منال لاشين تكتب: ملف الوراق وأخواتها فى الحكومة
■ شريف إسماعيل ألغى قرار كمال الجنزورى وأخرج 17 جزيرة من المحميات الطبيعية
■ القرار الجديد يفتح الباب للحكومة لاستغلال الوراق وأخواتها استثماريا تحت ستار المحددات البيئية
■ عائد طرح الجزر سيذهب لتطوير القاهرة بعد نقل الوزارات للعاصمة الإدارية الجديدة ونسبة من العائد للمشروعات القومية
■ توقعات بأن تحصل الحكومة نحو20 مليار دولار من طرح الـ17 جزيرة ومع ذلك خططت لصرف مليار جنيه فقط للتعويضات
عادت مرة أخرى جزيرة الوراق للأضواء. القضية الآن أصبحت أكثر وضوحا الآن. الكلام على المكشوف. وصلنا إلى المعركة الحقيقية أو الهدف الحقيقى للحكومة سواء فى جزيرة الوراق أو أخواتها من الجزر النيلية الأخرى. راحت قصة إزالة التعديات،وهى القصة التى روجت لها الحكومة فى معركة الوراق السابقة. وحلت القصة الحقيقية، القصة التى خططت لها الحكومة منذ عام مضى. الآن وصلت القضية إلى محطة التعويضات. رسميا الحكومة تتفاوض مع الأهالى فى تعويضات إخلاء الأراضى. ولأن أقصر طريق بين أى خطين هو الطريق المستقيم. فقد وصلنا إلى المحطة الحقيقية لأزمة الوراق وأخواتها من الجزر النيلية. ربما تصل المفاوضات مع الأهالى إلى حل وسط يرضى جميع الأطراف. لأن الحكومة أوقفت اسطوانات الحفاظ على البيئة والاعتداء على اراضى الدولة. وبهذه المناسبة نكشف مستندات ملف القضية داخل الحكومة. مجرد قرارين لرئيس الحكومة بينهما أكثر من 20 عاما ونحو سبعة رؤساء حكومة. وما بين تغيير رؤساء الحكومة ومرور السنوات والثورات تحدد مستقبل جزيرة الوراق وسبعة عشر جزيرة أخرى. معركة الجزر ستبدأ بالوراق. وإذا نجحت الحكومة فى معركة الوراق فسوف تضمن النجاح فى الجزر الأخرى. إما إذا فشلت فى هذه المعركة فستغرق الحكومة فى مياه النيل بجوار هذه الجزر. وستكرر أخطاء الحكومات السابقة التى حاولت الحصول على الجزر مرات عديدة فى تجارب شهيرة فاشلة.
1- حماية الجنزورى
كان الدكتور كمال الجنزورى أول رئيس حكومة يترك له مبارك مساحة أكبر من الحرية فى اتخاذ القرارات، واختيار الوزراء. ربما يكون الجنزورى من رؤساء الحكومة النادرين فى مصر الذين رفضوا أن يكونوا مجرد سكرتارية للرئيس. وعلى الرغم من أن نسبة كبيرة من شركات القطاع العام بيعت فى عهد الجنزورى إلا أن الرجل كان يخشى التعامل مباشرة مع رجال الأعمال، ومع انتشار الخصخصة وحصول رجال الأعمال على شركات الدولة برخص التراب. طمع بعضهم فى الجزر وعلى رأسها الوراق والذهب. وثمة قصص وأسماء عن رجال أعمال كبار ومقربين فى ذلك العصر وضعوا أعينهم على الجزر فى القاهرة والجيزة وأسوان وكل مكان فى مصر توجد به جزيرة نيلية، وبعضهم تمكن فيما بعد من الحصول على بعض الجزر بالفعل. وتحول الأمر إلى قضية أمام القضاء بعد ثورة 25 يناير. وأشهر هذه القضايا قضية جزيرة البياضية. وحوكم بسبب هذه الجزيرة كل من رئيس الحكومة السابق الراحل الدكتور عاطف عبيد ورجل الأعمال حسين سالم. وكان من بين أسباب إحالة النيابة القضية للمحاكمة أن الجزيرة ضمن المحميات الطبيعية.
وفى ظل طمع رجال أعمال كبار فى الجزر كان على كمال الجنزورى أن يتخذ موقفا يحمى الجزر. وبحسب أحد العاملين مع الجنزورى فإن الرجل لم يكن واثقا من نوايا رجال الأعمال. ولذلك أصدر قرارا باعتبار 17 جزيرة نيلية محميات طبيعية. وكان القرار يحمل رقم 1969لسنة 1998
ونص القرار على اعتبار الجزر الواقعة داخل مجرى نهر النيل بشمال ووسط وجنوب الوادى وقناطر الدلتا وفرعى رشيد ودمياط محميات طبيعية وبذلك أصحبت أكثر من 17 جزيرة محميات طبيعية لا يجوز لمسها. أو تغيير طبيعتها وبالتالى لا يجوز بناء منتجعات سياحية عليها. فالمحميات الطبيعية لا يمكن أن تتحول إلى بيزنس سياحى إلا بالسماح لزيارة المحمية فقط.
وإذا كان أصدقاء أو انصار الجنزورى يروجون لفكرة أن القرار صدر لحماية الجزر من البيع،الا أن بعض خصومه يؤكدون أن القرار كان مجرد إجراء انتقالى لإخلاء الجزر من الاهالى. وبعد ذلك كان القرار سيتم إلغاؤه وتطرح الجزر للبيع.
ولكن القرار لم يلغ وظل ساريا حتى أقل من ثلاثة أشهر وتحديدا فى 6 يونيو الماضى.
2- نزع الحصانة
فى يوم 6 يونيو قرر رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل نزع الحصانة عن الوراق وأخواتها. فالقرار رقم 1310 لسنة 2017 أخرج الجزر من حصانة المحميات الطبيعية وهى الحصانة التى صبغها قرار كمال الجنزورى.
ولكن قرار شريف إسماعيل كان محددا. الجزر ذكرت بالأسماء وحصريا، وليس مجرد توصيف كما حدث فى قرار الجنزورى. وعدد الجزر فى قرار شريف إسماعيل 17 جزيرة بينها الوراق والذهب. ومن باب الديكور وضعوا المادة الثانية من قرار رئيس الحكومة. فالمادة تضع الجزر كمنطقة إدارية بيئية تخضع لوزارة البيئة أو بالاحرى للمحددات التى تضعها وتشترطها وزارة البيئة. وبهذا القرار أصبح الطريق مفتوحا أمام الحكومة للتصرف فى الجزر كيفما تشاء. فلم تعد الجزر محميات طبيعية ويمكن أن تتصرف مع الأهالى ولا يمكن لأحد الطعن أمام القضاء بأن الجزر محميات طبيعية لا يجب التصرف فيها بالبيع أو حق الامتياز الاستثمارى.
وقد توقفت بدهشة عن إصرار الحكومة على تحديد أسماء الجزر وكيفية اختيار هذه الجزر تحديدا وأسباب اختيارها. ولا يحتاج الأمر إلى مجرد خبير فى البيئة لأن الأسباب لها علاقة بالتخطيط والعمران والمشروعات وليس البيئة.
3- القاهرة الجديدة
فى مخطط القاهرة الجديدة. قاهرة ما بعد نقل الوزارات إلى العاصمة الادارية الجديدة. هذا المخطط يتضمن استغلال معظم الجزر السبعة عشر لأنها تدخل ضمن التخطيط.
قاهرة جديدة نظيفة وشوارعها كبيرة وحدائقها تسر الناظرين وتمتد فى كل مكان بالقاهرة الجديدة أو القاهرة التاريخية. ففى المخطط الجديد ستعود القاهرة لتنافس باريس وفيينا. واستغلال الجزر جزء محورى فى خطة تطوير القاهرة. بل إن هذا الاستغلال له جانبان أحدهما جمالى والآخر اقتصادى. فاستغلال الجزر وإعادة بنائها سيمنح القاهرة والجيزة بعدا جماليا. ومن ناحية أخرى فإن طرح الجزر للاستغلال أو بيعها سيوفر مليارات الجنيهات لمصر. هذه المليارات سيتم استغلالها فى تمويل تطوير القاهرة. وجزء من أموال البيع أو الاستغلال سيتم إعادة ضخه فى تمويل المشروعات العملاقة والقومية بمصر كلها،وليس القاهرة فقط.
وهناك تقديرات متفائلة لعائد استغلال أو بيع الجزر. والتقديرات تترواح ما بين 20 إلى 25 مليار دولار لجميع الجزر البالغ عددها سبعة عشر جزيرة ولكن أشهرها بالطبع الوراق والذهب. وهو عائد ضخم ويمكن أن يساهم فى إعادة بناء الدولة إذا أحسن استغلاله، خاصة إذا تم البيع أو حق الاستغلال بالدولار وليس بالجنيه، لان هذه الأموال أو بالاحرى الدولارات ستساهم فى تخفيف أزمة الدولار الخانقة فى مصر. بل إنها ستساهم فى حل أزمة ارتفاع الأسعار الجنونى. لان توافر الدولار سيؤدى إلى انخفاض سعره. وهو ما يؤثر على أسعار المواد والسلع المستوردة.
4- أزمة التعويضات
نحن إذن أمام مشروع يجلب على مصر الخير من نواحٍ عديدة، ولاشك أن لا احد يقف ضد التطوير والعمران والتحديث، أو ضد مصلحة الدولة. ولكن لا يجب من ناحية أخرى أن تتعارض مصلحة الدولة مع مصالح الناس، خاصة أننا نتحدث عن الناس الغلابة. فكل سكان الجزر السبعة عشر من الغلابة. وربما لهذا السبب تعاملت التقديرات الحكومية مع التعويضات بكثير من البخل. بحسب معلوماتى فإن الحكومة قدرت نحو مليار جنيه تعويضات لكل الجزر. وهذا رقم ضئيل جدا حتى على مستوى جزيرتى الوراق والذهب. وهما درة التاج فى الجزر.
ولذلك فإن معركة جزيرة الوراق هى معركة حاسمة جدا وحاكمة جدا،لان هذه المعركة ستصبح نموذجا لما يحدث فى حالة الجزر الأخرى. وطريقة تعامل الحكومة مع الوراق ستتحول إلى سابقة سيتم القياس عليها فى الجزر الأخرى.
وإذا أرادت الحكومة إخلاء الجزر فعليها أن تدفع للناس أصحاب الجزيرة الحقيقيين تعويضات مالية عادلة للمواطنين. تعويضات تتفق مع القيمة الحقيقية لأسعار الأراضى هناك، أما حكاية أن ترمى الحكومة كام مليون جنيه للأهالى فهى حكاية فاشلة، وقصة طمع متكررة. ففى كل مرة حاولت حكومة مصرية إخلاء الجزيرة سواء الوراق أو الذهب فشلت خطة الاخلاء. لأن الحكومة تتصور انها يمكن أن تكسب المليارات بمجرد رمى الفتات للمواطنين. وإذا أرادت الحكومة أن تنجح فى خطة إخلاء الجزر فعليها أن تتجنب تكرار هذا الخطأ أو الخطيئة. وليس أمام الحكومة سوى طريقين أما بناء مدن مجهزة للأهالى أو تعويضهم ماليا بشكل عادل. وبدون أن تسير الحكومة فى أحد هذين الطريقين ستكون العواقب وخيمة. لست ضد التطوير ولا ضد أن تصبح القاهرة باريس أو ڤيينا ولا أن تصبح الوراق وجزيرة الذهب مانهاتن، ولكننى ضد ظلم المواطنين. فأسهل طريق لبناء الوطن هو الحفاظ على كرامة وحقوق المواطن.