فتاوى صادمة أطلقها أزهريون ومفكرون إسلاميون
الإسلام لم يكفر اليهود والنصارى وشرب الخمر ليس حراما
محمد شحرور: الدين طالبنا بإعمال العقل.. وقصر فهم الآيات على السلف خطيئة كبرى
القرآن الكريم لم يتحدث عن تحريف التوراة والإنجيل.. وتعدد الزوجات ليس من الإسلام
تشتعل فتن الشيوخ وعلماء الدين من وقت لآخر، بسبب فتاويهم الغرائبية، التى ترفع درجات الاحتقان داخل المجتمع، وعندها يهب الأزهر الشريف لإطفاء نار الفتنة قدر المستطاع، حلا للأزمة.
يحدث ذلك رغم أن الفتوى الدينية مجرد اجتهاد بشرى، يحتمل الخطأ والصواب مهما بلغت درجة حدتها، شريطة ألا تكون الفتوى حض على العنف والكراهية أو ازدراء للأديان.
وحسب تصريح للإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، فى أحد الحوارات التليفزيونية، قال الإمام الأكبر ما معناه أن علماء الأزهر يرفضون المجازفة بالبحث فى ما وراء آيات القرآن الكريم من جديد، ويخشون مواجهة المجتمع بفتاوى جديدة، كما يخشون تحمل ذنب أى فتوى أمام الله.
ولكن مهما كانت أسباب الجمود فالأيدى المرتعشة لا تصنع النجاح، ولا تستطيع وأد الفتن أو تنوير العقول، ولا يمكن أن يكون دور علماء الدين هو حفظ وتلقين ما اجتهد فيه السلف. كأن الدين يأمرنا بوقف إعمال العقل!
الدكتور مصطفى راشد، أستاذ الشريعة، وعضو لجنة حوار الأديان، وعضو اتحاد الكتاب الإفريقى الآسيوى، والحاصل على الدكتوراه من جامعة الأزهر بتقدير امتياز عام 1987، ويقيم حالياً فى أستراليا له الكثير من الفتاوى الصادمة، وأهدر بعض رجال الدين دمه، واتهموه بالكفر والتبشير.
مصطفى راشد له فتوى صريحة بأن اليهود والنصارى ليسوا كفارا،ً وإنما من أهل الكتاب، مؤكدا أن الحديث بأن الإسلام يكفر اليهود أو النصارى، حديث عارٍ من الصحة، وأوضح أنه فيما يخص تحريف التوراة والإنجيل استنادا إلى الآية 75 من سورة البقرة: «أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقاً منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون».. والآية 46 من سورة النساء: «من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا فى الدين».
فإن تلك الآيات تتحدث عمن يحرفون الكلم عن مواضعه، والضمير عائد على رجال الدين اليهودى أو المسيحى، وليس الكتب السماوية، كما تشير سورة الأنعام 34 إلى استحالة تحريف الكتب السماوية: «ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأذوا فى سبيلى حتى اتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين»، وفى ذات السورة الآية 115: «وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم». وبالتالى فمن يكفر اليهود والنصارى لا يعلم صحيح الدين.
وأضاف أن القرآن الكريم به الكثير من الآيات التى تعظم الإنجيل والتوراة، ومنه الآية 3 من سورة آل عمران: «نزل عليك الكتاب بالحق وانزل التوراة والانجيل»، والآية 48 من ذات السورة: «ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل»، والآية 43 من سورة المائدة: «وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين»، والآية 44 من ذات السورة فى قوله تعالى: «إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون».
حملت رسالة الدكتوراه التى تقدم بها «راشد» للحصول على الدكتوراه ونالت تقدير عام امتياز، عنوان «الحجاب ليس فريضة إسلامية»، وجاء فيها أن تفسير الآيات بمعزل عن ظروفها التاريخية، وأسباب نزولها أدى إلى فهم مغلوط حول ما يسمى الحجاب الإسلامى، وأوضحت أن ورود ذكر الحجاب فى الآية 53 من سورة الأحزاب، كان المقصود به الحائط أو الساتر، ويتعلق بأمهات المؤمنين الطاهرات المطهرات، ويحث على وجوب وضع ساتر بينهن وبين الرجال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الاستدلال بآية الخمار التى وردت فى سورة النور رقم 31، فهو أيضا استدلال باطل، لأن المقصود ستر النحر، وهو أعلى الصدر، وستر العنق أيضا، وفيما يخص آية الجلابيب التى وردت فى صورة الأحزاب، فى الآية 59، فإن سبب نزولها يرجع إلى عادة كانت موجودة لدى النساء فى ذلك الوقت، وهو كشف وجوههن مثل الإماء أو الجوارى، حيث كان بعض الفجار يسترقون النظر إلى النساء، فنزلت تلك الآية لوضع فارق وتمييز بين الحرائر والإماء والجوارى، حتى لا تتأذى المؤمنة العفيفة.
وأخيراً فإن الاستدلال بحديث أسماء بنت أبى بكر، عندما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بألا تكشف إلا عن وجهها وكفها، فهو استدلال لا يعتد به، لأن الحديث من أحاديث الآحاد، وليس من الأحاديث المتواترة.
وأوضح أن البعض اختزل مقاصد الشريعة، ورفض إعمال عقله، وأورد نصوصا فى غير موضعها، وفسرها على هواه، إما لرغبته فى أن يكون التفسير هكذا، أو لحسن نيته لأن قدراته التحليلية توقفت عند هذا الحد.
واعتبر أن الحجاب شعارًا سياسى، يؤدى إلى التفرقة بين المواطنين والتمييز بينهم، وتسبب فى حدوث مصادمات، وفصل من الجامعات والوظائف فى أكثر من دولة، بسبب تمسك المسلمة بفهم خاطئ لما يسمى بالحجاب.
وفى فتوى أخرى أجاز «راشد» شرب الخمر، معتبرا أن الآية الكريمة من سورة النساء التى تنص على: «لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى»، تقطع الشك باليقين بحرمانية الصلاة حال السكر فقط، إلا أن تحريم الخمر فى ذاته لم يقع.
وفيما يخص الآية الكريمة من سورة البقرة: «يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما»، يرى «راشد» أنها ليست نص تحريم، كما الوضع فى الآية التى وردت فى سورة المائدة: «حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير»، وهى نص تحريم واضح.
وكذلك فى سورة المائدة: «يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون»، نجد أن الخمر مكروه وليس محرماً، مشيراً إلى أن القرآن مدح الخمر فى آيات أخرى كالآية التى وردت فى سورة محمد: «مثل الجنة التى وعد المتقون فيها انهار من خمر لذة للشاربين.
وفيما يخص الأحاديث النبوية التى حرمت شرب الخمر، فإن التحريم هو أعلى درجات الأحكام فى الشريعة الإسلامية، ولا يكفيه حديث يصدر عن أحد الرواة، بحسب قوله.
المفكر الإسلامى السورى د.م محمد شحرور، ومؤلف كتاب القراءة المعاصرة للقرآن وللعلم، رفض الاستناد إلى تفاسير صدرت منذ مئات السنين، وأطلق مجموعة من النظريات الجديدة حول بعض المفاهيم الفقهية المترسخة، منها على سبيل المثال رفضه لتفسير قطع يد السارق، قائلا إنه إذا قصرنا تدبر وفهم القرآن الكريم على فهم السلف الصالح له فإننا نقول بذلك إنه لا فهم ولا عقل إلا عقل السلف، وبذلك نخالف الآيات الكريمة التى أمرنا الله فيها بالتفكير والتدبر، مثل: «أفلا يعقلون»، و»لقوم يتفكرون»، و«ان فى ذلك لآيات لأولى الالباب»، وفى هذا خطيئة كبرى تمارسها السلفية الوهابية.
وفى شرحه للآية الكريمة: «السارق والسارقة»، قال إنها جاءت بصيغة مبالغة، وتعنى محترفى السرقة وليس كل من سرق، وقد فسر الفقهاء القطع على أنه بتر، وهو تفسير خاطئ، لأن الله لو أراد البتر لقاله، كما سبق وقال فى سورة الكوثر: «ان شانئك هو الأبتر»، لأن البتر يعنى الفصل، أما القطع فيعنى بقاء الأمر على حاله، مع وجود حالة من التباعد. وفى الآية السابقة قال تعالى أيديهما، أى اليدين لكل من السارق والسارقة، وليس يداً واحدة، وهو ما يعنى أن نكف أيديهما عن السرقة، وذلك بحبسهما أو تعليمهما حرفة، والدليل على ذلك قوله تعالى فى صورة الرعد: «والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل»، أى أنهم يمنعون وصول أمر الله للأرض، وقوله تعالى فى سورة الأنبياء: «وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون»، بمعنى التفريق وليس الفصل والبتر، وبحبس السارق فإننا بذلك نمنعه عن أذى المجتمع.
وأضاف أن هناك أمراً ثانياً مهماً، وهو ماذا يفعل اللص بعد البتر، وكيف يعمل ويديه مقطوعتان، ومن الذى سيعوله إذا تبين أنه برىء ؟ بالإضافة إلى أننا بعقوبة البتر نمنع اللص عن الصلاة، بل عن التوبة، فمن سيقبل أن يوظفه، ومن سيقبل أن يزوجه ابنته؟ وغير ذلك من مضاعفات كثيرة، ولذلك فمن كل الأوجه فإن القطع لا يعنى البتر، ولذا وجب تجديد الفقه، وتعليم الجهلاء الذين يطالبون بتطبيق الشريعة دون فهم.
وأشار إلى أن البتر كان من شرائع اليهود، وقد خرج علينا من ألصقه بالإسلام، فى حين أن الإسلام منه براء.
وفى دراسة أخرى لـ«شحرور»، اعتبر أن معتقد تقسيم الميراث للذكر مثل حظ الانثيين، تفسير خاطئ للآيات القرآنية، حيث إنه بتطبيق النظرية الرياضية سنجد أن القرآن الكريم جعل الذكر تابعاً لمتغير، بمعنى أن الآية الكريمة التى تقول: «للذكر مثل حظ الانثيين»، تعطى للذكر حظ الانثيين فى حالة وجود أختين للولد، أو بمعنى أدق يظل نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى فى حالة وجود عدد إناث ضعف عدد الذكور» ذكر واثنتان، أو ذكرين وأربع إناث، أو ثلاثة ذكور وست إناث، وهكذا. أما فى حالة أن يكون عدد الإناث أكبر من ضعف عدد الذكور، كوجود ذكر وثلاث أو أربع أو خمس إناث فيقول الله تعالى: «فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك»، أما إن كانت له أخت واحدة فلها النصف، وللذكر النصف الآخر، كما جاء فى قوله تعالى: «وإن كانت واحدة فلها النصف».
وهو ما يؤكد أن الأساس المتحول فى قوانين الإرث، هو الإنثى وأن الذكر تابع تتغير حصته بتغير عدد الوارثات، فلو كانت له أخت واحدة فله النصف ولها النصف، وإن كانتا اثنتين، فله مثل ما لهما، وإن كن فوق اثنتين فله الثلث، ولهن الثلثان مهما كان عددهما، وفى حالة ترك المتوفى إناثاً فقط، أو ذكوراً فقط، فإن التركة تقسم بينهم بالتساوى، وهى الحالة الوحيدة التى لم يذكرها القرآن الكريم، لأن التعامل معها بديهى ولا يحتاج لتفكير.
أما الدكتور أحمد عبدالرحيم السايح، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، فقد أفتى بأنه لا يوجد شىء اسمه تعدد الزوجات فى الإسلام، وإنما النظرة الدونية للمرأة هى التى جعلت المسلمين يجمعون الحكايات والأساطير والأعراف ويضيفونها للإسلام وهو منها برىء، وأوضح أن جميع الآيات التى جاءت فى هذا الصدد لم تبح تعدد الزوجات على إطلاقه، إنما ربطته فقط باليتامى والمطلقات، كقوله تعالى فى سورة النساء: «وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء»، واستخدام الشرطية يعنى عدم إباحة تعدد الزوجات على إطلاقه، خاصة من الفتيات البكر، بالإضافة إلى ذلك فإن الله تعالى عادل، وإذا أباح تعدد الزوجات للرجل، فإنه كان سيبيحه للمرأة.
أغضب هذا التفسير الكثير من فقهاء الأزهر، الذين أكدوا أن تعدد الزوجات مقرر شرعا، والرسول صلى الله عليه وسلم جمع فى زواجه بين المطلقات والبكر، وأمهات اليتامى، رافضا إصدار أى قوانين ترفض تعدد الزوجات.