محمد كشك يكتب..الدستور ليس «قرآن»
«الدساتير ليست قرآن».. «الدساتير» عقد اجتماعي بين الحاكم وشعبه تتغير حين تتغير الظروف وتتزايد الأعباء والتحديات، المهم أن تفضي في نهاية الأمر إلى تحقيق المصلحة العليا للبلاد، وتحقيق ما يمكن أن نطلق عليه السلم الاجتماعي، إذًا فكل الألسنة التي تتوعد وتهدد من يقترح تعديل مواد الدستور في الحقيقة لا تدافع عن الدستور ولا عن القانون ولا عن مصلحة المصريين إنها فقط تكايد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي للمفارقة العجيبة يؤكد باستمرار على احترامه للدستور ومواده، وأعلن أكثر من مرة عن عدم رغبته في الاستمرار في الحكم دون إرادة ورغبة المصريين.
ومنذ أن عرف المصريون أسلوب إدارة الحكم، وهم يحترمون رئيسهم إلى حد التقديس ويعتبرونه كبير العائلة الذي يتحمل مسؤولية جميع أفراد الأسرة، لذا لم تحظ أي حكومة في تاريخ مصر بثقة وتأييد الشعب مثلما حظى الرؤساء وهو مؤشر على أن آمال وأحلام المصريون ظلت وستظل معلقة في رقاب الرؤساء لهذا فإن اقتراح تعديل مادة مدة الرئاسة- في رأيي- اقتراح يستحق الدراسة والحوار المجتمعي خاصة وسط الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد التي لا تتحمل أي اضطرابات اجتماعية.
والحقيقي أن الدستور أولًا وأخيرًا وثيقة، وإن كانت الأعلى والأسمى لكنها في مجملها عمل بشري قابل للتعديل ووجود مواد ضمن محتواه تحدد شروط تعديله بنسبة لا تقل عن طلب من 5 أعضاء مجلس النواب، الممثل الشرعي للشعب، وغيرها من الشروط تؤكد ذلك ولا يمكن أبدا أن توضع مادة به تحظر تعديله وإلا كانت حجرًا وفرض ووصاية على الشعب فهو صاحب الحق الأصيل في الموافقة على التعديل من عدمه ولا يحق لكائن من كان أن يسلبه هذا الحق في تعديلات ومعالجات تناسب الواقع من حوله بصورة توجب عليه قدر كبير من التحرك بكثير من السرعة والمرونة بالشكل الذي يحقق له مصالحه ويجنبه مزيد من الخسائر.
وإن الحديث عن تعديل الدستور في الحقيقة لا يرتبط باسم الشخص الجالس على كرسي الحكم بقصر الاتحادية بقدر ارتباطه بمستقبل البلاد وخطة إنقاذها من عنق الزجاجة الذي ظلت فيه لسنوات منذ أحداث 25 يناير، خاصة وأن الدستور الحالي وضع في فترة هي الأكثر صعوبة في تاريخ هذا البلد، ولَم يخلوا من مواد لا تناسب واقعنا وغياب الثقة، وكان هو الشعور السائد وقتها بين أغلب الأطراف السياسية التي تشكلت منها لجنة الخمسين التي أجرت تعديل الدستور الذي أعدته لجنة العشرة، وحتى لا ترهبنا أبواق الإخوان وخلاياهم النائمة، فالشعب المصري في النهاية هو وحدة من سيقرر الموافقة على تعديل الدستور أو رفض التعديل وليس البرلمان أو الحكومة، بل وهو من سيختار الرئيس أيضا في الانتخابات المقبلة وما يليها، لذا فليس من المعقول أن نصادر حق الشعب في تحديد مصيره واختيار نظام الحكم الذي يريده.
وأقول لكل الأصوات الوطنية القليلة الرافضة لتعديل الدستور، أن مخاوفهم وتحفظاتهم محل تقدير واحترام وتستحق المناقشة والحوار لكن دون استدعاء تجارب دول خارجية، لأننا نتحدث عن شعب له خصوصية شعب عرف ماهية الدولة والقوانين عندما كان العالم من حوله شعوب وقبائل تحكمها شيوخ وأكابر هذه القبائل لكنه مر ولا يزال يمر بظروف استثنائية، وسيكون من الغريب أن نستدعي تجاربهم ونحاول «تأيفها» على المصريين، رغم أن ألمانيا التي تعد قاطرة الاتحاد الأوروبي تحكمها «ميركل» منذ 2005 وحتى الآن دون أن يتهمها أحد باحتكار السلطة أو عدائها الديمقراطية، وأظننا لسنا مضطرين إطلاقاً للبحث عن محلل لينقذنا ويمكننا من الإبقاء علي رئيس انتهت ولايته ولا نزال في حاجة إليه مثلما حدث في روسيا بين «بوتين» و«ميدفيديف» والعالم بأكمله كان يعلم من يدير روسيا من قبل ومن بعد، وأن روسيا ما كانت لتعود إلا بيد «بوتين» وقد كان.
وفي الحقيقة أرى أن مصر تحتاج في هذه الفترة الصعبة استقرارا في نظام الحكم يمكنه- أي النظام- من تحقيق تطلعات وآمال الشعب ويعبر بالبلاد إلى بر الأمان في ظل ما يحاك لها وللمنطقة كلها من مؤامرات بالداخل والخارج ليس لها غرض سوى ضرب استقرارها وخلق العراقيل والمعوقات ووضعها أمام من يحكمها لإعاقة أي مسيرة أو بداية لتنمية هذا البلد، والسؤال الذي يجب الإجابة عليه ما الذي يقلقنا من تغيير مدة الرئاسة إذا كان الشعب هو من سيختار من يحكمه عبر صندوق الانتخابات وبين أكثر من مرشح.
محمد مصطفى كشك
عضو الهيئة العليا وأمين عام حزب مصر أكتوبر بالدقهلية