تيري ميسان يكشف عن المخطط الفرنسي الجديد لنهب ذهب ويورانيوم مالي
يرى محللون وخبراء ان التدخل الفرنسي في شؤون جمهورية مالي بذريعة مساعدة حكومة هذا البلد لا يستهدف سوى الهيمنة على مصادر الذهب واليورانيوم في هذا البلد من جهة، وزعزعة استقراره من جهة اخرى.
وفي هذا الاطار نشر موقع وكالة انباء ولترنت مقالا بقلم الكاتب تيري ميسان جاء فيه ان سياسة فرنسا في الوقت الراهن هي تقديم نفسها على انها دولة صديقة والطعن من الخلف.
وهذا نفس تكتيك بوش الذي كان يثير النزاعات مع الجماعات الاسلامية لكي يحصل على ذريعة لاحتلال المنطقة بحجة ارساء الاستقرار. ولكن نفس هذه الجماعات قد تتحول الى كابوس يقض مضاجع قادة فرنسا.
ويرى ميسان ان التدخل الفرنسي تم التخطيط له لفترة طويلة، حيث اعلن عنه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند منذ ستة اشهر، لكنه تم الايحاء على انه قرار آني اتخذ ردا على الاضطرابات التي تعصف بهذا البلد، في حين ان المبادرة تستهدف الهيمنة على مصادر الذهب واليورانيوم في مالي اولا، والتمهيد لزعزعة استقرار الجزيرة ثانيا.
ويتابع المقال: منذ ان تواصل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي مع رئيس جمهورية ساحل العاج لورنت غباغبو ومعمر القذافي وبشار الاسد، السمة البارزة التي طغت على السياسة الفرنسية هي قبلة يهوذا ، اي انها تتحبب في الظاهر ولكنها تطعن من الخلف.
ويشير ميسان الى زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للجزائر في 10 ديسمبر 2012 ليحتضن نظيره عبد العزيز بوتفليقة وليبادر بعد ثلاثة اسابيع فقط الى تآجيج اتون حرب في جمهورية مالي ستطال تداعياتها الجزائر ايضا.
وهناك مثل معروف يقول ان وضعت لقمتين في فم الشبعان ستفتح شهيته ، وهذا هو حال فرنسا التي استعادت استعمارها على كوت ديفوار وليبيا وسعت الى احتواء سوريا وهي اليوم تطمع في جمهورية مالي لكي تهاجم الجزائر من الخلف.
وينوه ميسان الى استغلال فرنسا وبريطانيا لبعض الجماعات الاسلامية المتطرفة للهجوم على اركان السلطة في طرابلس بسبب عدم رغبة انفصاليي برقة باسقاط القذافي بعد استقلال بنغازي، ويقول: لقد شاهدت بنفسي بعد سقوط الجماهيرية كيف تم استقبال قادة القاعدة في المغرب الاسلامي من قبل المجلس الوطني الانتقالي في فندق كورينتيا، المكان الذي كان يخضع لحراسة القوات البريطانية الخاصة التي تم ايفادها من العراق الى هناك لضمان الامن.
ويرى ميسان انه كان من الواضح بان الهدف التالي للاستعمار الغربي هو الجزائر، وان تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي سيقوم بدوره هناك، لكنه يعترف بانه لم يكن يعرف ما هو النزاع الذي سيتشبثون به لتبرير التدخل الدولي. ان باريس وضعت سيناريو يتم بموجبه توسيع نطاق النزاع من جمهورية مالي الى الجزائر.
فالفرنسيون وبعد فترة قصيرة من احتلال الناتو لطرابلس، بداوا بتقديم الرشاوى اليهم لاعادة المتمردين الطوارق. وكان الوقت كافيا لتجهيزهم بالمال والسلاح ولكنهم تاخروا ولذلك لم يكن بامكان هؤلاء القيام باي دور في التطورات الجارية. وحين انتهت الحرب عادت تلك الجماعات الى صحاريها.
يشار الى ان الطوارق هم شعب من الرحّل يعيشون في الصحراء الكبرى التي تمتد على حدود ليبيا والجزائر ومالي والنيجر، ويحظون بدعم ليبيا والجزائر، فيما تتجاهلهما جمهورية مالي والنيجر، ولذلك فانه ومنذ عقد الستينيات ولحد الان بدات سلطات مالي والنيجير تعاني التحديات التي يخلقها الطوارق لهم، اذ أن هذه الجماعات المسلحة من قبل فرنسا قررت بان تستخدم السلاح لفرض مطالبها على جمهورية مالي.
ويشير المقال الى سيطرة الحركة الوطنية لتحرير ازواد سيطرة شبه كاملة على المناطق الشمالية لجمهورية مالي، حيث تعيش وتنتشر هذه الجماعات، ويضيف: لكن مجموعة صغيرة من الطوارق المتطرفين تحت عنوان انصار الدين الذين ينتمون لتنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي استغلوا هذا السيطرة لفرض قوانين دينية متطرفة في بعض المناطق.
ويقول ميسان ان مالي شهدت في 21 مارس 2012 انقلابا غريبا، حيث قامت جماعة مشبوهة تسمى اللجنة الوطنية لاعادة الديمقراطية باسقاط الرئيس المالي امادو توماني توري تحت يافطة احياء اقتدار جمهورية مالي في شمال هذا البلد. هذه المسالة اثارت دهشة الكثيرين، اذ أن المتمردين عجزوا عن توضيح كيفية مساعدة عملهم هذا على تحسين الاوضاع. هذا فضلا عن اسقاط رئيس الجمهورية كان عملا غريبا، لانه كان من المقرر اقامة انتخابات رئاسية بعد خمسة اسابيع فقط من هذه الاحداث ولم يكن في نية توماني تورة الترشح لتجديد رئاسته.
يشار الى ان اللجنة الوطنية لاعادة الديمقراطية تتكون من مجموعة مسؤولين تدربوا في امريكا. وقد عطل هؤلاء العملية الانتخابية ليسلموا السلطة الى مرشحهم ديانكوندا تراوره الذي يحب فرنسا ويميل اليها.
والاغرب - بحسب ميسان - ان المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا اعترفت بهذه الشعوذة تلك المجموعة التي يحتل منصب الامين العام فيها الحسن وتارا الذي تسنم سدة الرئاسة في ساحل العاج (كوت ديفوار) قبل عام بدعم من الجيش الفرنسي.
ويرى ميسان ان هذا الانقلاب ادى الى حدوث فجوة قومية في البلاد، حيث التحقت وحدات النخبة في الجيش المالي (التي تدربت في امريكا) ويتزعمها قائد من الطوارق، بالمتمردين بكامل عدتها وتجهيزاتها واضاف: في 10 يناير /كانون الثاني شنت جماعة انصار الدين - التي تنضوي تحت مظلة الجماعات الاسلامية المتطرفة - هجوما على مدينة كونا. فهذه الجماعات تتخطى المناطق المتعلقة بالطوارق لتطبق القوانين الاسلامية في جنوب مالي ايضا حسب زعمها. وهذا ما حدا بالرئيس المؤقت ديانكوندا تراوره لاعلان حالة الطواريء وطلب المساعدة من فرنسا. ولم يمض عدة ساعات على الطلب حتى استجابت فرنسا وتدخلت لتحول دون سقوط العاصمة باماكو. فقصر الاليزيه وباستشرافه للمستقبل كان قد نشر مسبقا قوات من وحداته المختلفة في مالي، وحدات مثل الكتيبة الاولى للمضليين المشاة في القوة البحرية ومضليي الكتيبة 13 التنين، مروحيات قيادة العمليات الخاصة، 3 طائرات من طراز ميراج - 2000 دي 2، طائرتان من طراز ميراج اف - 1، ثلاث طائرات عسكرية من طراز سي - 135، طائرة عسكرية من طراز سي - 130 هيركولس وطائرة امداد من طراز سي - 160!!.
ويعتقد ميسان انه من المستبعد ان تشكل جماعة انصار الدين اي تهديد جاد، لان المحاربين الحقيقيين ليس هم الجماعات الاسلامية المتطرفة، بل القوميين الطوارق الذي ليس لديهم اي اهداف او تطلعات في جنوب مالي. ويشير الباحث الى طلب فرنسا من بعض الدول مثل الجزائر دعمها لتمرير اهدافها المنشودة من التدخل العسكري، حيث وقعت الجزائر في الفخ، لان عليها اما ان ترد ايجابا على طلب التعاون مع دولة استعمارية قديمة او تتحضر لهجوم الجماعات الاسلامية المتطرفة على اراضيها.
ويضيف المقال: وبعد قليل من التأني والتفكير، فتحت الجزائر اجوائها امام الطائرات الفرنسية. ولكن بعد ذلك قامت مجموعة مجهولة من المتطرفين بشن هجوم على منشاة غازية بريطانية في جنوب الجزائر متهمة الجزيرة بالتعاون مع باريس في التدخل بالشؤون المالية. واحتجزت المجموعة مئات الاشخاص كرهائن، ولكن هؤلاء الافراد لم يكونوا من الجزائريين او الفرنسيين فقط، ما يكشف عن ان الهدف من الهجوم هو تدويل القضية وزج الجزائر فيها.
ويرى ميسان ان هذا التكتيك الفرنسي هو استنساخ مطابق للاصل من التكتيك الذي كان يستخدمه بوش للتعامل مع الجماعات المتطرفة لاثارة النزاع ومن ثم التدخل واحتلال المنطقة بذريعة ارساء الاستقرار.
ولذلك نرى ان فرانسوا هولاند يستخدم كثيرا مقولة مكافحة الارهاب في تصريحاته تلك المقولة التي تركتها واشنطن منذ فترة. كما اننا نرى في هذه اللعبة نفس اللاعبين الدائمين في مثل هذه المسرحيات، فالقاعدة اشترت اسهما من الشركات الفرنسية المهمة المنتشرة في مالي وزعيم جماعة انصار الدين له صلات وثيقة بالسعودية.
ويشير المقال الى ان اشعال النيران ومن ثم اخمادها ايضا هي احدى الخدع التي يستخدمها المشعوذون دائما، ويضيف: لقد قررت فرنسا تعزيز نشاطاتها المناهضة للارهاب اي برنامج ويجي بايروت (نظام انذار الامن القومي الفرنسي).
ويختم المقال بالتنويه الى ان باريس لا تشعر باي هاجس من الخطوات التي قد تقوم بها الجماعات المالية في الاراضي الفرنسية، بل انها تخاف من هجمات الجهاديين القادمين من سوريا. لان اللجنة المركزية لوكالة الاستخبارات الوطنية الفرنسية قامت خلال العامين الماضيين باستخدام الفرنسيين المسلمين الشباب للقتال الى جانب ما يسمى بـ الجيش السوري الحر ضد النظام في سوريا. وبما ان الجيش السوري الحر مشرف على الهزيمة، فان هؤلاء الجهاديين سيعودون الى وطنهم الام، المكان الذي قد تسيطر عليهم الوساوس بسبب العلقة مع انصار الدين لتنفيذ وتطبيق التكتيكات الارهابية التي تدربوا عليها بسوريا.