عبدالحفيظ سعد يكتب: بيانات مصر الاقتصادية فى خطر
■ المحاسبات أبلغ النيابة العامة عن فساد منظومة «كروت البنزين» التى تكلفت 666 مليون جنيه ولن تستخدم
■ شركة تحتكر بيانات وزارة المالية والوزير كان يعمل بها
عرضت إحدى جهات التمويل الأجنبية على الحكومة المصرية منذ فترة تنفيذ استقصاء، لتوثيق بعض الظواهر التاريخية ما قبل 1952 عن «العبودية» و«الدعارة» و«تاريخ القبائل» فى مصر، وشرعت هذه الجهة فى تنفيذ المشروع البحثى عن طريق مكتبة الإسكندرية، ولكن لاقى هذا المشروع اعتراضات من أجهزة مصرية، عن إجراء هذا البحث للجهة الأجنبية، لخطورته، وكان مبرر هذا الرفض، أن المعلومات التى يسعى الاستقصاء للحصول عليها، تمثل خطورة، مثل معرفة تاريخ القبائل على الحدود.. أو استغلال تواريخ من كان يعمل فى الدعارة فى السابق أو العائلات التى كانت أصولها «عبيدا» قبل أن تحرر وامتداداتهم، وإمكانية استغلالهم سواء بابتزازهم أو أن يكون فرصة لتجنيدهم أو تنفيذ أعمال داخل البلد.
فى المثال السابق يعطى وكيل جهاز المخابرات السابق اللواء عاطف الفقى، وخبير تأمين المعلومات والذى شغل منصب «مساعد وزير المالية السابق» لأمن المعلومات، نموذجا عن خطورة إتاحة المعلومات لأى جهة خارجية، دون وجود ضوابط أو مبررات لمنحها، وهو يشرح لنا فى الحوار معه، كيف تستغل معلومة لدينا لا أحد يتوقع أن لها قيمة، فى مشاكل قد يستغلها عدوك.
اللواء الفقى فى حواره معنا، يطرح مفهوماً له عدة أبعاد وهو أن أمن المعلومات لا يتطلب فقط مجرد أن تمنع المعلومة عن خصمك أو الآخرين، بل يتطلب فى البداية العمل على معرفتك بالمعلومات التى لديك، مؤكدا أن «المعلومة فى حد ذاتها لها قيمة، سواء لى أو لعدوى أو منافسى»، قيمة لى استفيد منها فى وضع خططى وتصوراتى وفى نفس الوقت تمثل المعلومة قيمة لعدوى، إذا حصل عليها.
ومن هنا يرى ضرورة أن نجمع المعلومات التى لدينا ونسعى لتوظيفها بقدر الإمكان، وهذا يتطلب طريقة للتأكد من دقة المعلومة، يتبع ذلك إجراء دراسات واحصائيات للاستفادة من المعلومة، لتعطى التوجه لمتخذ القرار.
وبالنسبة لـ«عدوى» يقول اللواء الفقى «لا بد من تأمين المعلومة لكى لا تصل إليه وفى الحقيقة هذا البعد غير موجود بالقدر الكافى، إلا فى مستويات قليلة جدا، وعدم استفادتك من المعلومة خطأ فج، لأنك بناء على المعلومة تحدد احتياجاتك، وتضع خططك التنموية لابد أن تكون معلوماتك مؤمنة وغير متاحة للجميع للحصول عليها إلا بإرادتك وتوجيهك، ولا نقف عند مسميات الشفافية والعولمة».
ولذلك يرفض لواء المخابرات عاطف الفقى مفهوم اتاحة كافة المعلومات التى لدينا بحجة «الثورة المعلوماتية والاتصالات التى وفرت للجميع سهولة الحصول على أى معلومة»، متسائلًا «هل اتاحت لنا ثورة المعلومات، معرفة ما يدور فى الجيش الفرنسي؟ هل لديك مؤشرات عن حجم استثمارات فرنسا فى أفريقيا الفترة المقبلة، بمعنى كل دولة لها خطة للاستثمارات وعملها فى الفترة المقبلة وذلك قد يتعارض مع مصالح دول أخرى، فهل هنا مسموح لى أن أوفر للمنافس المعلومات وخططى عن ماذا سأفعل فى المستقبل؟».
يعترف خبير تأمين المعلومات، بأن معلومات مصر وبياناتها خاصة الاقتصادية فى «خطر» وذلك بحكم عمله فى وزارة المالية التى لا تعد فقط خزينة أموال الدولة بل مكان المعلومات التى لديها.
ويؤكد اللواء عاطف الفقى، أن هناك أيادى خفية داخل دواوين الوزارة وبعض الأطراف الخارجية، تحارب لمنع إنشاء كيانات معلوماتية مستقلة للوزارة كلها، خاصة أنه سعى خلال عمله بالوزارة فى عدة فترات سواء منذ فترة الوزير الأسبق بطرس غالى أو منذ تقلد الوزير الأسبق أحمد جلال وصولا للوزير الحالى، كان هناك «استهداف والعمل على هدم كل ما تم بناؤه وكل فترة نجد أيادى ما توقف المشروع».
ويكشف خبير المعلومات معلومة صادمة، أن وزارة المالية التى تعد خزينة الدول للمعلومات الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها مصبا لكافة البيانات والجهات الحكومية، ليس لديها منظومة معلومات مستقلة. بعد أن توقف المشروع «مستودع بيانات وزارة المالية».
وذلك بعد أن سيطرت شركة مساهمة اسمها «e-finance» على كافة بيانات الوزارة، واحتكارها تنفيذ مشروعات بناء المعلومات فى الوزارة سواء «منظومة الدفع والتحصيل»، أو «المنظومة الإلكترونية لترشيد دعم المواد البترولية «كروت البنزين» ومنظومة شيكات مصلحة الضرائب أو الدفع الفورى « الربط والتحصيل الضريبي»، بالإضافة إلى تطوير بوابات وزارة المالية والضرائب الإلكترونية
ويطرح اسم هذه الشركة «e-finance» عدة علامات استفهام للدور الذى تقوم به فى وزارة المالية خاصة أن الأمر يتعلق بشبهات فساد وتلاعب، وهو ما رصده تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات عن أعمال الشركة والمبالغ المالية الضخمة التى تحصل عليها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عقد « كروت البنزين والذى حصلت شركة «e-finance»، على مبلع 668 مليون جنيه، بالإضافة لما يزيد على 20 مليون جنيه شهريا تدفع من خزانة الدولة وذلك لتنفيذ وطباعة «كروت البنزين» لـ6 ملايين سيارة، رغم أن المنظومة لم تستخدم، ولن تستخدم مستقبلا، نتيجة توجه الدولة بإلغاء الدعم عن الوقود، ما يعنى أن منظومة الكروت لم يعد لها قيمة، وضاعت الأموال التى دفعت فيها من قبل خزينة الدولة دون أى فائدة تذكر.
ويضاف على قائمة مخالفات الشركة وتعاقداتها مع وزارة المالية، طبقا لما رصده تقرير جهاز المركزى للمحاسبات، إدارة وتشغيل مركز الدفع الإلكترونى بعقد قيمته 330 مليون جنيه وكذلك تطوير البوابة الإلكترونية لمصلحة الضرائب لمدة عام فقط، بقيمة 9 ملايين و626 ألف جنيه! وأيضا عقد تصميم وإنشاء البوابة الإلكترونية لوزارة المالية بقيمة 2 مليون و220 ألف جنيه وما يقرب من نصف مليون جنيه قيمة الاستضافة السنوية.
غير أن اللواء عاطف الفقى، لا يرى أن الأزمة فقط فى قيمة الأموال المبالغ فيها التى تحصل عليها شركة «e-finance»، معتبرا ذلك أمرا يخص الجهات الرقابية وأيضا جهات التحقيق بعد إبلاغ الجهاز المركزى للمحاسبات للنيابة العامة عن هذه المخالفات بعد رفض المسئولين فى وزارة المالية الرد على الملاحظات والمخالفات التى وردت فى تقارير الجهاز، لعدة سنوات.
ولكن يرى اللواء أن الخطورة ليست فى المخالفات المالية فقط، رغم أنها أموال عامة، بل إنه يعتبر أن سيطرة شركة مساهمة، حتى لو كانت ملكيتها تابعة لجهات حكومية، يعد أمرا خطيرًا، وذلك لسبب رئيسى أن المعلومات التى تخص وزارة المالية والبيانات الاقتصادية للدولة، وتواجدها لدى شركة تعمل وفق قانون الاستثمار ولا توجد ولاية للحكومة عليها ولا تخضع للجهاز الإدارى للدولة «أمر لا يجب السكوت عليه»، خاصة إذا كان الأمر يتعلق ببيانات دقيقة عن حجم السيارات الموجودة فى مصر وملكيتها، وعناوين أصحابها الذين منهم كافة فئات المجتمع ضباط وقضاة وأعضاء بالبرلمان ومسئولين فى أجهزة رقابية فى البلد، وكذلك بيانات الرصد الضريبى، وغيرها من المعلومات التى ما كان يجب أن تكون موجودة إلا للجهة الحكومية، خاصة إذا علمنا أن هذه الشركة لا تكتفى بتنفيذ البرامج فقط، بل إنها تستحوذ على الأجهزة وهى التى تدير المنظومة وليس موظفين فى وزارة المالية!
وعن سر هذه الشركة وقوتها لهذه الدرجة فى وزارة المالية، يقول لواء المخابرات عاطف الفقى، هى «موجودة فى وزارة المالية منذ فترة يوسف بطرس غالى كوزير واستمر الحال بها بعد الثورة وتجديد عقود أعمال فى المشروعات المعلوماتية لوزارة المالية، بداية من مشروع الربط الضريبى، وصولا إلى مشروع كارت الوقود الذكى، ويرجع ذلك إلى ان العديد من مسئولى وقيادات وزارة المالية كانوا يعملون فى عضوية إدارة الشركة أو أعضاء فى مجلس إداراتها وذلك منذ إنشائها ومن عهد يوسف بطرس غالى، والذى استمر فى عهد وزير المالية الحالى عمرو الجارحى، الذى كان رئيساً لمجلس الإدارة قبل أن يتولى منصب وزير المالية!»
ويقول اللواء عاطف الفقى «بعيدا عن أسماء المسئولين، فإن وضع الشركة واحتكارها على أعمال وبيانات وزارة المالية يعد أمرا قانونيا ملتبسا، خاصة جميع الأعمال التى حصلت عليها الشركة تأتى بالمخالفة لقانون رقم «89» الذى ينظم المناقصات، وهو ما أشار إليه المركزى للمحاسبات فى عدم الإسناد بالأمر المباشر، لكن الحصرية فى حد ذاتها تقضى على فرصة التنافسية.
كما يشير أيضا إلى أن الأمور لا تتعلق بتقديم خدمة جيدة بمبالغ محدودة، بل إن الأمر على العكس تماما، خاصة أنه أثناء عمله بالوزارة، قام بإنشاء عدة مشروعات معلوماتية بالتعاون مع جهاز المشروعات للقوات المسلحة، بعد ثورة 30 يونيو 2013، بمبالغ منخفضة جدا عما تطرحه وتحصل عليه هذه الشركة، غير أن وجد صعوبة فى تنفيذ هذه المشروعات، مبررا ذلك بـ «وجود شخصيات فى جهاز وزارة المالية كانت حريصة ومازالت على استمرار هذه الشركة فى احتكار كافة مشروعات المعلوماتية لوزارة المالية، رغم وجود مخالفات وعدة علامات استفهام على الشركة كما رصدها تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، وغيرها من التقارير الرقابية داخل وزارة المالية».
ويتحدث اللواء الفقى بأنه لا يجوز أن تظل البيانات عن الضرائب والممولين، وحسابات العملاء، والتفاصيل الدقيقة لمرتبات الموظفين بالدولة تحت يد شركة، وهو ما يتيح لها الاطلاع على غالبية الحسابات المالية للدولة، وفى نفس الوقت هذه البيانات ليست فى حوزة الجهة المسئولة عن الدولة، متمثلة فى وزارة المالية، وهو أمر لا يجوز السكوت عليه، خاصة أن الأمر لا يتعلق بمجرد فكرة الفساد المالى فى حد ذاتها، بل تتعلق بأنها تحصل على المعلومات، وهى متصلة بلب عمل المؤسسة، ولا يسمح لأحد غيرها أن يطلع عليها، فالأصل أن وزارة المالية هى التى تمتلك المعلومات، وتقوم بتوزيعها وعرضها على من تريد، خاصة من يستهدف أن يعرف كافة أسرارى ومعلوماتى، لأنه عن طريقها يمكنه أن يستهدفنى، عبر هذ المعلومة التى يحلل، تكشف أماكن الضعف والقوة لدى.
ويطرح اللواء الفقى، قضية خطيرة تتعلق بأمن المعلومات، وهى لجوء بعض القطاعات الحكومية للمعونة الخارجية لجلب نظام إلكترونى معين فى إطار هذه المعونات، وتضع الجهات المانحة شروطًا للتمويل من ضمنها أن له الحق فى الحصول على المعلومات، أو أنها التى تجلب الأجهزة الخاصة بالتنفيذ وتشرف على من يقوم بالتنفيذ، وهو ما يعطيها اليد العليا فى الحصول على البيانات.
ويزيد من خطورة الأمر أن الهيئات الحكومية تستسهل الاستعانة بالبرامج الخاصة لنظم المعلومات قادمة من المعونات وفق شروطهم دون أن تقوم ببناء البرامج بكوادر مصرية، والمعروف يقينا أن ما يتملك البرامج يستطيع أن يحصل على المعلومة، فى أى وقت يريده، طالما كان هو منتج البرنامج.
ويؤكد وكيل جهاز المخابرات السابق وخبير تأمين المعلومات، ضرورة مراجعة منظومة المعلومات فى الدولة، لأن «البعض منها جاء عبر معونات من الخارج، والبعض الآخر تديره شركات مساهمة، ومثال ذلك الشركة المحتكرة لغالبية أنشطة وزارة المالية، وليست فى يد الدولة، ونجد أن خطوط الربط أو نقل المعلومات عبر جهة لسنا نمتلك الولاية عليها وهناك خطر معلوماتى فى عدم السيطرة على هذه المعلومات».
ويعتبر اللواء الفقى أن جمع المعلومات وتأمينها «مشروع قومي» مثل شبكة الطرق، ومحور قناة السويس، لأنها تتيح لنا معرفة ما هى مصادرنا وثرواتنا ونقاط ضعفنا، ولذلك لابد من وضع خطة زمنية محددة لبناء هذه المنظومة، مؤكدا: لن «نتقدم أو نبارح خطوتنا بل سيحدث العكس ونتراجع أكثر دون أن نهتم برصد البيانات وتأمينها ولا نتركها سهلة فى متناول عدونا، لأنه قد يستغلها ضدنا بعد أن أصبحت المعلومات هى مصدر القوة، والورقة الرابحة فى حسم أى صراعات.