أحمد فايق يكتب : صك براءة البلتاجى لو فشلت الثورة.. إحنا مين وهما مين
هل تتذكر أول أيام الثورة ؟
اليوم الذى اكتشفت فيه مصر أن هناك جيلاً كاملاً من الشباب يستطيع أن يحقق المستحيل، لا تصمد أمامه ميليشيات حبيب العادلى أو حتى فتاوى محللى الفضائيات، اليوم الذى خرج فيه المحللون يؤكدون أن مصر ليست تونس، وأن الداخلية أقوى بكثير من أحلام شباب وبنات مصر، اليوم الذى أعلنت فيه جماعة الإخوان المسلمين أنها لن تشارك، وستسمح بتمثيل رمزى، ونزل شباب حزب الوفد حاملين الأعلام رغما عن قياداته، اليوم الذى طل فيه أنس الفقى وزير الإعلام من النافذة فى الدور التاسع فى ماسبيرو وعلى وجهه علامات الهلع، اليوم الذى قدمت فيه السويس شهيدين فى الساعات الأولى.
هل تتذكر تلك الوجوه التى ملأها الأمل والعزيمة على الإطاحة بالمخلوع وسط فتاوى من شيوخ السلفية بأن الخروج على الحاكم حرام وكفر، اليوم الذى أصيب فيه معظم الإعلاميين بالصدمة وظلوا يلعبون على الأحبال خوفا من انتصار مبارك، نفس الأحبال التى لعبت عليها جماعة الإخوان المسلمين، ولم نجدهم فى الشارع مثل بقية المصريين، فقد اعتادوا ركوب الدماء، صورة واحدة فقط وجدتها فى أرشيف الفنان أحمد حماد مصور الفجر لمحمد البلتاجى واقفا مع مجموعة قليلة من الإخوان أمام نقابة المحامين، يحمل البلتاجى فيها بوكيه ورد فخمًا يحمل بين طياته صك براءته لو فشلت الثورة، فهو لم يفعل شيئا سوى تقديم الورد للشرطة وبعدها اختفى، لم يعرف رائحة الغاز المسيل للدموع الذى أصبح يتناوله الثوار مثل الماء، فقد جرب من قبل رائحة الورد، لم يعرف اللون الأحمر الذى روى تراب الوطن، فلون الورد أقرب له، ارتدى أفضل ماعنده من ملابس فى الوقت الذى غطى الشباب وجوههم بالغطرة الفلسطينية وتمزقت ملابسهم بعد الاشتباكات مع الشرطة، حمل محمد البلتاجى بوكيه الورد فى نفس الوقت الذى رفع فيه الثوار لافتات ارحل والشعب يريد إسقاط النظام وكتبوا يسقط حسنى مبارك على لافتة كبيرة فى التحرير.
فى هذا اليوم كسر الشباب حاجز الخوف، نزلوا للشوارع لم يصدقوا أنفسهم حينما اكتشفوا أنهم كثيرون، وأن الحالمين بصورة الوطن أكبر بكثير، فقد عانى هذا الجيل من التخريب المتعمد، تشكل وعيهم فى سنوات الإرهاب، قيمتهم أجيال سابقة بأنهم جيل تافه، لم يعرف هؤلاء أن الشباب فضل الانسحاب والانفجار فى الوقت المناسب، هذه هى الحقيقة التى لا يستطيع أى نظام غبى أن يفهمها، الصمت لا يعنى الانسحاب، بل هو جيل يعتمد على المشاعر الداخلية التى تدفعه للانفجار فى الوقت المناسب، والوقت كان بالنسبة لهم مناسبًا فمصر هتك عرضها، وتحولت إلى سلخانة للتعذيب، ونهبت أموالها، وغابت فيها العدالة الاجتماعية.
أرادوا إنقاذ مصر بثورة سلمية قبل أن تقوم ثورة الجياع، لكن مبارك لم يكن شخصًا بل هو نمط حياة، قائم على النهب والقتل والتعذيب، هناك آلاف مؤمنون به يتعبدون فى محرابه، لا يستطيعون أن يعيشون إلا على دماء الآخرين، ذهب أحمد عز وجاء خيرت الشاطر، رحل مبارك وحل محله مرسى، إذا سجن حبيب العادلى.. فإن الداخلية حية لا تموت، لكن يبقى الشباب كما هو فى قوته وعنفوانه وقبل هذا خياله، لم تنجح سجون العسكر فى ترويعهم، ولم يصمد الرصاص أمام هديرهم، ولن ينتصر عليهم النفير الإخوانى، ولن تذبح أموال خيرت الشاطر أو رجال أعمال مبارك أحلامهم، فالخيال أقوى من الواقع، والمستقبل ينتصر على الماضى والحاضر، وهؤلاء هم المستقبل.
الثورة لم تسر وراء أشخاص ودائما ماتتبع أفكارًا ومبادئ.. وهذا ما لا يستطيع أن يستوعبه الفلول والعسكر والإخوان، فكلما شوهوا رمزا للشباب ظهر آلاف بدلا منه، من يحقق الحرية والعدالة الاجتماعية سيصبح رمزا، ومن يتخلى عن هذه المبادئ فسيجلس فى نفس المكان الذى يجمع مبارك ومرسى وخيرت الشاطر والبلتاجى وحبيب العادلى وأحمد عز وعصام العريان.
هناك فارق كبير بين خيال الشباب وخيانة النظام للوطن، كان يستطيع مرسى أن يتحول لبطل شعبى تحكى سيره لكل الأجيال القادمة، لو اتخذ مجموعة من الإجراءات التى تحقق مبادئ الثورة، أطاح بالمشير طنطاوى وسامى عنان لكنه لم ينه الحكم العسكرى لمصر، أطاح بالنائب العام لكنه لم يحقق استقلالية القضاء، وبدلا من فرض ضرائب تصاعدية ومواجهة الاحتكارات الاقتصادية لرجال الأعمال فرض ضرائب جديدة على الشعب، وبدلا من إلغاء الدعم على مصانع الحديد والأسمنت ومنجم السكرى.. يذل المصريين بفتات الدعم الذى تبقى لهم، وبدلا من إطلاق الحريات طارد الصحفيين بدعاوى قضائية لم تحدث من قبل، تحالفت جماعته وعشيرته مع الفلول فى انتخابات مجلس الشعب، أقصى المعارضة بدلا من التحاور معها، وسع من سلطاته، فضل الجماعة على الوطن، كل هذا الكلام كتبناه لمبارك قبل الثورة لكنه لم يتعظ، وتمادى فى الفجر، ولم يتعلم الدرس، وليس لدى أمل بسيط فى أن يتعلم مرسى الدرس، فقد ظل 15 عاما فى أمريكا ومازالت إنجليزيته ركيكة، فكم من الوقت يحتاج أن يتعلم كى يحقق مطالب الثورة.
هل تتذكرون أول أيام الثورة؟
حينما رقص المتظاهرون فرحا لأنهم وجدوا أنفسهم ومصر التى يحلمون بها، ذهبوا لماسبيرو ولمقر الحزب الوطنى، واجهوا كردونات الشرطة التى حولت مداخل التحرير وكوبرى أكتوبر إلى سجون، استنشقوا لأول مرة فى منتصف ليل هذا اليوم عبير الغاز المسيل للدموع، حينما هاجمت الداخلية التحرير الساعة الثانية عشرة مساء، وقفوا أمام الشرطة وحدهم فى الوقت الذى عاد فيه البلتاجى وجماعته للمنازل، كان الشهيد الحسينى أبو ضيف يحمل المصابين وبعضًا ممن سبقوه لشرف الشهادة من أجل الوطن، المجد للحسينى أبو ضيف وبقية الشهداء والثورة مستمرة.