحج، إذاً ومن سمات العيد الفرح، فما الموضوع الذي ينبغي أن يُفْرِحنا في العيد، عامَّة الناس يفرحهم العطلة، وأكل الثريد، ولبس الجديد، والزيارات، واللقاءات، والسهرات، والحفلات، هذا الذي يفرح عامة الناس، لكن لو أردنا المعنى الإسلامي للعيد الحقيقة الإنسان حينما يؤدي عبادة كبرى من عبادات الإسلام، ويوفَّق إلى أدائها، وإلى قطف ثمارها، وإلى تحقيق الغاية منها، ينبغي أن يفرح، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴾فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴿
( سورة يونس: من آية " 58 " )
وأنا أقول لكم دائماً: قل لي ما الذي يفرحك أقل لك مَن أنت ؛ ما الذي يفرحك ؟ يفرحك قبض المال ؟ أنت من أهل الدنيا، تفرحك المراتب العليا، أنت من أهل الدنيا، لن تكون من أهل الله، ولا من المؤمنين الصادقين، ولا من المتقين إلا إذا كان موضوع فرحك متعلِّقاً بالآخرة، والدليل.
﴾تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴿
( سورة القصص )
إذاً الحقيقة العيد أصبح كما يسمونه بالعصر الحديث (فلكلور) أو عادات متوارثة، تجد الإنسان غير صائم ولكنه يعيد، ويأتي بحلوى على البيت، ويعمل زيارات، ويلبس ثياب جديدة وهو ما صام رمضان إطلاقاً، الصيام كله لا يقتنع به ومع ذلك يمارس الطقوس التي يمارسها الناس في العيد، فنحن كمسلمين، كمؤمنين، كطلاَّب عِلم ينبغي أن نفهم معنى الفرح في العيد. الحقيقة كما قال عليه الصلاة والسلام
(( للصائم فرحتان فرحةٌ يوم يفطر وفرحةٌ يوم يلقي الله ))
( من الجامع لاحكام القرآن )
يوم يفطر بماذا فرح، أنه انتهى قيد الصيام ؟ لا، الصيام محبَّب، لكنه فرح أن الله سبحانه وتعالى وفَّقه لأداء هذه العبادة، فرح أن الله سبحانه وتعالى أكرمه بصيامٍ وقيام، أكرمه بأنه لزم بيوت الله عزَّ وجل في رمضان، إذاً أول شيء: العيد في الإسلام يأتي عقب عبادةٍ كبيرة، وإذا كان في العيد فرح فهو فرحٌ لأداء هذه العبادة، والنبي عليه الصلاة والسلام ربما استنبط هذا من قول الله تعالى:
﴾ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)﴿
(سورة البقرة )
والشكر دائماً يأتي بعد العطاء، معنى ذلك أن الله عزَّ وجل أكرمكم بصيام رمضان، وأكرمكم بقيامه، وأكرمكم بمعرفته والإقبال عليه، شعرتم أنكم في نعمةٍ كبرى، عندئذٍ كبَّرتم..
﴾ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)﴿
العيد كله مأخوذٌ من هذه الآية:
﴾ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)﴿
هذا هو المعنى الإسلامي في العيد، يأتي بعد عبادةٍ، وبعد توفيق الله في أداء العبادة، وبعد أداء العبادة كما أراد الله عزَّ وجل، إذاً هناك شعور بالإنجاز، شعور بالتفوق، بعدئذٍ يأتي العيد ليكون تعبيراً عن نجاح الإنسان في عبادته.
لاحظ الطلاَّب لهم أعياد خاصة، فعندما يقدم بكالورية، ويأخذ مائتين وعشرة، يمضي جمعة وكأنه يمشي فوق الأرض، وإذا دخل جامعة، ونجح من أول دورة، وما كان حامل أي مادة ـ طلع ذكر وليس أنثى ـ ما كان حامل يحس بفرح، هذا عيده الحقيقي بالنسبة له طبعاً. المسلم عيده الحقيقي إذا وفِّق في صيام رمضان، أنا أضرب مثل من واقع الطلاب، لما ينجح بتفوق، قد يُبَلَّغ بالنتيجة في سبعة عشرة آب، ثمانية عشر أيلول يبلَّغ النتيجة، ثمانية عشر أيلول هو عيد الطالب، طبعاً لما يبلغ النتيجة، يبلغ أهله، يأتي المهنئون، يعمل ولائم أحياناً، يعمل نزهة، يعبِّر عن فرحه، هذا الحقيقة، فقل لي ما الذي يفرحك أقل لك مَن أنت، المؤمن يفرح بطاعة الله، وأهل الدنيا يفرحون بالدنيا.
في معنى دقيق أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني إلى توضيحه، العظيم عطاؤه لا ينقطع، فإذا أعطى عطاءً منقطعاً لا يسمى هذا عطاء، فإذا فرحت بشيء ينتهي عند الموت، هذا فرح ليس صحيحاً، ليس فرحاً حقيقياً، لأن الإله العظيم إذا أعطى أدهش، عطاؤه إلى أبد الآبدين، واحد يقول لك: خذ اركب بالسيارة ربع ساعة فقط، هذا ليس إكراماً، أما إذا قدِّمت لك هدية على طول، هذه هي الهدية، أما ربع ساعة ليس هذا عطاءً، والدنيا كلها لا تزيد عن ساعة..
﴾ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴿
( سورة المؤمنين )
في آية ثانية:
﴾ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ ﴿
( سورة يونس: من آية " 45 " )
الدنيا كلها ساعة، إذاً حينما تفرح بالدنيا فأنت لا تعرف الله، والنبي الكريم يقول في بعض خطبه:
(( من عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء ))
أنا أعتقد الأخ المؤمن إذا صلَّى وخشع في صلاته، أو انهمرت دموعه في صلاته، يشعر بفرحٍ كبير، إذا ذهب إلى الحج أثناء الطواف شعر بالخشوع، هذا طواف الحمد لله، دخل في طاعة، أثناء الطواف شعر بخشوع، هذا هو الطواف الحمد لله، دخل في طاعة، أثناء السعي شعر بخشوع، في عرفات انهمرت دموعه غزيرةً، شعر بالإقبال على الله، هذا هو الفرح، فرحه بطاعة الله عزَّ وجل.
فنحن لسنا كعامة الناس ؛ نفرح بلبس الجديد، وأكل الثريد، وأن نفعل ما نريد، ففرح المؤمنين في العيد لأن الله سبحانه وتعالى وفَّقهم فصاموا رمضان، صاموا نهاره وقاموا ليله، وقفزوا ـ إن صح التعبير ـ قفزةً نوعيةً في معرفة الله وفي الإقبال عليه.
* * * * *
ماذا كان يفعل النبي في الأعياد ؟ أولاً صلاة العيدين...
كان عليه الصلاة والسلام يلبس أجمل ثيابه في العيد. الأصول والكمال أن الإنسان يرتدي ثياب في العيد جديدة، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام من سنته أو أنه كان إذا حضر الوفود، أو كان يوم الجمعة ارتدى أجمل ثيابه، وكان عليَّة قومه يفعلون ذلك، كثير نلاحظ إخوان مؤمنين طيبين كثير، ومستقيمين لكن لا يهتمون بمظهرهم، فما السبب ؟! أنت تمثِّل دين، الآن سفير دولة مظهره الخارجي من حقه أم من حق دولته ؟ غير معقول، مرَّة رئيس وزارة ذهب لبلد غربي متقدِّم جداً بثياب العمل، ما استقبله رئيس الجمهورية، هذه إهانة للرئيس. فالنبي عليه الصلاة والسلام يرتدي أجمل ثيابه في العيد، والأكمل يوم الجمعة، والأكمل إذا في لقاءات، إذا في زيارات، أنت عند الناس مؤمن، أنت تمثِّل هذا الدين، فالعناية بالمنظر هذا من السنة، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:
(( أصلحوا رحالكم وحسِّنوا لباسكم حتى تكونوا شامةً بين الناس ))
أما مؤمن أثناء العمل لو لبس ثياب مبتذلة، هذا الشيء مما يرفع مقامه عند الله، المتبذِّل في ثيابه في العمل معنى هذا متواضع، كل إنسان له عمل، وفي ثياب خاصة بالعمل، فأول شيء بالسنة أنه كان عليه الصلاة والسلام يلبس أحسن ثيابه في كل عيد.
وعن الحسن السبط ـ أي ابن ابنته ـ قال:
(( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجده، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي باثمن ما نجد ))
( رواه الحاكم وفيه إسحاق بن برزخ )
وكان صلى الله عليه وسلَّم يلبس لهما ـ للعيدين ـ أجمل ثيابه، وكان له حُلَّةٌ يلبسها للعيدين والجمعة ـ خاصَّة ـ أخ من إخواننا من مدة كان جالس هنا قال لي: ما حكم من يأتي إلى الجامع بالبيجاما ؟ والله معه حق، ملاحظة والله يجب أن تقال، ولو كان جار المسجد، هذا شيء يعبِّر عن استخفافه بهذا المقام وهذا البيت، فارتداء ثياب مقبولة، أنيقة، أنا أقول مقبولة حتى لا يكون هناك تكلُّف.
من السنة أيضاً الأكل قبل الخروج للفطر دون الأضحى، يسنُّ أكل تمرات وتراً قبل الحروج إلى الصلاة في عيد الفطر، يجب أن تأكل شيئاً قبل أن تذهب، لأن اليوم عيد، وأنت فطرت، فينبغي أن يكون هناك مظهر للفطر، هو أن تأكل، فإذا أكل الإنسان شيئاً قبل الصلاة هذا من السنة، أيمكن بدلاً منها قطعة من المعمول ؟ معمولة ماشي الحال، تمرة، معمولة، سكَّرة، أي شيء، كأس شراب، يسن أكل تمراتٍ وتراً قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر، وتأخير ذلك في عيد الأضحى، بالعكس، السنة أن تأكل بعد الصلاة في عيد الأضحى، وأن تأكل قبل الصلاة في عيد الفطر.
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال
((كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمراتٍ ويأكلهن وتراً ))
أي إما واحدة، أو ثلاثة، أو خمساً، وأنت طالع.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع، هذه السنة ؛ بالأضحى بعد أن تعود، بالفطر قبل أن تذهب. إذاً ارتداء أجمل الثياب، ثم أن تأكل شيئاً قبل أن تذهب للصلاة.
وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب أن الناس كانوا يؤمرون بالأكل قبل الغدو يوم الفطر. لأنك أنت اليوم أفطرت، فإذا بقيت صائم معنى هذا أنك لم تبالِ بالعيد.
وقال ابن قدامة: لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر اختلافاً، تعجيل الأكل قبل الفطر هذا شيءٌ مُجْمَعٌ عليه.
* * * * *
الآن، الخروج إلى المصلى...
سألني البارحة إنسان بعد الخطبة يوم الجمعة، قال لي: ما حكمة الصلاة في المصلَّى يوم العيد ؟ سؤال، قلت له: في الإسلام مصلَّى، هو مسجد صغير جداً في الأحياء الصغيرة، هذا المصلَّى تؤدَّى فيه الصلوات الخمس، ممكن بأي بناية تجارية غرفة مصلَّى، في عندنا بالحلالات مصلى، هل فيه خطبة ؟ ما فيه خطبة هو فقط مصلى، في السليمانية بالحريقة مصلى صغير ليس هناك خطيب، ولا خطبة، إلا أن التجار يؤدون الصلوات الخمس في هذا المصلى، هذا اسمه مصلى.
وفي عندنا مسجد، هذا المسجد تقام فيه الصلوات الخمس وخطبة الجمعة، هذا تابع للحي، لكن في عندنا حكم فقهي دقيق جداً، لو فرضنا أحد أحياء دمشق فيه أربع مساجد، وأحد هذه المساجد يتَّسع لأبناء الحي جميعاً، يجب الصلاة في مسجدٍ واحد، من أجل ماذا ؟ من أجل اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، ووحدة التوجيه، لكن هذا الشيء في الشام غير واقع، لأن استيعاب جميع المساجد مجتمعةً، لا تستطيع أن تستوعب إلا خُمس سكان دمشق، الآن اجمع كل الجوامع تقريباً ثلاثمائة جامع في دمشق، لو كل واحد فيه ألف شخص، ثلاثمائة ألف، ألفين، ستمائة ألف ثلاث آلاف، تسعمائة ألف، ثلاثة آلاف وخمسمائة، مليون، الشام فيها خمس ملايين، خمسة في المساء فقط، في النهار ستة، دمشق، معنى هذا أن كل المساجد أقل من أن تستوعب أبناء دمشق، إذاً الصلاة صحيحةٌ يوم الجمعة في كل مساجد دمشق.
أما لو تصورنا قرية ـ مثال أوضح ـ فيها ثلاثة مساجد ؛ واحد قبلي، وواحد شرقي، وواحد غربي، وفي أحد هذه المساجد يتسع لسكان القرية جميعاً، فلا تصح الصلاة إلا في واحد، هذا الذي قالوا عنه: الجمعة لمَن سبق، هذا الذي يدعو بعض الإخوة الشوافعة أن يصلوا الظهر، يخافوا أن تكون الصلاة غير صحيحة، والحكم انتهى الآن لأن استيعاب المساجد أقل بكثير، من أجل ماذا ؟ من أجل وحدة الأمة.
إذاً بكل حي في جامع، أما صلاة العيد ليست لحيٍ بعينه بل لأهل البلدة مجتمعين، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي العيد في الفلاة، بساط البرية واسع، مهما كثر الناس هم في المصلَّى، أيضاً من أجل وحدة الكلمة، والحكم الذي تعرفونه سابقاً أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( صلوا وراء كل برٍ وفاجر ))
( من الجامع الصغير: عن " أبي هريرة ط )
لو دخلت إلى مسجد وتعلم أن الإمام ليس مستقيماً، ليس ماله حلالاً، أنت لست مكلفاً أن تمتنع عن أن تصلي وراءه، لست مكلفاً أن تقول للناس: هذا الإمام أخلاقه كذا وكذا، هذا يسبب فتنة في المجتمع، حفاظاً من النبي على وحدة المسلمين، وعلى حسن العلاقة بينهم قال:
(( صلوا وراء كل برٍ وفاجر ))
( من الجامع الصغير: عن " أبي هريرة ط )
لذلك صلاة العيد يجوز أن تؤدّى في المسجد، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أدَّاها في المصلَّى خارج البلدة، وهذا الأداء أفضل ما لم يكن هناك عُذْرٍ كمطرٍ ونحوه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيدين في المصلَّى، ولم يصلِ العيد بمسجده إلا مرةً لعذر المطر..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه:
((أنه أصابهم مطرٌ يوم العيد، فصلى بهم النبي صلاة العيد في المسجد ))
* * * * *
الآن، مخالفة الطريق...
ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب الذهاب إلى العيد من طريقٍ، والرجوع إلى البيت من طريقٍ آخر، فالحكمة أن تلتقي بأكبر عددٍ ممكنٍ من إخوتك المؤمنين، وأن تسلم عليهم، أن تأتي إلى المسجد من طريق وأن تعود إلى البيت من طريقٍ آخر، والحكمة أن يكثر لقاؤك مع إخوانك المؤمنين.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه
((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه))
( رواه أحمد ومسلم والترمذي )
طبعاً في حالات ولكنها نادرة أن يكون البيت بجانب الجامع، ولا يوجد إلا طريق واحد للخروج والرجوع، قال: ويجوز الرجوع في الطريق الذي ذهب منه، في حالات ممر إجباري ما في غيره.
* * * * *
وقت صلاة العيد ارتفاع الشمس قدر ثلاثة أمتارٍ إلى الزوال، الزوال يعني إلى قُبَيل الظهر، من ارتفاع الشمس ثلاثة أمتار إلى قبيل الظهر هي وقت صلاة العيد، طبعاً نحن الآن في كل الإمساكيات مكتوبة صلاة العيد الساعة السادسة وستة وخمسين دقيقة، القضية منتهية.
قال: بعضهم قال قدر رمحين، وبعضهم قال قدر ثلاثة أمتار، تقريباً متعادلين، من الأحكام الفقهية يستحب تعجيل صلاة عيد الأضحى ليتثنى للمسلم أن يضحي بعد الصلاة، ويستحب تأخير صلاة الفطر ليتثنى للمسلم أن يدفع زكاة فطره قبل الصلاة، لأنه إذا صلَّى، انتهى قبول زكاة الفطر، فصلاة الفطر تؤخَّر، وصلاة الأضحى تقدَّم، تؤخر صلاة الفطر لعلة التوسعة في دفع زكاة الفطر، وتقدم صلاة الأضحى لعلة تمكن المسلم من أن يضحي بعد الصلاة.
* * * * *
صلاة العيدين بلا آذان، وبلا إقامة، وبلا نداء ـ الأصح ـ وكان عليه الصلاة والسلام يخطب خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلسةٍ صغيرة.
صلاة العيد ركعتان على المذهب الحنفي، تكبِّر تكبيرة الإحرام، وتقرأ دعاء الثناء ( سبحانك اللهم وبحمدك ) وبعدها تكبِّر ثلاث تكبيرات مع الإمام، بين التكبيرتين سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ثلاثة، يقرأ الإمام الفاتحة، يقرأ سبح اسم ربك الأعلى، ويركع، ويسجد، ويقعد، ويقف، ويقرأ الفاتحة، وهل أتاك حديث الغاشية، وبعدها يكبِّر ثلاث تكبيرات، بين كل تكبيرتين سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يركع، ويسجد، ويقعد، هذه صلاة العيد على المذهب الحنفي.
لو أن إنسان ما كبَّر، ليس عليه شيء، لأن التكبير في صلاة العيد سنةٌ وليست واجب.
لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى سنةً قبل صلاة العيد ولا بعد صلاة العيد، لا في قبله سنة ولا في بعده سنة. عن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال:
((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما))
( رواه الجماعة )
* * * * *
تصحُّ صلاة العيد من الرجال، والنساء، والصبيان لأنه حينما كان عليه الصلاة والسلام يأمر أصحابه أن يخرجوا إلى المصلى كانوا يخرجون مع نسائهم وأطفالهم، إذاً تصح صلاة العيد من الرجال والنساء والصبيان.
بالمناسبة، مرة زارنا أستاذ في الجامعة من كلية الشريعة، فحينما رأى مرافق المسجد، ثم وصل إلى مصلَّى النساء، دهِش أن هذا مصلى نموذجي، له باب مستقل بعيد بعداً شديداً عن المدخل الرئيسي، طبعاً من فضل الله نحن جهّزناه تجهيز كامل ؛ موضأة، ماء ساخن، ماء بارد، صوت يصل إلى هناك، فقال لي: ما الذي يمنع ألا يفتح هذا المصلى للنساء يوم الجمعة ؟ قلت: ليس هناك من مانع، فذكر فكرة لطيفة أنه لا تجب على النساء، لكن ليس ممنوعاً أن يحضرن الجمعة النساء.
فأنا خطر في بالي إن شاء الله بعد العيد إذا واحد جاء مع زوجته من مكان بعيد ممكن أن تدخل إلى مصلى النساء، تستمع للخطبة وتصلي، ليس واجباً عليها، لكن بالمقابل ليس ممنوعاً عليها أن تصلي صلاة الجمعة، وأيضاً صلاة العيد، ففي العيد سنفتح المصلى هكذا يجب، لأنه هكذا ورد أنه تصح صلاة العيد من النساء والصبيان، مسافرين كانوا أو مقيمين، جماعة أو منفردين، في البيت، أو في المسجد، أو في المصلى، حتى في البيت. في البيت أو في المسجد أو في المصلى، رجالاً ونساءً، شيباً وشبَّاناً، مسافرين ومقيمين، جماعةً ومنفردين، في البيت أو في المسجد أو في المصلى.
ومن فاتته صلاة العيد مع الجماعة صلاَّها في البيت ركعتين، قال البخاري: باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وكذلك النساء، ومن في البيوت والقرى، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( هذا عيدنا أهل الإسلام))
فإذا نبهتم زوجاتكم أن يصلوا ركعتين بعد أن ترتفع الشمس قدر رمحين، واحد لسبب قاهر ما صلى صلاة العيد، يصليها في البيت ركعتين، طبعاً إذاً رجالاً ونساءً صبياناً، مسافرين ومقيمين، جماعة ومنفردين، في البيت أو المسجد أو المصلَّى. ومن فاتته الصلاة مع الجماعة صلاها في البيت ركعتين، وهذا ورد عند البخاري طبعاً طبعاً.
وأمر أنس بن مالك مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية، فجمع أهله وبنيه، وصلى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم، إذاً صلاة العيدين تصلى بأي طريقة من الطرق.
الخطبة بعد صلاة العيد سنة والاستماع كذلك إليها. فعن أبي سعيدٍ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلَّى وأول شيءٍ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس والناس جلوسٌ على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم.
هنا قصة لطيفة أرويها لكم. قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو في فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبرٌ بناه، فإذا مروان يرتقيه قبل أن يصلي، فجذبت بثوبه فجذبني ـ ما رد علي وطلع ـ فخطب قبل الصلاة، فقلت له:
ـ غيَّرتم والله ؟
ـ فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم.
ـ فقلت: ما أعلم والله ؟!! خير مما لا أعلم ؟
ـ قال: إن الناس كانوا لا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة.
لكن الآن الحمد لله لا أرى واحد يخرج أليس كذلك ؟ لكن نحن الحمد لله في كل المسجد نصلي أولاً، ونستمع جميعاً إلى الخطبة، ولكن الخطيب يجب ألا يطولها على الناس يوم العيد، الناس فرحانين بالعيد والأهل ينتظرونهم، في خطب تظل ساعة ونصف، في خطب للثالثة إلا ربع مثل خطب الجمعة، كذلك في جامع ( السيرانية ) هذا لوحده خمس دقائق الخطبة، كل المصلين معهم الأهل بالسيارات، واللحمة جاهزة، فقط ينتظرون أن يفرج عنهم ليخرجوا إلى السيران، لا نريد جامع كهذا خمس دقائق، وفي جوامع الخطبة ساعة ونصف ساعتين، أما الوضع المناسب نصف ساعة، ثلاثة أرباع الساعة.
* * * * *
قضاء صلاة العيد...
حدثني أبو عمير بن أنس، حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أغمي علينا خلال شوال وأصبحنا صياماً، فجاء ركبٌ من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد، أي أنهم صلوا صلاة العيد في اليوم التالي جماعةً، هذه حالات نادرة، لو فرضنا نحن يوم ثلاثين ظنناه رمضان لسببٍ أو لآخر، ثم ثبت لدينا أنه كان أول أيام العيد، وعلمنا ذلك ظهراً، ماذا نفعل ؟ نفطر، وفي اليوم التالي نصلي صلاة العيد جماعةً هكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
لكن أنا أرى أن على الإنسان صومكم يوم تصومون، لا يجوز للمسلم أن ينفرد لوحده بالإفطار ولا بالصيام، هذا يعمل فتنة كبيرة في البلد، أنت في بلد إسلامي، وفي قاضي شرعي، وبرقبته الفتوى، ارتاح، يثبت، نصوم، يقول لك: غداً عيد، عيد، هذا الأكمل، أما كنت أشعر كل سنة في عندنا فتنة، أخي صيامنا غير صحيح، لا حول ولا قوة إلا بالله، الآن على هذه أنت، دائماً في تشويش، صيامنا غير صحيح، عيدنا ظبط، ما ظبط، السعودية، الأردن، تركيا، لبنان، العراق هذه الفتنة كل سنة تعاد، الجواب الشافي: أنت مواطن مسلم في بلد مسلم في أولو الأمر هم المعنيون بإثبات هلال العيد وإثبات هلال رمضان. فارتاح وريِّح.. " صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون ".
أنت مع المجموع وليس بآثم إطلاقاً، إلا في حالة نادرة جداً أن تكون وحدك في الصحراء، وما في معك مذياع، ورأيت الهلاك عليك أن تصوم، كنت وحدك في الصحراء ورأيت هلال شوال عليك أن تفطر، وهذه حالات نادرة جداً، أي صحراء هذه ؟ نحن نعيش ضمن خمس ملايين إنسان، وضمن أجهزة كلها تقول: غداً وغداً. يعني فهو كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( العيد أيام أكلٍ وشربٍ وبعال))
كل شيء له وقت مناسب، أحياناً تجد أشخاص يسلكون سلوكاً غير مناسب في وقتٍ غير مناسب، واحد خطب فتاة، أول يوم التقى معها قال لها: سنفكر بالموت. هذه ليس لها طعمة الآن، هي مقبلة على زواج مبارك ميمون، ومعلقة آمال، وتقول لها: نفكر بالموت يا بنت الحلال حتى لا نتعلق بالدنيا، إنها لم تشاهد منك شيء بعد حتى تتعلق بالدنيا، فكذلك أيام العيد ما هي أيام مآسي وأحزان، والموعظة بالموت، بل هي أيام فرح، فالإنسان من المناسب أن يكون بشوش، طليق، حتى في إخوان كرام إذا في بالبيت مشكلة يجمدها لبعد العبد، يريد أن يحاسب أولاده بعد العيد، هذه أيام سرور، أيام فرح، أيام جبر، أيام بشاشة، أيام مداعبة، ضحك، في أشخاص بالعيد يريد أن يضبط الأمور، ويريد أن يعمل إجراءات حازمة في البيت، هذه غير مناسبة، فلهوٌ:
((أيام اكلٍ وشربٍ وبعال ))
هكذا قال عليه الصلاة والسلام.
قال عليه الصلاة والسلام:
(( يا أبا بكر إن لكل قومٍ عيداً وإن اليوم عيدنا ))
قال من سنة الأعياد استحباب التهنئة بالعيد، فعن زبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعضٍ: تقبَّل الله منا ومنك. تقبل الصيام أو تقبل الحج. طبعاً الزيارة بالعيد واردة، ونحن من فضل الله حللناها بموضوع المعايدة في المسجد، كل إخواننا مجتمعين يأتون ثاني أيام العيد نلتقي، فكل علاقة، كل زيارة مسنونة نقضيها في هذا اليوم الثاني، والسنة بقي علينا أن تزور الأرحام، له بنت أخت، له أخت، له عمة، له خالة في أطراف المدينة قد لا تلتقي بهم إلا في العيد، فهذا العيد أيضاً من مهمتك أن تصل رحمك في الأعياد.
مرة حكينا كلمة: أنه ليست صلة الرحم أن تزور فقط، أن تقدم هدية، أن تتفقد الأحوال أن تقدِّم بعض المساعدات إذا كان في حالة ضعف مادي، هذه الصلة الحقيقية، أما والله السلام عليكم، كيف الصحة؟ اليوم ما في شوب والحمد لله، بخاطركم مع السلامة، هذا الشيء ماذا قدمت ؟ إذا كان في أسرة فقيرة، لك أقرباء بحاجة إلى مساعدة، فالصلة تعني أوسع من الزيارة، تعني البذل والعطاء والزيارة.
إذاً استحباب التهنئة بالعيد، وفي سنة من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، فما من أيام يرتفع فيها أجر العمل الصالح كأيام العيد، لأنها أيام ـ كما يقال ـ أيام جبر، فالبذل، والعطاء، والتوفيق بين المتخاصمين في العيد مثلاً، تعرف أنه بين زوج وزوجته متحاربين، زوجة حردانة، ما في عمل أعظم من أن توفِّق بين الناس في أيام العيد، أن تجمع شمل هذه الأسرة، في خصومة بين أب وابنه، بين أخ وأخوه، بين زوجة وزوجها، بين جارين، بين أخوين، فالعمل الصالح في العيد له أجر مضاعف.
العمل الصالح، توفيق بين المتخاصمين، الزيارة، التهنئة، التكبير في أيام العيدين سنة، ففي عيد الفطر قال تعالى:
﴾وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)﴿
( سورة البقرة )
وفي عيد الأضحى قال:
﴾وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴿
( سورة البقرة: من آية " 203 " )
وجمهور العلماء على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة، فقط.
وفي رأي آخر: التكبير يوم العيد ـ يوم عيد الفطر ـ من ليلة الفطر إذا رأوا الهلال حتى يغدو إلى المصلى، وحتى يخرج الإمام بعيد الفطر، إما من وقت الخروج صباحاً إلى الصلاة، أو من وقت رؤية هلال شوال، إلى أن يصعد الخطيب إلى المنبر ويخطب، انتهى التكبير. لكن في عيد الأضحى التكبير في أيام التشريق الثلاثة، أي من وقت الوقوف بعرفة وحتى عصر رابع أيام العيد.
هذه بعض السنن التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالعيدين. نرجو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الله صياماً مقبولاً، ويرزقنا عيداً سعيداً، وأساس الفرحة في العيد كما قلت قبل قليل ـ فرحك بهذه الطاعة، و..
(( للصائم فرحتان فرحةٌ يوم يفطر وفرحةٌ يوم يلقى الله عزَّ وجل ))