منال لاشين تكتب: توابع قنبلة ابنة نجيب محفوظ عن القلادة المزيفة
■ أديب نوبل كان يقابل مستشار مبارك فى باخرة نيلية ولم يشتك من القلادة والقعيد والغيطانى لم يسمعا القصة منه
■ وزيرة من عهد مبارك تتهم مسئولاً رئاسيًا باستبدال عقدها الألماس بآخر مقلد
■ فاروق حسنى: قلادة النيل فضة للمصريين وذهب للأجانب
■ مصطفى الفقى: قابلت الأديب الكبير أثناء عملى بالرئاسة ولم يذكر لى قصة تزييف قلادة النيل
■ الحكومة استولت على 32 مليون دولار من اليونسكو كانت لمكتبة الإسكندرية واشترت بها قمحًا
■ ووزير ذهب ليبيع ساعة روليكس فاكتشف أنها ذهب وليست ألماسًا
لا شىء يثير العجب أو ينتزع الدهشة فيما يخص قصص الفساد فى نظام مبارك، القصص والحكايات أشكال وأنواع منها الفساد الكبير وامتزاجه بالفساد الصغير فى أن واحد، وقضية أو بالأحرى حكم المحكمة النهائى بالبت فى قضية القصور الرئاسية خير دليل أو نموذج على سهولة التجاوزات والفساد فى عهد مبارك.
ولكن القنبلة التى فجرتها ابنة نجيب محفوظ فى حوار فضائى استطاعت أن تعيد الجدل والدهشة.
أم كلثوم نجيب محفوظ قالت إن قلادة النيل التى حصل عليها والدها من الرئيس مبارك لم تكن ذهبا، وقلادة النيل هى أرفع وسام فى مصر ويمنحه رئيس الجمهورية، وبنص القانون فإن الوسام من الذهب الخالص عيار 18، وتزين القلادة الذهبية أحجار كريمة من المرجان والفيروز.
القصة أثارت ردود أفعال كثيرة، بعضها يخص الأسرة وأخرى تتهم نظام مبارك أو أحد المسئولين باستبدال القلادة، وبالمثل فتحت القصة بابًا لقصص أخرى عن الهدايا فى عهد مبارك أو بالأحرى فضائح الهدايا فى آخر عهد مبارك.
1- ذهب أم مجد
حصل الأديب العالمى نجيب محفوظ على قلادة النيل بعد إعلان حصوله على جائزة نوبل فى الآداب فى عام 1988، وقد رأت الدولة أن تمنح أديبها الكبير أرفع وسام فى الدولة تقديرا لحصوله على جائزة نوبل، وأقيم حفل تسلم الجائزة قبل حفل جائزة نوبل.
قلادة النيل يقوم بتسليمها رئيس الجمهورية، ولم تحضر لا بنات الأديب ولا زوجته حفل استلام الجائزة، وبحسب رواية أم كلثوم نجيب محفوظ فإن الجدل أو الشك فى القلادة بدأ ليلة تسلمها.. بعد الحفل عاد نجيب محفوظ إلى بيته وما إن شاهدت زوجته الفاضلة القلادة حتى قالت إنها «مش ذهب»، وبعد ذلك ذهبت بالقلادة إلى جواهرجى، فأكد لها الصائغ أن القلادة مصنوعة من الفضة ومطلية بالذهب.
هذه القصة أو السر أو الفزورة عمرها 29 عاما، ووحدها ابنة نجيب محفوظ تعرف سر الكشف عن هذه القصة بعد كل هذه السنوات الطويلة.
وهذا التوقيت كان أول علامة استفهام، فالأسرة لم تكشف عن القصة بعد وفاة الأديب العالمى أو حتى بعد ثورة 25 يناير ورحيل مبارك عن السلطة، ولكن الكشف المتأخر عن القصة لا يعنى بالطبع تجاهلها وعدم الجرى وراءها.
وذلك على الرغم من أن ثمة اعتراضًا من البعض على رواية ابنة نجيب محفوط.لأنهم يرون فى الرواية تقليلاً من أسرة نجيب محفوط من شأن القلادة كأعلى وسام، وبالمثل فإن الرواية تعطى انطباعا بأن اهتمام الأسرة بالذهب أكبر من اهتمامهن بالمجد، ولكننى أخذت هذه الرواية العفوية على محل فضول نسائى فقط، خاصة أن قيمة القلادة المادية لم تكن تتجاوز 8 آلاف جنيه فى ذلك الوقت، وهو مبلغ ضئيل مقابل الجائزة المالية لنوبل التى تبلغ مليون دولار.
2- مفاجأة الوزير
أصدقاء أو حرافيش نجيب محفوظ لم يسمعوا بالرواية قط من الاديب العالمى، فلم يرد ذكرها حتى فى المناسبات التى تواجد فيها مسئولون من الرئاسة، فقد كان نجيب محفوظ يهوى الجلوس فى باخرة بالنيل اسمها فرح بوت، والباخرة ملك لرجل الأعمال محمد كامل أبو العيون، وكان صاحب الباخرة أو السفينة صديق مقرب للراحل الدكتور أسامة الباز والذى شغل منصب المستشار السياسى لمبارك، وبهذه الصفة جرى عدة لقاءات بين أديب نوبل وأسامة الباز، وحضر بعض اللقاءات الدكتور مصطفى الفقى وكان فى ذلك الوقت مستشار مبارك للمعلومات، وقد سألت الدكتور الفقى عما إذا كان قد سمع قصة القلادة من نجيب محفوظ فى هذه اللقاءات وهل ذكر أديب نوبل هذه القصة لهما بوصفهما من أكثر المقربين من مبارك فى ذلك الوقت.
وكانت إجابة الدكتور مصطفى الفقى مدير مكتبة الإسكندرية إجابة قاطعة بالنفى، فنجيب محفوظ لم ولن يفتح هذا الموضوع معه، ولم يبد الدكتور الفقى دهشته من قصة ابنة نجيب محفوظ، وقال إنه يعتقد أن القلادة بالفعل من الفضة المطلية بالذهب.
يتفق مع هذا الرأى وزير الثقافة فى هذه فترة الفترة الزمنية فاروق حسنى، وقال لى فاروق حسنى إن اعتقاده الشخصى أن القلادة تكون فضة مطلية ذهبًا بالنسبة للمصريين. أما إذا أهديت للأجانب فتكون من الذهب الخالص، وأضاف حسنى أن الجائزة تهدى فى الغالب للملوك ورؤساء الدول، ولا يجوز منحهم وسامًا مطليًا، ويكمل فاروق حسنى: أن الجائزة عندما تمنح للمصريين فلها مميزات أدبية رفيعة المستوى بعيدا عن قيمتها المادية، وصاحب القلادة يجلس بجوار رئيس الجمهورية ويسبق رئيس الحكومة ورئيس مجلس الشعب فى الحفلات والمناسبات.
ولكن فاروق حسنى يؤكد أن هذا رأى شخصى وأن الحقيقة لدى إدارة النياشين والأوسمة بديوان رئاسة الجمهورية، فهذه الإدارة تتسلم من مصلحة صك العملة فاتورة بقيمة الوسام أو القلادة، ووزارة الثقافة ليس لها أدنى علاقة بإعداد القلادة أو الوسام.
بحسب مصدر رئاسى من عهد مبارك، فإن القلادة بالفعل كانت فضة مطلية ذهبًا، وذلك لأن اقتصاد مصر كان شبه منهار، ولولا المساعدات العربية لعجزت مصر عن تدبير احتياجاتها من القمح والسلع الاستراتيجية.
وللتدليل على هذا الوضع حكى لى المصدر «طلب عدم ذكر اسمه» قصة مثيرة جدا، ففى العام التالى لمنح نجيب القلادة، وتحديدا فى فبراير عام 1989 منحت اليونسكو الحكومة المصرية مبلغ 320 مليون دولار للمساهمة فى إنشاء مكتبة الإسكندرية، ولكن الحكومة المصرية قامت بتحويل المبلغ للبنك المركزى واشترت به قمحًا، وعلمت اليونسكو وقام نزاع بينها وبين الحكومة المصرية، وكاد الأمر يتحول إلى فضيحة دولية لولا تدخل كل من الراحلين الشيخ زايد والرئيس العراقى صدام حسين.
وهذه القصة تكشف مدى الحالة التى وصل إليها الاقتصاد المصرى فى تلك الفترة.
3- تزوير متعمد
هناك وجهة نظر أخرى لا تأخذ القصة بحسن نية، وترى أن القصة تعكس جانبًا من الفساد فى عهد مبارك، وأن شخصًا ما تلاعب بجائزة نجيب محفوظ، خاصة أن قيمة القلادة بـ440 جرامًا ذهبًا، بالإضافة إلى المرجان والفيروز.
أصحاب وجهة النظر سيئة النية لديهم حكاياتهم أو بالأحرى مبررات عدم الثقة فى نظام مبارك.
أول قصة تخص وزيرة سابقة من عهد مبارك، وزيرة جريئة أثارت الكثير من الجدل فى عهدها.
أرسلت رئاسة الجمهورية هدية لها بمناسبة العام الجديد، وكان من عادة الرئاسة أن تقوم بتوزيع بعض الهدايا التى ترد من دول خليجية على كبار المسئولين والوزراء، وكانت هدية الوزيرة عقدًا ماسيًا، ففكرت الوزيرة الاستفادة من الهدية الثمينة.ذهبت إلى الجواهرى وطلبت منه استبدال الألماس الموجود بالعقد بأحجار عادية، ولتبيع الماس بعد ذلك، ولكنها فوجئت بالجواهرجى بخبرها بأن الفصوص فالصو، وليست ألماسًا حقيقيًا، وبكل جرأة قابلت الوزيرة مسئولاً بالرئاسة فى أحد الأفراح فاشتكت له ما حدث، ولكن وزيرا آخر أقل جرأة لم يفتح فمه إلا لأصدقائه فى موقف مماثل، فقد اكتشف الوزير أن الساعة التى أرسلتها الرئاسة له وهى ماركة روليكس مجرد ساعة ذهبية وليست مرصعة بالألماس بل بأحجار عادية.
هذه القصص أو الحكايات تدفع البعض للشك فى قيام أحد الموظفين باستبدال قلادة نجيب محفوظ.
عن نفسى أميل إلى قصة أو تبرير الأزمة الاقتصادية ولكن القول الفصل للجنة الثقافة بالبرلمان، فمع عودة البرلمان يجب أن تطلق اللجنة تحقيقا برلمانية لإجلاء الحقيقة، ولكن سواء كانت قلادة النيل ذهبًا أم فضة فإن نجيب محفوظ لا يمكن مقارنة أو وزن أعماله وقيمته بالذهب والفضة والألماس والدولار، فهناك أشياء وإبداعات لا يمكن قياسها بكل الكنوز لأنها أغلى من كنوز الأرض.