أحمد فايق يكتب : مصر التى فى خاطرى.. للبيع

مقالات الرأي

أحمد فايق يكتب :
أحمد فايق يكتب : مصر التى فى خاطرى.. للبيع


هل هناك مخطط لذبح الفن والثقافة فى مصر بطريقة ناعمة ؟

تعودنا منذ عهد المخلوع على وقاحة بعض مشايخ الفتنة فى التعامل مع الفنانين والمثقفين باعتبارهم خوارج عن الدين، يصفونهم بأبشع الألفاظ ويطاردون الأفلام قضائيا، بعضهم مصاب بعقد جنسية تجعلهم يلهثون وراء فساتين النجمات والمشاهد الحميمية للأفلام، يطالبون بمنع القبل فى الأفلام رغم أن مصر ثانى دولة فى العالم الأكثر مشاهدة للمواقع الجنسية، يتجاهلون قيمة السينما المصرية التى وثقت لمشاعر المصريين لأكثر من مائة عام، يعرفون جيدا أن السينما المصرية هى من حرضت على الثورة، وساهمت أفلامها فى تعرية المجتمع وكشف الفساد فيه، نبرة تحقير الفن ازدادت بعد الثورة، ووصلت إلى قمتها بعد تولى مرسى الرئاسة.

الثقافة والفن هما عدوان طبيعيان للأنظمة الفاشية والتطرف الدينى، هما المرأة التى يرى فيها هؤلاء وجههم البشع، وبدلا من إصلاح أنفسهم يسعون دائما لمنع الثقافة، ودائما يفشلون فى هذا، فطوال التاريخ المصرى منعت مئات من الكتب والأفلام رسميا لكنها ظلت فى عقول كل من شاهدوها وقرأوها، هل تستطيع أن تتذكر من هو رئيس الوزراء حينما عرضت رائعة شادى عبد السلام «المومياء».. من هو وزير الصحة حينما قدم إسماعيل ياسين سلسلة الأفلام التى تحمل اسمه فى الجيش والبوليس والطيران والأسطول.. من كان رئيس الرقابة على المصنفات الفنية حينما غنت أم كلثوم «الأطلال»، أيهما بقى صوت أم كلثوم وإحساس عبد الحليم حافظ أم سخرية الشيخ كشك منهما؟.

هل غزا جمال عبد الناصر العرب بالكاريزما فقط أم استعان بأشعار صلاج جاهين وصوت عبد الحليم وموهبة سعاد حسنى، إذا وجدت مناقشة حادة بين مصريين أو عرب حول الأوضاع السياسية أو شخصية سياسية لن يتفقا على شىء سوى أن فاتن حمامة هى سيدة الشاشة العربية، وأن أفلام يوسف شاهين بها فلسفة تجاوزت العصر الذى صنعت فيه وأن فايزة أحمد هى أفضل من غنت للأم وبليغ حمدى هو صانع البهجة فى حياتنا، وتعلمنا منه حب الوطن، ولم نعرف الضحكة من داخل القلب إلا حينما نشاهد فؤاد المهندس، وأن الله منّ علينا بفتيات أحلام كثيرة شاهدناهم فى الأفلام من هند رستم لميرفت أمين ومريم فخر الدين وزبيدة ثروت وغيرهن، هل ينكر أحد أن مصر التى فى خاطرنا صورة ذهنية صنعها الفنانون والمثقفون، وأفضل بكثير من الواقع الذى لم يعطنا شيئا.

دائما نطرح السؤال ولا نجيب عنه.. يعنى إيه كلمة وطن؟ رغم أن الإجابة بين أيدينا، الوطن عرفناه فى رواية توفيق الحكيم «عودة الروح» وأغنية شادية «ياحبيبتى يامصر» وفيلم «الناصر» ليوسف شاهين وألحان سيد درويش وموسيقى «بلادي» لمحمد عبد الوهاب ورأفت الهجان «محمود عبد العزيز» وأدهم صبرى لنبيل فاروق وشعر فؤاد حداد وبيرم التونسى وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وعبد الرحمن الأبنودى، فكن جريئا وشجاعا ولا تنظر لهؤلاء باعتبارهم كفرة أو ملحدين، هؤلاء هم صانعو البهجة فى حياتنا ونحاتو صورة الوطن فى قلوبنا.

هناك حالة من التخريب المتعمد تتم فى وزارتى الثقافة والإعلام للقضاء على الفن المصرى، وزير الإعلام صلاح عبد المقصود قال إنه يفكر فى إلغاء قناة نايل سينما وضمها لقنوات الدراما توفيرا للنفقات، التليفزيون المصرى أصبح يمتلك حقوق عرض 57 فيلما فقط من خمسة آلاف صنعتهما السينما المصرية، وهى مهزلة حقيقية فقد تنازل الإعلام المصرى وبرغبته عن تاريخ مصر السينمائى، التاريخ الذى دفعت فيه السعودية مليارات الدولارات للحصول عليه ونجحت بتواطؤ من المخلوع، السينما المصرية ثروة لا تقدر بثمن مثلها مثل الأهرامات والمعابد الفرعونية فى الأقصر وأسوان، وأكثر أهمية من قناة السويس، ورغم ذلك لم يتبق منها سوى 57 فيلما فى التليفزيون المصرى وقناة سيتم إغلاقها، الكارثة أننا آخر جيل استمد هويته من الثقافة المصرية، وهناك جيل قادم سيرى نفسه فى صناديق «محمد حسين يعقوب» وفتاوى العريفى وإبداع ياسر برهامى وموهبة محمد حسان.

وزارة الثقافة بداية ذبحها بفصلها عن الآثار، وأصبح صندوق التنمية الثقافية بلا موارد تقريبا، فقد كان المجلس الأعلى للآثار يدفع مالايقل عن 120 مليون جنيه لخدمة الثقافة المصرية، وتم سحب هذا المبلغ من الصندوق، تراجعت الوزارة أيضا عن مشاركة المثقفين فى مجالس إدارة مؤسساتها المختلفة، ولم يتحمل بعضهم جرائم العسكر ضد الثوار وقدموا استقالاتهم، والبعض الآخر تم الاستغناء عنه لأسباب معلومة للجميع، وهى ذبح أى صوت معارض لسياسة الوزير، لو نظرت إلى اللجان التى تشكلها وزارة الثقافة ستجد أن متوسط أعمارها يتجاوز الستين عاما، وكأن الشباب فى مصر غير موجودين ولا دور لهم، إلهام شاهين كان سيتم تكريمها فى مهرجان القاهرة، ثم تراجعوا عن القرار، فالوزير لا يريد إغضاب عبدالله بدر، فهو بالنسبة له أكثر أهمية مما قدمته إلهام شاهين للسينما المصرية، هناك فارق كبير بين وزير ثقافة يعمل عند المثقفين وهذا نموذج نادر لا يستطيع أن يعيش وسط الأنظمة الديكتاتورية، ووزير آخر يعمل عند النظام أيا كانت توجهاته، ووزير الثقافة الحالى يعمل عند الرئيس مرسى، ولا يهتم بالثقافة، ومن الطبيعى أن يشعر بالسعادة حينما يقرأ هذا المقال، وربما يرسل منه نسخة لرئاسة الجمهورية ومكتب الإرشاد ليثبت لهم مدى إخلاصه لهم، لكنه سيغضب حينما يسأله أحدهم ماذا سيقول أبناؤك وأحفادك عن دورك فى تخريب الثقافة؟