مي سمير تكتب: تركيا "تستفز" مصر بالتنقيب عن حقل غاز بجوار "ظهر"
إسرائيل تستعد لحرب محتملة على الغاز الطبيعى فى البحر المتوسط وتخصص 420 مليون دولار لتزويد البحرية الإسرائيلية بنظم بحرية لحماية حقول الغاز فى البلاد وممرات الشحن
تحت عنوان (حرب الغاز الطبيعى تختمر فى البحر الأبيض المتوسط) نشر موقع «oilprice» المعنى بشئون الطاقة فى مختلف أنحاء العالم تقريرا عن كواليس ما يحدث فى شرق البحر الأبيض المتوسط فى ظل اكتشافات الغاز الطبيعى التى تزيد من حدة التوترات السياسية.
بدأ التقرير بالإشارة إلى تصاعد المخاطر الجيوسياسية فى المنطقة فى ظل الجهود الاستكشافية المتزايدة من ناحية، والاتفاق المحتمل على خط أنابيب الغاز بين تركيا وإسرائيل من ناحية أخرى. وفى الوقت الذى بدأت فيه الآفاق التجارية تبدو جيدة لجميع الأطراف، فإن الصراع العسكرى الحقيقى يختمر أيضا وقد يطفو على السطح إذا لم تتمكن قبرص واليونان وتركيا من إيجاد حل قريبا.
1- أطماع تركيا
فى الآونة الأخيرة، كان التفاؤل كبيرا حول احتمالات تطورات الغاز القبرصى فى الخارج، ليس فقط بسبب زيادة الاهتمام والاتفاقات التى توصلت إليها نيقوسيا وعدد من الشركاء الدوليين، لكن بحسب النجاح المحتمل فى إعادة توحيد قبرص، غير أن آخر التطورات أثبتت مجددا أن الرياح قد تأتى بما لا تشتهيه السفن، حيث لم يتمكن الطرفان الرئيسيان، وهما قبرص اليونانية وقبرص التركية، مرة أخرى من إيجاد حل للنزاع.
ولا يزال الجانبان يتهمان بعضهما البعض بعدم رغبتهما فى التوصل إلى حل نهائى، ويمكن لهذه المواجهة العسكرية المستمرة أن تهدد المشاريع الجارية للتنقيب عن النفط والغاز التى تقوم بها كبرى شركات النفط مثل الشركة الفرنسية توتال وشركة إينى الإيطالية، وأعلنت شركات النفط أنها ستبدأ عمليات الحفر البحرية فى منطقة (بلوك 11) يوم 16 يوليو.
رد فعل أنقرة كان حازما جدا، وأدانت تركيا هذه العمليات وهددت باتخاذ جميع التدابير اللازمة، فى الوقت الحاضر، أرسلت تركيا فرقاطة (تى سى جى جوكشيدا) إلى المنطقة، مع غرض وحيد ألا وهو مراقبة الحافرة (غرب كابيلا) المستخدمة فى الحفر فى منطقة ( بلوك 11)، وصلت «غرب كابيل» بالفعل فى المياه القبرصية، وعند إعطاء الضوء الأخضر، فإن السفينة سوف تبدأ الحفر فى عمق مياه يصل إلى 700 متر. ومن المتوقع أن يستمر العمل لمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، ومن المتوقع الإعلان عن النتائج الأولى فى خريف هذا العام، ويتوقع المحللون أن تكون عملية الحفر ناجحة، حيث إن بلوك 11 قريب من اكتشاف الغازات البحرية الهائلة فى حقل (ظهر) فى مصر.
وبسبب أنشطة الحفر البحرية، أغلقت قبرص خمسة أميال حول منطقة (بلوك 11) وكتلتين متجاورتين أمام حركة المرور البحرية، وترى أنقرة أن هذه التحركات بمثابة المواجهة المباشرة، إذ إنها تؤكد دائما أن جميع موارد الجزيرة (بأكملها) تنتمى إلى كلتا الطائفتين (القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك)، ونشرت الصحافة التركية، على لسان مسئولين أنه ينبغى تقاسم جميع الموارد (الغاز) بين هاتين الطائفتين.
وخلال المؤتمر العالمى الثانى والعشرين للبترول الذى عقد فى إسطنبول - شهر يوليو- قال الرئيس التركى رجب طيب أردوجان: (توقعنا من الأطراف فى قبرص تجنب الخطوات المؤدية إلى توترات جديدة فى المنطقة)، وأضاف محذرا: (علينا تذكيرهم بأنهم قد يواجهون خطر فقدان صديق مثل تركيا، وليس فقط فى المنطقة، ولكن فى أى مكان وفى أى مجال ).
وبحسب التقرير فإن تركيا فى الوقت الحاضر لا تكتفى بدور المراقب للأحداث ولكنها قررت بدورها أن تلعب لحسابها، فى رد فعل على عملية الحفر القبرصية، أرسلت تركيا بالفعل سفينة البحوث والتنقيب (بارباروس هايرتين با) وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركى بيرات البيرك إن تركيا ستبدأ عمليات الحفر فى البحر المتوسط من خلال شراء سفينتها الخاصة هذا العام. وكانت عدة سفن تابعة للبحرية التركية تسيطر بالفعل على جزء من المناطق المتنازع عليها.
وحتى الآن، كانت تطورات الغاز القبرصى مرتبطة ارتباطا مباشرا بمشاريع الغاز البحرى الإسرائيلية الجارية، وفى يونيو الماضى، ناقشت اليونان وقبرص وإسرائيل خططا لخط أنابيب طموح للغاز الطبيعى تحت الماء، هذه الأنابيب، وفقا للمسئولين، سوف تحمل الغاز الطبيعى من الاحتياطيات الإسرائيلية والقبرصية فى شرق البحر المتوسط إلى أوروبا.
ويبلغ طول خط الأنابيب أكثر من 2000 كم ويتوقع أن يكلف أكثر من 6 مليارات دولار، ما يسمى خط أنابيب الشرق الأوسط سيكون من بين أطول خط أنابيب فى العالم، وكانت إسرائيل فى ذلك الوقت - كما ذكر رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو - لا تزال تدعم الخطط، هذا التكامل الاستراتيجي بين قبرص وإسرائيل واليونان من جهة والاتحاد الأوروبى من جهة أخرى مهدد الآن، خلال زيارة وزير الطاقة الإسرائيلى يوفال شتاينتز لتركيا فى شهر يوليو، قررت الدولتان الإسراع فى التوصل إلى اتفاق حكومى دولى حول بناء خط أنابيب بين إسرائيل وتركيا. ومن المقرر أن يزور وزير الطاقة التركى بيرات البيرك إسرائيل بنهاية هذا العام لإنهاء هذا الأمر.
تأتى إمدادات الغاز الرئيسية الإسرائيلية من حقل غاز ليفياثان الإسرائيلى (613 مليار متر مكعب من الغاز و39.4 مليون برميل من المكثفات)، ولا تزال تل أبيب تبحث عن شركاء إضافيين لجعلها مجدية اقتصاديا. وقال شتاينتز: (نريد بناء خط أنابيب يمتد من إسرائيل إلى تركيا من أجل تصدير الغاز الطبيعى من إسرائيل إلى تركيا)، مشيرا إلى أن الغاز الإسرائيلى يمكن تسليمه إلى أوروبا والبلقان عبر تركيا. حسب تقرير موقع oilprice فإن الأفكار الإسرائيلية واضحة، ولكنها ستكون فى صراع مع التطورات الأخرى فى شرق البحر الأبيض المتوسط.
2- تصاعد عسكرى
يضيف التقرير الأمريكى أن العرض الإسرائيلى مع أنقرة يمكن أن يؤدي إلى انهيار الخيارات بين إسرائيل وقبرص واليونان وكذلك مصر، لأن الآخرتين لا يعطيا اهتماما كبيرا أو حتى معارضة شديدة للتعاون المحتمل مع أنقرة. تل أبيب يمكن أن تكون فى طريقها إلى مستنقع يمكن أن يزيد من حالة عدم الاستقرار فى المنطقة بشكل كبير. وفى حالة اختيار الجانب التركى تضع إسرائيل قنبلة فى إطار الاستراتيجية الأوروبية الاخرى التى تركز على قبرص واليونان ومصر. كما أسفرت التهديدات التركية للتطورات البحرية القبرصية رد فعل قاس من قبل أثينا. وكانت اليونان قد أعلنت رسميا أن اليونان ستستجيب للدفاع عن حقوقها السيادية. وهذا التصريح الأخير بمثابة علامة أخرى على تزايد التوترات بين حلفاء الناتو. هناك حاجة إلى الدعم اليونانى لقبرص، ولكن نيقوسيا تلقت أيضا الدعم من واشنطن والمفوضية الأوروبية. وقد أعلنت بروكسل علنا أن على أنقرة الامتناع عن توجيه تهديدات ضد الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى. وفى رد فعل، ذكر يورجوس لاكوتريبس وزير الطاقة القبرصى فى مايو أن بلاده ستواصل مشروعها لتطوير الغاز الخارجى، مع الحفاظ على هذا الملف «منفصلا تماما» عن المفاوضات من أجل إعادة توحيد الجزيرة.. كما رد رئيس الوزراء اليونانى الكسيس تسيبراس على التهديدات الضمنية من قبل أنقرة. وقال رئيس الوزراء اليونانى إن التطورات الأخيرة لا تجعل أثينا تشعر بالسعادة.
وينتهى التقرير الأمريكى بالإشارة إلى أن احتمال تصعيد الصراع بين الأطراف هو احتمال حقيقى. وخلال الأشهر الماضية، أشارت مصادر فى الاتحاد الأوروبى والناتو إلى أن تركيا تنتهك المجال الجوى اليونانى بشكل منتظم، كما أن السفن البحرية التركية تعبر المياه الوطنية القبرصية، عندما تظهر هذه السفن نية عسكرية حقيقية فى المياه القبرصية، يمكن أن تؤدى إلى مواجهة عسكرية، حيث إن اليونان وقبرص قد وضعتا منذ عام 1993 مذهبهما الدفاعى للمنطقة الواحدة، الذى يهدف إلى ردع بلد آخر أو الرد عليها بصورة مشتركة.
حسب التقرير فإن الموقف المصرى سيلعب دورا محوريا فى هذا الصراع، ويصف التقرير أن المجهول الرئيسى فى هذا الصراع المختمر هو الموقف الذى ستتخذه مصر، وكانت القاهرة واحدة من أهم الموردين المحتملين للغاز الطبيعى إلى أنقرة، ولكن السياسة عرقلت صفقة محتملة حتى الآن. دعم تركيا المستمر لقطر إلى جانب دعمها لجماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى، تسبب فى غضب فى مصر. وفى حال تصاعد الصراع المحتمل فى شرق المتوسط، سيتعين على تركيا تقييم مشاركة مصر المحتملة أيضا. واعترفت إسرائيل بالفعل بقضايا الأمن البحرى، فى هذا الإطار أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنها وقعت صفقة بقيمة 420 مليون دولار لتزويد البحرية الإسرائيلية بنظم بحرية لحماية حقول الغاز فى البلاد وممرات الشحن. تأتى هذه الصفقة بالإضافة إلى شراء إسرائيل الحالى لـ 4 سفن حربية من طراز سار-6، والتى ستستخدم لحراسة المياه الإسرائيلية فى البحر الأبيض المتوسط. وتتضمن الصفقة الجديدة بطاريات الدفاع الصاروخى، وأدوات الحرب الإلكترونية، ونظم الملاحة، ومراكز القيادة والتحكم، ومعدات الاتصالات وغيرها من النظم البحرية. وذكرت الوزارة أن هذه الصفقات تعد معلما مهما فى الخطة متعددة السنوات لحماية حقول الغاز الإسرائيلية.