رامى المتولى يكتب: نهاية البشر وصحوة القرود
السينما تتخد الطريق غير المألوفة لتصل إلى الغاية المألوفة والمعروفة، عالم من الخيال لا حدود له ينقل لك أفكار العالم المحدود الممل والكئيب الذى نعيشه، لذلك تمثل «ماذا لو؟» أساس الكثير من الأعمال السينمائية المتفوقة، سلسلة من التباديل والتوافيق، فى Planet Of The Apes كانت اللعبة هى قلب أدوار البشر والقرود، القردة متفوقة وتستعبد البشر، فى آخر أجزاء السلسلة War Of The Planet Of The Apes تحولت اللعبة لفكرة أعمق دعمًا للسلام ونبذ الحروب وميل الطبيعة دائما لتنقية الشوائب.
إعادة الإنتاج أصبحت إحدى السمات التى تميز إنتاج هوليوود فى السنوات الأخيرة، تفشل سلسلة أو فيلم بداية سلسلة تجد الاستوديوهات الحل فى التوقف لعدة سنوات ثم إعادة الكرة ولو فشل الإطلاق الثانى لا يوجد أى مانع من تكرار المحاولة مرة ثالثة، وأحيانا ترغب رؤوس الأموال فى استغلال نجاح سابق بإعادة صناعته من جديد، «كوكب القرود» أو Planet Of The Apes ينطبق عليه النوعان السابقان فالجزءان الأول والثانى من السلسلة الأصلية عامى 1968 و1970 كانا جيدين وحققا نجاح وانتشارا لكن الأجزاء التالية من عام 1971 وحتى 1973 لم تكن على نفس المستوى ومات المشروع سينمائيا حتى أحياه تيم بيرتون عام 2001 بفيلمه Planet of the Apes ولم يحقق نفس النجاح السابق أو النجاح المرجو ليتوقف الأمر عند هذا الحد حتى عام 2011 موعد عرض النسخة المنقحة والأفضل والتى اختتمت بثالث فيلم هو War Of The Planet Of The Apes مع احتمالية وجود جزء رابع لكنه حتى هذه اللحظة مشروع فيلم لم تحدد تفاصيله بعد.
إجابة السؤال «ما الذى يجعل الفيلم الأخير هو الأكثر تميزًا وسط كل ما أنتج عن القرود وكوكبهم؟» ببساطة الجزء الثالث من السلسلة المعاد إنتاجها جمع عناصر تفوق بشكل طبيعى دون أى مغالاة أو تغليب عنصر على الآخر، المؤثرات والخدع البصرية لم تكن مبالغة أو تستعرض على الجمهور بهدف الإبهار بل كانت فقط تخدم الصورة العامة، يمكن تصنيف الفيلم أنه فيلم حربى وحركة ودراما وإثارة وكوميدى، الحوار جيد جدًا لا يعرض أفكار الشخصيات الرئيسية وكأنها محاضرات أخلاقية وفلسفية بل يخدم الصراعات واختلاف الآراء والمصالح وذلك كمنهج منذ أول أجزاء السلسلة المعاد إنتاجها وصولا لثالث أجزائها العام الجارى.
منذ البداية قبل 10 سنوات والأحداث تسير نحو كوكب ساكنيه من القرود على الرغم من تفوق البشر الواضح وتقدمهم العلمى، لكن الجانب المظلم للنفس البشرية والميل للعنف والاستقواء على كل شيء حتى الطبيعة ومحاولة تغيير كل التفاصيل سواء لرغبة فى الخير كما فعل دكتور ويليام (جيمس فرانكو) فى الجزء الأول لعلاج مرض ألزهايمر وانتهى بطفرة جينية عند القرد سيزار أو لدوافع سادية وشريرة مثل دودج (توم فيلتون) الذى تسبب فى غضب عارم فى مجتمع القردة أدى إلى الثورة العنيفة والهروب للغابات وما يمكن توصيفه بأنه بداية نهاية الحضارة البشرية على كوكب الأرض فى السلسلة وهى النقطة التى لم يلتفت لها أى من صناع الأفلام السابقة بمثل هذا الوضوح، خاصة أن الهدف التجارى والإبهار كانا يقودان إنتاج الأفلام السابقة، أما تعميق الفكرة فلسفيًا والوصول بشكل سينمائى غير مباشر إلى حقيقة ما يفعله البشر بشكل سلبى على كل ما حولهم.
آندى سركيس وودى هارليسون قدما مواجهة تمثيلية متقنة لا تدلل إلا على كون كل منهما ممثلا قديرا ومتمكنا، فالعنصر الذى يعتمد عليه كلاهما فى مشاهد المواجهة غير موجود، فـ آندى صاحب الأداء الجسدى والصوتى لشخصية القرد سيزار والذى تنتقل تعبيرات وجهه للشخصية التى تظهر على الشاشة باستخدام الخدع البصرية والمجسات التى تغطى وجهه وجسده أثناء التصوير فى مقابل وودى الذى قدم شخصية العميد ذلك القائد العسكرى الذى ذهب حكمه الصحيح وحسن تقديره للأمور بسبب التغيرات المحورية التى طالت البشر وآخرها الفيروس الذى يعيد البشر لحالة بدائية وكأن الطبيعة تعاقبهم على كل ما اقترفوه لسنوات فى حقها بأن تسلط عليهم فيروس يدمر أعز ما يملكونه وهو القدرة على الكلام والإبداع.
مشاهد المواجهة بين الشخصيتين هى الأفضل فى السلسلة بأكملها، خاصة مشهد المواجهة الفردية بين سيزار المدفوع بالانتقام والكراهية فى مقابل الكولونيل الذى ينتصر لقاعدته بشكل راديكالى، وما بين كل الممثلين ونجاح كل منهما فى الأداء يقف عشرات من الفنانين خلف الكاميرا فى عناصر الماكياج والديكور والخدع البصرية والملابس والتصوير، وبالطبع الموسيقى التصويرية التى صاحبت نجاح الجزء الأول مع صعود نجم سيزار وصولا للجزء الأخير والتى صاغها شخصان مختلفان هما باتريك دويل فى الجزء الأول ومايكل جاكينو فى الجزءين الثانى والثالث والذى حافظ على الروح التى ميزت الجزء الأول وهى كونها موسيقى تعبر عن الملحمة والصراعات.
التالى كشف لنهاية الفيلم
الخاتمة تبدو وكأن كوكب الأرض يستعيد عافيته، وغباء البشر هو ما تسبب بفنائهم بعد أن تحول جميع من على الأرض إلى مقاتلين يحاربون القرود فى البداية ثم يحاربون بعضهم البعض عند اختلافهم فى الرأى واستخدامهم للقوة المفرطة وعدم لجوئهم للسلام وإعادة الإعمار والتركيز على المشاكل الرئيسية أودى بحياة الجنس بأكمله لتبدأ حياة جديدة مع القردة الأذكى فى التعامل والتى عانت من قرون من الاضطهاد.